10/03/2018 - 15:55

"لا يمكن لعقلنا التحليق في سماء الحداثة إلا بأجنحة ثقافتنا وتاريخنا"

"لا يمكن لعقلنا الجمعي التحليق في سماء الحداثة الا بأجنحة ثقافتنا وتاريخنا ورموزنا.. الموروث الطبي العربي الإسلامي من أهم واغني ما خلفته المجتمعات المتمدنة عبر الأزمان.. أشباه المبادرات التي تطل برأسها تحركات مزاجية محدودة المدى وغير صريحة الهوى"

عمر سعيد: لا يمكن لعقلنا الجمعي التحليق في سماء الحداثة الا بأجنحة ثقافتنا وتاريخنا ورموزنا

* الموروث الطبي العربي الإسلامي من أهم واغني ما خلفته المجتمعات المتمدنة عبر الأزمان

* أشباه المبادرات التي تطل برأسها تحركات مزاجية محدودة المدى وغير صريحة الهوى

* النفسية الوطنية المسؤولة غير حاضرة لدى نخبنا وأحزابنا وقيادتها

* التجمع مطالب أيضا بإجراء مراجعة نقدية لمسيرته التي باتت تنتظر الترميم والصيانة

* مراجعة الموقف من الكنيست و الدولة الواحدة يجب أن تتم ضمن مسار منظم وواسع


يمثل د.عمر سعيد حالة قد تكون فريدة في المشهد الوطني، من حيث الانفصام والتكامل في الشخصية المنقسمة مناصفة بين السياسي والأكاديمي اللذين يتداخلان بسلاسة في تشكيله الإنساني، وينفصلان بكياسة في تشكيل الدورين المختلفين اللذين يلعبهما ذات الشخص، السياسي الوطني المتماهي مع قضيته حتى العظم، والأكاديمي النشط الغاطس في بحور علمه وبحوثه حتى الرأس.

وإذا كان التعليمي بالنسبة له صفة مكتسبة، فإن السياسي سمة موروثة خبرها منذ نعومة أظفاره وخاض غمارها وهو على مقاعد المدرسة الثانوية، قبل أن يحملها معه إلى الجامعة حيث شكل، إضافة إلى ما تمتع به من اجتهاد فكري وعمق سياسي، حالة متطورة رفدت الحركة الطلابية وطليعتها الحركة الوطنية التقدمية - أبناء البلد التي كانت في طورالتأسيس والتبلور، فكان أحد أعمدتها الرئيسية ونواتها الصلبة، ومن أبرز المساهمين في ترسيخ وتعميق نهجها الوطني، وكان لقلمه دور حاسم في بلورة وعقلنة خطابها السياسي ورؤيتها الفكرية الجذرية التي تبلورت من خلال عملية صراع مرير مع أعداء وخصوم اجتمعوا على هدف الإجهاز على التيار الوطني الناشئ، لما كان يحمله من بذور تقويض أركان بنيانهم الهش.

لقد ساهم د. سعيد عبر عشرات المقالات والكراسات والدراسات التي أنجزها في وقت مبكر، في نقل الصراع على الجبهة الأيديولوجية إلى مرحلة متطورة تجاوزت المناكفات والمماحكات السياسية، نحو نقاش نظري يعتمد في محاججاته على وقائع التاريخ ومدلولاتها، ويقف على خصائص النظرية وتطبيقاتها في الواقع الوطني، وهو نقاش لم يضع فقط نقاط الخلاف والالتقاء وفواصله موضع التنفيذ، بل أرسى الدعائم الفكرية والسياسية لبرنامج الحركة الوطنية.

ومن الطبيعي أن يضعه ذلك إلى جانب دوره الفعلي في ميادين وساحات النضال الطلابية والجماهيرية، في قائمة أهداف أجهزة القمع المخابراتية، التي لجأت إلى استخدام الإقامات الجبرية والاعتقالات والتحقيقات الإرهابية في إطار حملتها الشاملة ضد الحركة الوطنية والنيل من عناصرها القيادية وتحويلهم إلى نماذج فاشلة "لا تحتذى".

