يافا: واقع عصيب ومستقبل مجهول

يواجه أهالي يافا العرب ظروفا قاسية جدا بفعل التضييقات التي تفرضها السلطات الإسرائيلية عليهم لحملهم على اليأس والإحباط ودفعهم إلى ترك مدينتهم، كما يواجهون ظواهر خطيرة كالعنف وجرائم القتل التي سقط ضحيتها شبان وشابات في عمر الورد.

يافا: واقع عصيب ومستقبل مجهول

يافا، آذار2017

يواجه أهالي يافا العرب ظروفا قاسية جدا بفعل التضييقات التي تفرضها السلطات الإسرائيلية عليهم لحملهم على اليأس والإحباط ودفعهم إلى ترك مدينتهم، كما يواجهون ظواهر خطيرة كالعنف وجرائم القتل التي سقط ضحيتها شبان وشابات في عمر الورد.

وقال الناشط عبد أبو شحادة (28 عاما) من مدينة يافا، لـ'عرب 48'، إنه 'بينما نظرت إلى وجوه الشباب في جنازة ضحية عنف، فهمت أنني أنظر إلى نفسي، لا أعرف كيف أقول لهم عذرا. للأسف الشديد، على ما يبدو، سيضطر الشبان أيضا المرور بهذه التجربة المرعبة في يافا حيث الواقع العصيب والمستقبل المجهول'.

لا يعوّل أبو شحادة على الشرطة الإسرائيلية أن تكون هي صمام الأمان للمجتمع العربي، وقال إنها 'تتعامل مع المواطن العربي في المجتمع كعدوٍ وترى فيه مشكلة ديمغرافية. ارتفاع نسبة العنف والجريمة في المجتمع العربي واليافيّ ثمرة سياسة ممنهجة من الدرجة الأولى. قد يكون الواقع أقسى من الوصف، جرائم القتل في المجتمع العربي ليست إلا فصلا من كتاب الموت الذي أصبح صناعة مبرمجة، يضم في طياته حوادث الطرق والعمل، إذ ترفض السلطات وخاصة الشرطة الإسرائيلية، قراءته، فهي تسعى جاهدة بكل الطرق والوسائل لتجنيد المواطنين العرب بهدف انسلاخهم عن الهوية العربية الفلسطينية، وتتقاعس في كل ما يتعلق بكبح جماع العنف والجريمة'.

قتل في مدينة يافا في العام الماضي 2016 ثلاثة أشخاص بينهم امرأتان، ومنذ مطلع العام الجاري 2017 قُتل ثلاثة أشخاص بإطلاق النار، ولم تعتقل الشرطة مشتبهين على خلفية الجرائم التي باتت تؤرق أعين المواطنين في يافا.

وأضاف أبو شحادة، إن 'ما يحصل في يافا من استشراء العنف وجرائم القتل مؤلم جدا، فنحن نتحدث عن عشرات جرائم القتل التي وقعت منذ عشرة أعوام، ولم يترك هذا الجرح المفتوح عائلة أو مواطنا في يافا إلا ومسّه، وعلت صرخات الأمهات الثكالى اللواتي فقدن أولادهن بلحظة لا تزال تلازمني، فبعضهم أصدقاء مقربون فقدتهم دون أن أعرف سبب قتلهم حتى الآن، كانوا في ريعان شبابهم، وهم مثقفون ومتعلمون ومنهم من كان ينتمي للحركة الوطنية'.

عبد أبو شحادة

وعن الجريمة الأخيرة التي راح ضحيتها المرحوم الشاب معتز المصري، قال أبو شحادة إن 'هذه الصدفة قد تجسد الواقع الأليم الذي تعيشه مدينة يافا، المرحوم معتز كان من خيرة شباب البلدة، قبل أن يُقتل أصيب بإطلاق النار في مشهد تمثيلي، حين كان يمثل دور أحد الشباب في فيلم 'العجمي' الذي يحاكي الواقع في يافا، ولم يعلم معتز أنه سوف يكون ضحية إطلاق النار في الحقيقة، فتلك الصدفة لربما أكبر شاهد على هذا الواقع. أعتقد أن كل التحليلات لصورة الوضع في يافا والمجتمع العربي إزاء العنف والإجرام جيدة، لكن حين أعاتب نفسي كناشط سياسي وعضو في الحركة الوطنية يجب علي أن أعترف أنني فشلت في معالجة هذه الحالة العصيبة'.

