نساء في دائرة الفقر: امرأة عصامية تنشد حياة كريمة لأولادها

تتعدد الأماني والآمال التي تتطلع النساء العربيات في البلاد إلى إنجازها وتحقيقها، في ظل أوضاع اقتصادية متدنية، وظروف اجتماعية صعبة للغاية.

نساء في دائرة الفقر: امرأة عصامية تنشد حياة كريمة لأولادها

انتهال (عرب 48)

تتعدد الأماني والآمال التي تتطلع النساء العربيات في البلاد إلى إنجازها وتحقيقها، في ظل أوضاع اقتصادية متدنية، وظروف اجتماعية صعبة للغاية.

وكأن الأمل مع كل بداية عامٍ يبدو قريبًا بالأفق، ليمكّن النساء الكادحات من المضي وسط هذه الحياة وصعوباتها وتحدياتها التي تزداد صعوبة في كل فترة، لا سيما على نساء حملن دور الأم والأب معًا، ويكدحن ليلا ونهارا لمواجهة ضنك الحياة، في ظل واقع لا يزال يُبدد تلك الأحلام والأماني على صخرة الفقر والتهميش في كل عام.

حلُمت السيدة 'انتهال' في اليوم العالمي للمرأة الذي صادف أمس الأربعاء، الثامن من آذار/ مارس، بتحسين ظروف معيشتها، والعيش بعيدة عن بؤر الفقر المدقع الذي يحدق بالعائلة، لم تطلب سوى أساسيات الحياة التي من المفروض أن تتوفر لأي إنسان، كطعام الأولاد وملبسهم، وسقف بيتٍ متواضع يأويها وأولادها.

تعيش الوالدة وأولادها الأربعة، ثلاثة تحت سن الـ18 عاما وشاب في الـ19 ربيعا بعد أن تركها زوجها منذ 12 عاما في ظروف معيشية صعبة، حيث انعدمت متطلبات الحياة الأساسية.

بدأت انتهال حديثها لـ'عرب 48' عن حقها بحياة كريمة حُرمت منها منذ أن تزوجت. وعند سؤالي لها ما هي الحقوق التي كنتِ تتمنيها اليوم؟ قالت بصوت مملوء بالثقة 'من حقي العيش كأي امرأة في هذا المجتمع، المرأة ليست كما يريدونها للبيت فقط، صحيح أنها هي المدرسة الأولى لتربية الأولاد، إلا أنه بإمكانها أن تبدع كالرجل وأكثر أحيانا، ولو خيروني باسترجاع حقوقي، وأقولها بصراحة أنها سلبت مني، لاخترت الأساسيات المعيشية والانخراط في التعليم الجامعي الذي صار حلما بالنسب لي مع اشتداد ظروف الحياة، ولكان حالي وأولادي أفضل مما نحن عليه الآن ولما احتجت رجلا يدفع لي ولأطفالي تكاليف العيش، ولما احتجت اختيار الأعمال الشاقة التي أنهكت جسدي'.   

لم تستسلم انتهال رغم الظروف القاسية، عاشت في بيت بالإيجار، عملت منذ الصباح حتى المساء وأنشأت نمط حياة خاص بها، حياة تتلاءم مع ظروفها، فهي الأب وإلام، هي التي تنصح الأولاد وهي التي تربيهم وتدرسهم، وهي التي تصرف عليهم، وهي التي تغسل الملابس وتصنع الطعام وتشتري الحاجيات والأغراض لأولادها.

توجهت إلينا انتهال، بالكثير من التساؤلات، 'ألا تعتقد أنني ناجحة كتلك النساء المتعلمات اللواتي حصلن على ألقاب جامعية عليا؟ أليست تربية الأولاد تربية صالحة في هذه الظروف الصعبة تحتاج إلى عشرات الألقاب الجامعية؟ أليس هذا كفاح في مواجهة صِعاب الحياة؟ أنا امرأة ناجحة ولا شك عندي بذلك، فلو كانت الظروف متاحة لي كباقي النساء لتغيّرت الأمور والأحوال، لكن وسط هذا السواد الدامس أرى مشكاة صغيرة تنير لي دربي كنت قد حرصت على نورها ألا ينطفئ، أولادي قرة عيني'.

أسوار البيت كانت متهالكة، أغراضه متناثرة في كل مكان، لم تجد من يرمم البيت ويسد جوف النقص، ويُجدد بعض المستلزمات التي أكل عليها الدهر وشرب. كانت انتهال تتلقى مخصصات مؤسسة التأمين، تعمل في الصباح مقابل أجر منخفض جدًا، بالكاد يلبي احتياجات أولادها، من أدوات قرطاسية ومأكل ومشرب، كانوا بحاجة إلى ملابس، وتارة إلى مصاريف أخرى، لكن لم تسمح الظروف بتلبية كل المتطلبات، وقالت انتهال لـ'عرب 48' إن 'قلبي كان يكتوي حين يطلب الأولاد أمرا ما وأكون عاجزة على تلبيته، هنا كانت السماء تتحول إلى سوداء، وأعجز عن النطق بكلمة، كنت أتمن في تلك اللحظة أن تنتهي حياتي، لأنه لا يوجد أصعب من أن تكون عاجزًا أمام أولادك الذين لم يعوا وهم صغار ما معنى فقر، وألا يكونوا كأصدقائهم في المدرسة'.

لم تعوّل انتهال على مؤسسات الدولة كالتأمين ولا المجتمع بعد أن تركاها وحيدة وسط دوامة الحياة، صارعت وكافحت وبقيت وصمدت، وأكدت: 'صمدت في وجه الصعاب وحرصت على تربية الأولاد تربية صالحة، الأولاد سوف يكبرون، وسوف تكون لهم حياتهم الخاصة دون أن يفسدها عليهم أحد. علمتني الحياة أن المرأة يجب أن تكون قوية وقادرة على حماية نفسها من غدر الزمان، وفي النهاية كل إنسان يجني ثمار ما زرع، وأنا وحدي من سوف يدفع ثمن خطئي إن كنت قد أخطئت، وأنا متأكدة أنني لست كذلك'.

التعليقات