ولكن المفاجأة كانت أنه، وبعد عشر إقامات جبرية استمرت تراكميا لخمس سنوات، وعشرات التحقيقات والاعتقالات والمحاكمات والسجن الفعلي المتراكم لمدة سنتين، حصل عمر سعيد عام 1992 على شهادة الدكتوراة في علم الأدوية والعقاقير من كلية الطب في التخنيون، ليقلب المعادلة، ويحوّل نموذج الفشل الذي كانوا يسعون لتسويقه من خلاله، إلى "موديل" نجاح وتحد وإصرار، بعد أن حطم قاعدة أرادوا إرساءها، بأن كل ناشط سياسي جدي في الحركة الطلابية، حتى ولو كان متميزا علميا، مصيره الفشل، لأن المخابرات هي صاحبة الحل والربط.

بعد خروجه إلى الحياة العملية، واصل عمر سعيد نشاطه السياسي جنبا إلى جنب مع نشاطه العلمي، حيث شغل بين أعوام 1992-1995 قائما بأعمال رئيس مجلس كفركنا ممثلا عن حركة أبناء البلد، قبل أن يلتحق عام 1995 بالعمل كباحث رئيسي في مركز أبحاث الجليل، ومسؤول ملف البحث والتطوير في مجال التأثير الدوائي لمركبات مستخلصة من الأعشاب الطبية المستندة للطب العربي الإسلامي.

ولم يتوقف طموحه العلمي عند هذا الحد، فقام عام 1998 بتأسيس شركة الأنطاكي للتداوي بالأعشاب، والتي ترجمت لاحقا أبحاثه الأولية لمنتجات عالية الجودة، وتم تسويقها من قبل شركات عالمية في أوروبا وأميركا. ثم قام عام 1999 بتأسيس "الميسم"- مركز النباتات الطبية للبحث والإرشاد، وذلك في إطار عمله باحثا في مركز البحث والتطوير، وهو المركز البيوتكنولوجي الأول في الوسط العربي، الذي عمل على توظيف البحث العلمي لتحديث الموروث الطبي الشعبي وتهيئته لمتطلبات الاستخدامات العلاجية، من خلال رفع وتطوير المستوى العلمي والتطبيقي لطلابنا، عن طريق تنفيذ البرامج والمشاريع التعليمية غير المنهجية في مواضيع علمية متنوعة.

وخلال تلك الفترة وحتى اليوم قام بنشر عشرات المقالات البحثية في مجلات علمية متخصصة وذات مستوى تحكيم عالمي، فضلا عن نشر 5 فصول بحثية في كتب عالمية متخصصة.

وفي عام 2011 قام هو والدكتور بشار سعد بإنجاز كتاب مرجعي حول الطب العربي الإسلامي " تحت عنوان "Greco-Arab and Islamic Herbal Medicine"، والذي يتناول كافة الجوانب المتعلقة به، وتم نشره من قبل دار النشر العالمية "ويلي أند سنز"، والتي بادرت إلى التوجه للباحثين بهذا المشروع، تقديرا لأعمالهما العلمية المتخصصة في الطب العربي الإسلامي، والتي تنشر تباعا في المجلات العلمية الهامة.

ثم عمل على تأسيس شركة بيليف (2011)، والتي تم من خلالها تطوير قائمة طويلة من المنتجات النوعية القادرة على منافسة الكثير من الأدوية الكيميائية.

وفي الحقل السياسي لعب دورا حاسما بصفته القيادية في أبناء البلد، في تأسيس التجمع الوطني الديمقراطي، الذي ما زال يشغل حتى اليوم عضوية مكتبه السياسي ويعتبر أحد قادته البارزين، كما قام بنشر عشرات المقالات الفكرية والسياسية التي لا يقل أثرها وقيمتها المعنوية عن مؤلفاته ومقالاته العلمية، علما أن الملاحقة السياسية ضده لم تتوقف حيث جرى اعتقاله عام 2010 بتهمة "النشاط المعادي للدولة"، وسجنه لعدة أشهر.

