الرصاص العشوائي: من ستقتله الرصاصة القادمة؟

لا تتطلب هستيريا الرصاص الطائش أرقاما صادمة للناس ليدركوا هول المأساة التي تلاحقهم، إذ باتت أسماء الذين سقطوا في ساحات منازلهم أو داخل بيوتهم أو في الشوارع أو في سياراتهم حكايات موجعة وذكريات مؤلمة.

الرصاص العشوائي: من ستقتله الرصاصة القادمة؟

الطيبة، تموز 2017 (عرب 48)

لا تتطلب هستيريا الرصاص الطائش أرقاما صادمة للناس ليدركوا هول المأساة التي تلاحقهم، إذ باتت أسماء الذين سقطوا في ساحات منازلهم أو داخل بيوتهم أو في الشوارع أو في سياراتهم حكايات موجعة وذكريات مؤلمة.  

يمتزج أزيز الرصاص مع أصوات الأهازيج الشعبية في الأفراح، رصاصُ 'الفرح' هو نفسه رصاص القتل الذي يصيب ضحاياه ويسلبهم الحياة، ليتحول الفرح إلى ترح، وفي الكثير من الحالات أصاب الرصاص أناس أبرياء كانوا يجلسون بعيدا عن أمكان إطلاق النار لتسقط العيارات النارية عليهم، فتقتلهم أو تصيبهم، كما حدث في عدة بلدات مثل كفر ياسيف والطيبة.

وعلى الرغم من المناشدات والنداءات الداعية للحد من ظاهرة إطلاق الرصاص في الأفراح وفوضى السلاح منذ فترة طويلة، إلا أنها لا تزال مستمرة في تعكير صفوة حياة المواطنين الآمنين وسلبهم الآمان في بيوتهم.

ولا يقتصر الرصاص 'الطائش' على رصاص الأفراح فحسب، فقد يكون مجرد إطلاق نار عشوائي في أحد شوارع المدينة أو القرية كما تشهد البلدات العربية بشكل شبه يومي، أو تبادل إطلاق نار بين مجموعات جنائية، وتتفاقم الأوضاع في ظل صمت المجتمع وتقاعس الشرطة وغياب سلطة رادعة توقع أشد العقاب بحق المجرمين.

المسؤولية

وقال المواطن عبد الرحيم عودة من قلنسوة لـ'عرب 48' إن 'إطلاق النار لا يصنع من صاحبه بطلا مقداما، نحن في غنى عن سماع صوت إطلاق النار سواء بالأفراح أو غيرها'.

وأضاف أن 'النتيجة لإطلاق النار دائما سلبية، وفي كثير من الأحيان فقدنا أحباء لنا، كان آخرها المرحومة أم جواد نادية برانسي من الطيبة. الرصاصة التي سميت طائشة لا فرق بينها وبين الرصاصة المتعمدة لأن النتيجة في النهاية قتل ووفاة'.

وعن المسؤولية، قال إن 'المسؤولية كاملة تتحملها الشرطة التي أهملت المجتمع العربي وسمحت بإدخال السلاح بكميات كبيرة إلى البلدات العربية، وهي تصور نفسها بأنها تلاحق حاملي السلاح، والإجرام يستشري في مجتمعنا'.

وختم عودة بتوجيه نداء بالقول إنه 'على الشرطة ملاحقة تجار الأسلحة والمخدرات، إذ أن هذا هو عملها الأساسي وعليها عدم التذرع بحجج واهية كعدم مساعدة المواطنين لها، هذا الطرح لا يخدمنا بل على العكس تماما فإنه سوف يدمر عائلات ويوقع الكثير من الأبرياء بالشبهات، وطنيا واجتماعيا، ويُخشى من ممارسة ضغوطات من الشرطة والمخابرات على تشغيل البعض لحسابها وليس لحماية المجتمع'.

ثقافة مغايرة

وقالت الناشطة النسوية أسمهان جبالي من الطيبة لـ'عرب 48' إن 'حيازة السلاح وجرائم إطلاق الرصاص العشوائي في الهواء ليس مجرد ظاهرة بل باتت ثقافة أو قل إنها مرض سرطاني ينخر عظام مجتمعنا، وللأسف هذا التسيب والإهمال والاستهتار ينتهك حياة الإنسان'.

وتابعت أنه 'للأسف لا يوجد رصاص طائش بل يوجد فكر طائش، فكر فارغ، ثقافة قاتلة، لقد اعتدنا أن نعلق أخطاءنا على غيرنا كي نتهرب من المسؤولية'.

وعن المسؤولية إزاء الظاهرة الخطيرة، قالت جبالي إن 'المسؤولية تقع علي أولا كأم وكمواطنة وكإنسانة، علينا الاعتراف بالمشكلة أولا، وتأنيب الضمير هو بداية حل للمشكلة، علينا جميعا أن نبدأ بأنفسنا، أن نبدأ بالتغيير في بيوتنا لا أن نقف مكتوفي الأيدي وأن نقول بيتي آمن وابني في أمان، نحن مطالبون بنبذ ثقافة اللهم نفسي'.

ووجهت رسالة إلى المجتمع بأنه 'يجب علينا أن نصرخ عاليا وننفض الغبار عن صمتنا، وأن نحسن تربية أبناءنا، وأن ننظف مجتمعنا من غبار الفكر السلبي، نحن مطالبون بأن نعزز الانتماء لبلدنا وأن نقف صفا واحدا ضد ثقافة العنف، لأننا كلما عززنا الثقافة وزاد وعينا الثقافي واتسعت دائرة الثقافة كلما ضاقت دائرة العنف'.

وأعربت عن خوفها مما يحصل، مؤكدة 'ينتابني القلق والخوف على كل بلدي قبل بيتي، أخاف على شبابه ونسائه وأطفاله، أخاف على مجتمعي العربي قبل مدينتي، خوفي هذا يزداد كلما ارتفع عدد الضحايا في جرائم القتل'.

وختمت جبالي بتوجيه نداء إلى المجتمع العربي، 'انفضوا الغبار عن صمتكم، باشروا بالتغيير في أنفسكم، أنعشوا أرواحكم بابتسامتكم، ضموا أبناءكم واحتووهم ولا تدعوا الشارع وثقافته تتغلب وتحتوي فلذات أكبادكم، يجب علينا أن نعزز نشاطاتنا الثقافية، فمن يشتري تذكرة لحضور مسرحية أو لمشاهدة فيلم لا يشتري رصاصة، ونحن معا ويدا بيد نبني مجتمعنا ونحقق ما نطمح إليه'.

فشل المجتمع

وقال الناشط السياسي د. حسام عازم من الطيبة لـ'عرب 48' إن 'الرصاصة موجهة لكل واحد وواحدة منا، إنها رصاصة العنف، رصاصة الفساد الأخلاقي، إنها رصاصة تتضمن رسالة عن فشلنا كمجتمع في التصدي لهذه الظاهرة المقيتة'.

وأضاف أن 'الشرطة المتقاعسة في تنفيذ عملها بحماية الناس لا تقوم بمحاربة الظاهرة، نحن نتوجه للشرطة ونطالبها بالقيام بعملها ومحاربة العنف'.

وختم عازم بالقول إنه 'علينا كمجتمع أن نضغط على الشرطة بكل ما نملك من قوة لتقوم بعملها، إضافة إلى واجبنا كقوى سياسية واجتماعية وأخذ دورنا في تثقيف وتوعية الناس، وخصوصا الشباب'.

التعليقات