سيارة الموت: يارا تروي لحظات ما قبل التفجير

جلست يارا في غرفتها على كرسي متحرك، مبتورة القدم تغطي ساقها الثانية بشرشف مخملي، لفت يدها التي تعرضت لإصابة خطيرة بشاش، بدأت كلامها بوصف ما حدث، "لم أتخيل يومًا أن الضغينة تصل بأحدهم حد التفجير".

سيارة الموت: يارا تروي لحظات ما قبل التفجير

يارا أبو عبلة (عرب 48)

مر ما يزيد عن شهر على محاولة قتل الشابة يارا أبو عبلة (25 عامًا) من قرية يركا، في جريمة تفجير سيارتها التي تسببت لها بإصابات خطيرة، فقدت على أثرها أحد ساقيها، ترقد حتى هذه اللحظة في مستشفى "رمبام" في مدينة حيفا وتتلقى العلاج، فيما لا تزال القضية مفتوحة والأقاويل تتناثر من حولها.

لاقت الجريمة موجة استنكارات واسعة شهدتها القرية، لتعم بعد ذلك جميع البلدات العربية، وتعددت القصص والروايات المستهجنة وأخرى واقعة تحت أثر الصدمة، إذ أن الشروع في جريمة قتل على هذه الشاكلة تكون ضحيتها فتاة عربية ليس من المسلمات في المجتمع الفلسطيني في أراضي الـ48. عجت مواقع التواصل الاجتماعي بالتكهنات والتساؤلات المغلفة بالاستنكار، ولكن السؤال الذي أُثير بكثرة ليطفو على السطح، "ما هي القصة؟ ولماذا التفجير؟".

عمد موقع "عرب 48" على محاورة الضحية الشابة يارا أبو عبلة في مكان مرقدها بمستشفى "رمبام"، حوار مفتوح عبّرت من خلاله يارا عما يختلج في صدرها.

جريمة وضغينة

جلست يارا في غرفتها على كرسي متحرك، مبتورة القدم تغطي ساقها الثانية بشرشف مخملي، لفت يدها التي تعرضت لإصابة خطيرة بشاش، بدأت كلامها بوصف ما حدث بالقول إنه "لم أتخيل يومًا أن الضغينة قد تصل بأحدهم إلى درجة التفجير".

وصفت الجريمة بالقول إنه "كنت في طريق عودتي من العمل، كل شيء حدث بلحظة، قبل أن أصل إلى بيتي بأمتار قليلة، دوى صوت انفجار كبير، لم أشعر بنفسي إلا وقد قفزت من شباك السيارة، لا أدري كيف ومتى، ولكن هذا إلهام رباني بلحظة الخطر، لم أستوعب ما حدث، فقدت الوعي، لكنني كنت أسمع أصوات الناس من حولي يقولون انفجار، لقد تفجرت السيارة".

وأضافت يارا أنه "في المستشفى استيقظت على صوت أخي، أول ما قلته له هل هذا عطل في السيارة؟ ألم أقل لكم أن السيارة تعاني من عطل؟ بكى على وقع كلامي ولم أفهم، بداية، لماذا؟ لكنه قال لي لاحقًا إنها قنبلة كانت في السيارة، فصدمت، وما زاد من صدمتي أن القنبلة كانت بلا ضابط زمنيّ، ما يؤكد أنني كنت المستهدفة"، تساءلت، "ماذا لو أن ابنتي كانت معي؟ فالمستهدف أيضًا أهلي".

وحول ما قيل عن عدد من المشتبهين الذين ذكرت أسماؤهم في شبكة التواصل الاجتماعي، قالت يارا إنه "لا يمكن أن يكون لهم يد بما حصل؟ إذا كنتم تقصدون زوجي السابق فنحن انفصلنا منذ 6 سنوات، وليس من المنطق أن يستهدفني اليوم، وحتى الوضع بيننا مهما كان مزريًا لا يمكن أن يصل إلى هذه الجريمة الشنيعة، فمثلما أسلفت سابقًا، القنبلة لا تحتوي على ضابط زمني، كان بإمكانها استهدافها أي أحد آخر من العائلة".