في مقاله الأخير "تأملات خارج أقفاص الفكر والعصبيات"، يضع عمر سعيد يدنا على المشترك في حقلي عمله ونشاطه العلمي والسياسي، عبر توظيف أمثلة من تاريخ تطور العلوم الطبية والفلسفية واستحضار جلال الدين الرومي والمتصوفة لتدعيم حججه السياسية. المشترك الذي يشكل مدخلا للحوار الذي أجريناه معه.

عرب 48: المتتبع لإنتاجك العلمي والسياسي على حد سواء، سيلاحظ أنك تكاد تكون مسكونا بالتراث بما ينطوي عليه من علم وطب وفلسفة، أو بلغتك " بهاجس تجديد التراث وتنقيته من معوقات التقدم، واستخدامه قاعدة للانطلاق في مشروع النهضة"، فنراك تؤسس عليه "نظرياتك" الحديثة في مجالي علمك وعملك ونشاطك الفكري والسياسي؟

سعيد: هذا صحيح من الناحية الإجرائية والمنهجية، فإعادة قراءة ونقد وتطوير الموروث الفكري والعلمي هي ساحة حراكي ومجال هبوطي وإقلاعي..... ولكن ليس لأنني مسكون به، بل لكوني مسكونا بموضوعة النهضة والمساهمة في انعتاق الأمة من أغلال الشلل والتكرار والخرافة، وفي سبيل انطلاقها لرحاب المعرفة والفعل والإنتاج، واستعادتها لزمام المبادرة ولموقعها اللائق بين الأمم. ولأنني أرى أنه لا يمكن لعقلنا الجمعي التحليق في سماء التطور والحداثة، وإحداث التغيير المنشود وعبور بوابة العالمية كأمة، إلا من داخل ثقافتنا وانتمائنا لتاريخنا ورموزه... لهذا تراني، يا صديقي، سابحا في بحور التراث.

عرب 48: في مجال عملك البحثي تعاملت وانكشفت على الموروث الطبي العربي الإسلامي الذي يجهل الكثيرون منا أسراره ومكنوناته ويتعامل معه كحالة بدائية، ماذا تقول عن هذا الموروث كباحث؟

سعيد: رغم أن موروثنا الطبي العربي الإسلامي يعتبر، حقيقة، من أهم واغني ما خلفته المجتمعات المتمدنة عبر الأزمان، إلا أنه لم يحظ بالاهتمام والرعاية المناسبة حتى من قبل أبنائه الباحثين، حيث بقي الإهمال والتجاهل سيدي الموقف بكل ما يتعلق بإعادة دراسته علميا والإفادة من كنوزه العلاجية الهائلة، وفي تأسيس صناعة دوائية عربية مميزة.

وتكاد شركتا "الأنطاكي" و"بيليف"، التي أقمناهما لهذا الغرض، تكونان الجهة الوحيدة في الوطن العربي التي طورت، وما زالت، منتجات طبيعية مسنودة ببحث علمي مهني مركز وصدرتها للعالم الغربي، إما كملفات علمية متكاملة جاهزة للتصنيع، أو بصفتها منتجات متطورة حظيت بشهادات عالمية لجودتها وفعاليتها المميزة.

عرب 48: أتريد القول إن هذا الموروث لا يحظى بالاهتمام الكافي في العالم العربي؟

سعيد: بل هو يتعرض لإهمال شبه كامل، وعندما نقول إننا الجهة الوحيدة في العالم العربي، لا نقصد التباهي بل تسجيل حقيقة مفرحة ومؤلمة في ذات الوقت، وفي هذا المجال فقد أنجزنا مؤخرا إعداد ملفات علمية شاملة لمنتجات نوعية (أكثر من 30 منتجا) التي تم تطويرها حتى الآن، وهي مكتملة من ناحية مضمونها البحثي والفني، فيما القليل منها ما زال ينقصه بعض الجوانب البحثية لاكتمالها النهائي.