وعن تقاعس الشرطة قال الناشط أبو شحادة، 'أتهم الشرطة في كل ما يحصل من تفشي العنف والإجرام في الدرجة الأولى، ولا يمكنني أن أعول عليها، فهي لم ولن تكون صمام الأمان للمجتمع العربي، لأنها تعاملنا كعدو وليس كمواطنين بشكل دائم، وهذا أمر غير منطقي'.

وعن دور الأحزاب والحركات السياسية قال أبو شحادة، إنه 'في المقابل نسمع الأحزاب تتحدث عن هوية قومية وتحرر قومي وتنظم مظاهرات وما إلى ذلك، لكن ما يرفضون إدراكه بأنهم مع كل التفسير لوضعنا البائس لم يأبهوا بأن يشرحوا لنا، نحن الشباب، ما القصد بكلمة قومية؟ أليس من المفترض أن تعتمد قومية المحتل على أخوة الشعب المحتل؟ هل هدفهم حقا أن يعملوا على خلق هوية مشتركة بيننا يكون فيها كل الشباب العرب بنفس القارب؟ وأن يوضحوا أن المشكلة ليست فينا إنما بمن احتل وهدم هويتنا، هؤلاء الذين جعلونا نعتقد بأننا أعداء؟ أم أن عنفنا قد أصبح موضوعا يتداوله المثقفون والعلمانيون الذين يجلسون في الأكاديمية ويحللون الظواهر. يجب على القياديين أن يبسّطوا خطابهم للناس كي يصل لتلك القلوب البسيطة التي لا تهتم بالتحليلات والنظريات السياسية، وكل همها العيش بكرامة وأمان، يجب أن ننزل إليهم، إلى الشارع، وأن نشعر بما يشعرون، وأن نعيش الواقع ولو للحظة'.

وعن أهمية الحفاظ على الهوية الوطنية، قال أبو شحادة، إن 'كثيرًا من الخطابات نسمعها من القياديين عن الهوية الوطنية، لكن هل سألنا أنفسنا إذا ما فهم المواطنون من الخطابات ما هو جوهر الهوية الوطنية؟ وهل فهمنا معنى الانتماء والكبرياء للوطن؟ يجب أن يدرك الشباب أن الهوية الوطنية هي من الأهم الأمور الذي يجب تعرفيها وسط هذا التشرذم. كيف نشرح للأولاد معنى أن تكون عربيا اليوم. الجميع يتهمنا بكل شيء ويذرف دموع التنين عندما يصيبنا أي مكروه، السلطات تنظر إلينا كمصدر إزعاج، والنخب العربية في يافا ترفض النظر إلينا كجزء مترابط من المجتمع، وقرّرَت بشكل واع التقوقع في فقاعتها وعدم إبداء أي شعور بالمسؤولية تجاه البقية واستخدامهم حتى لمصالح اقتصادية أنانية وضيقة'.

وأنهى أبو شحادة أنه 'يجب أن نعلم جميعًا وخاصة الشباب أن من يستعمل العنف تجاه الآخر في المجتمع، ليس فقط يعتدي على الضحية، إنما يعتدي على نفسه أولاً ومن ثم على والدته وعائلته وبلده، يجب أن نعي أننا في وضع سياسي عصيب، يشكل خطرا على كياننا ووجودنا، لذا علينا التكاتف والتوحد، فكلنا أبناء جلدة واحدة، همّنا واحد وألمنا واحد وبوصلتنا واحدة وليس لنا إلا وطن واحد، ومن يؤمن أنه صاحب قضية وأنه على حق عليه أن يتصرف بمسؤولية ويرى المصلحة العامة نصب أعينه، وأنه ليس وحده في هذا العالم، إنما هو جزء من مجتمع كامل متكامل'.

التعليقات