المجرم مجهول

وحول الوضع القانوني، أوضحت يارا لـ"عرب 48" أن " الإجراءات القانونية سارية، ولغاية هذه اللحظة لا يوجد أي نتيجة واضحة، فالجاني مجهول ولا يمكنني أن أتهم أحدًا بهذا الإرهاب الفظيع، أنا الاَن مشوّشة، ولكني قوية وأؤمن بقضاء الله وقدره".

جلست يارا بهدوء وتحدثت بقوة ورويّة ما دفعنا إلى السؤال عن سرّ هذه القوة، فقالت "أنا إنسانة مؤمنة بالله، بالإضافة إلى وجود ابنتي إلى جانبي، لا أريدها أن تعيش بخوف وقلق، لذلك أنا اليوم قويّة ومؤمنة".

سألناها، "الجريمة أوقفت بعض ما كنت تريدين تحقيقه، هل لك أن تحدثينا عنه؟ أخذت نفسًا عميقًا وقالت بألم، إنه "بعد كل ما ألّم بي وكل الذي حصل لي بحياتي السابقة كنت قد اتخذت قرارًا باستكمال تعليمي الجامعي بتخصص علم النفس، وكان هذا بمثابة حلم منذ الصغر عزمت على تحقيقه الآن، وفعلًا سجلت في الجامعة وكنت مقبلة في بداية آذار/ مارس المقبل على البدء بأول فصل جامعي لي، ولكن للأسف حلم التهمته يد الجريمة فأُجّل حتى إشعار اَخر".

الوالدة والخوف على ابنتها

وحول وضعها الصحيّ، صرّحت يارا أنه "طبعًا رجلي اليمنى بُترت، أما الثانية فقد تعرّضت لأذى كبير سيستغرق الكثير من الوقت لإتمام الشفاء، الاَن وضعوا لي مادة ‘البلاتين‘ لتقويمها، بالإضافة لتمزق الأوردة، هناك العديد من الإصابات في أنحاء مختلفة من جسدي، وكما ترين يدي ملفوفة بسبب الإصابة الكبيرة أيضا".

كانت يارا ترقد في غرفتها برفقة والدتها التي بدا عليها الحزن الشديد بمجرّد أن بدأت ابنتها بالحديث عن الجريمة، توجهنا إليها بسؤال عن وضعها، قالت "أنا فعلًا فقدت الإحساس بالأشياء والأشخاص، فلم أتخيّل يومًا أن يصل الحال ببلداتنا العربية إلى إقدام أحدهم على عملية تفجير تستهدف أيًا كان".

وأعربت والدة يارا عن خوفها، وقالت: "أعترف أنني كنت خائفة عليها دائمًا فقد كنت أحس بأن الخطر يحوم من حولها منذ سنوات، إلا أن أبعد توقعاتي لم تصل إلى حد جريمة تفجير تستهدف ابنتي، أي حقد هذا لا أفهم، أنا الآن أخاف من خروجها ودخولها، وأخاف على حفيدتي ومستقبلها وحياتها، ليس هناك أصعب من أن تعيش بخوف طوال الوقت".

إعلام مُضلل

كثُرت التناولات الإعلامية اختلافها حول الجريمة، فهرعت وسائل الإعلام العربية والعبرية منها على محاورة الضحية وتغطية الأحداث، إلا أن هناك وسائل إعلام عبرية أصرت على تصوير الجريمة بمنظورها الخاص الذي أثار حفيظة يارا، قالت إنه "للأسف هناك وسائل إعلام عبرية استغلت الجريمة لتصوير الوضع بالبلدات العربية بطريقة مهينة، استخدموني لهذا الغرض، اقتطعوا حديثي لتوظيف ما تبقّى منه بسياق معاكس".

وختمت ضحية جريمة التفجير، يارا أبو عبلة، بالقول إن "هذا المصاب كشف عن أصالة أهل بلدي يركا، بتعاطفهم وتضامنهم الكبيرين، البلدات العربية وخاصة يركا تعاني من العنف المستشري فيها، ويوميًا نسمع عن حوادث مختلفة، إلا أن هذا لا يقول إن الخير منقطع والوضع مخيف حسبما حاولت وسائل إعلام عبرية تصويرها وفقًا لأهوائها وأجندتها".

 

التعليقات