ومن الطبيعي أن الدفع بتلك الملفات النوعية إلى مراحل الاكتمال وتسجيل براءة اختراع، احتاج منا إلى جهد وميزانيات كبيرة، وخاصة فيما يتعلق بالأبحاث السريرية، وبعض تلك المستحضرات الطبية مثل دواء إذابة حصى الكلى، ودواء الباسور والجروح الفموية لا يوجد لها بديل في الصيدلية الحديثة، ولهذا تعتبر درة تاج نشاطنا البحثي.

عرب 48: ولكن هناك مستحضرات ومنتجات قد تم إنجازها وتسويقها فعليا من قبلكم؟

سعيد: طبعا، فقد سجلنا حتى الآن براءات اختراع لـ 28 من المستحضرات الدوائية النباتية، والتي تم تطويرها في السنوات السبع الأخيرة، وهي تتصف بفعالية كبيرة مسنودة بنتائج مخبرية وأبحاث سريرية متقدمة.

كما تم تسجيل 12 منتجا مصنفا كجهاز طبي أو دواء نباتي (Medical Devices & Herbal Medicine )، وذلك وفقا للمعايير الصارمة المتبعة في الاتحاد الاوروبي، مما يتيح للشركات المنتجة إضافة تصريح رسمي على علبة الدواء حول فعاليتها الطبية وغرض الاستخدام، وكذلك يمكن الأطباء من وصفها لمرضاهم، خلافا للأدوية الطبيعية الأخرى المنتشرة والتي نعرفها.

وبدون شك هذا العدد الكبير من المستحضرات الدوائية الفعالة والمبتكرة، والمستندة لموروثنا الطبي، يعتبر إنجازا كبيرا حتى لدى كبريات شركات الدواء العالمية، وهو إنجاز سبقته جملة طويلة من نتائج الأبحاث الصريحة والفحوصات المختلفة كان تجاوزها شرطا للدخول في بوابة هذا التصنيف.

عرب 48: لننتقل إلى شقك السياسي، كيف تنظرللحالة السياسية الراهنة في الداخل الفلسطيني؟

سعيد: الحالة الحزبية والجماهيرية القائمة هزيلة ولا تبشر خيرا، وهي تذكرني بتلك التي كانت سائدة قبيل وبعيد اتفاقية اوسلو، من حيث الوهن والتردي الذي يعتري جسد كافة الأحزاب والحركات الوطنية، وانفضاض الناس من حولها، وتدهور مكانة وتأثير خطابها الوطني.

هذا الواقع الأليم يجد تعبيراته الواضحة بانصراف شبابنا ومثقفينا عن المشاركة في المهمات المتعلقة بالشأن العام وحماية المشروع الحقيقي لمجتمعهم، الأمر الذي بتنا نلمس نتائجه الخطيرة متمثلا بالاختفاء التدريجي للخطوط الحمر التي مثلت سياج ثوابتنا الجامعة، وكذلك بتعاظم الدور السلطوي وتدخلاته في حرف المسار وتعزيز النزعات الفردانية والانتهازية في محيطنا. في حالة ما قبل اوسلو تلك، وجدت التنظيمات السياسية نفسها أمام تحديات واضحة لا تحتمل التأخير، فدفعت بها لإطلاق حملة إسعاف منسقة وواسعة مكنتها من قلب المعادلة، واستعادة التوازن المطلوب.

عرب 48: ما الذي يعيق إطلاق "حملة إنقاذ" شبيهة اليوم؟

سعيد: اليوم، لا تبدو تلك النفسية الوطنية المسؤولة حاضرة لدى نخبنا وأحزابنا وقيادتها المنشغلة بصراعات هامشية وحسابات صغيرة، فيما كل الأعذار والتفسيرات، بل وحتى أشباه المبادرات التي أصبحت تطل برأسها مؤخرا من كل حدب وصوب، بحجة طرح البدائل الكفيلة بتجاوز تلك العوائق، تبقى تحركات مزاجية محدودة المدى، ومرتهنة غالبا لاعتبارات غير صريحة الهوى... وأسيرة لنفس العقلية التي أنتجت واقعنا المأزوم، ولهذا لا يعول عليها.

المطلوب منا، وفي مثل هذا الوضع بالذات، يبدأ بخفض واع لمنسوب التوتر والحملات الكيدية، والتأكيد على المشترك وتعزيز الخطاب الوحدوي، والتحرك ضمن خطة تشاملية منسقة من قبل كل الأحزاب والأطراف المعنية، كمقدمة ضرورية لوقف عملية الاستنزاف والتآكل المتدحرجة في صورة وهيبة الحراك الوطني وثوابته.

عرب 48: المفارقة أن هذا التردي الذي تتحدث عنه يحدث في ظل الوحدة ، ما يعني أن "القائمة المشتركة" عوضا عن أن تشكل رافعة سياسية تنهض بمجمل العمل الوطني، فإنها لم تحصد سوى المزيد من التردي في المستويات المختلفة؟

سعيد: لا شك أن الإنجازات الملموسة والمعنوية للمشتركة لم ترق حتى للدرجة الأبسط مما توقعته وأملته الناس. وبرأيي فإن أحزابها وقيادتها مسؤولة عن هذا التحصيل الإجمالي المتدني، والذي ابتدأ حينما فشلت المشتركة بإظهار حالة التفاف شاملة ومنضبطة حول خطاب سياسي مشترك يمثل صيغة الحد الأدنى لكافة مركباتها، حتى صار كل يغني على ليلاه.

كذلك، فقد لعبت قضية التناوب وما واكبها، ولم يزل، من تلاسنات وحملات "هزلية" دورا تخريبيا لصورة المشتركة وجدية مشروعها.... علينا ألا ننسى أيضا، أن ظهور المشتركة أفضى لتفجير الصراعات الحزبية الداخلية التي كانت مدجنة ومخبأة، وأشعل حربا ضروسا مع الأجهزة الحزبية القديمة والمتضررة التي جردتها المشتركة من امتيازاتها وسطوتها التقليدية، مما انعكس سلبا وأزمات وإحباطا على مجمل أداء المشتركة، وعلى هذا الفشل، لا شك، ستدفع ثمنا ليس بقليل.

عرب 48: قد يكون الحل بحل المشتركة؟

سعيد: بالرغم من كل شيء فأنا لا أرى في هذه اللحظة الصعبة وأجواء تشرذمها وضعفها الواضح، سبيلا آخر عن التمسك بالمشتركة، إلى جانب العمل المسؤول والحثيث لتخليصها من أمراضها تلك، واستخراج أفضل ما في معنى ورسائل هذا المشروع الوحدوي المميز.

ظهور المشتركة ليس يعني اختفاء النقاش والتنافس بين الأحزاب، ولكنه بالأكيد أطفأ كثيرا من بؤر الصدام والقطيعة. ومن يريد للمنافسة والإبداع الفكري السياسي أن يستمرا، فالساحة مفتوحة وبظروف أفضل من السابق، ومثل تلك الادعاءات ليست بأكثر من ذرائع لتبرير الخسارة والخمول الكسل.

عرب 48: هناك من يرى أن الخلل يرتبط بحالة الحركة الوطنية التي يقف التجمع في مركزها، ويدعو إلى تطوير الرؤى السياسية والفكرية بالتناسب مع ظروف المرحلة ومتغيراتها، خاصة أفول حل الدولتين. وهناك من يدعو إلى مراجعة مسيرة التجمع وشعاراته السياسية، وبينها موضوع انتخابات الكنيست؟

أزمة التجمع وكل أحزابنا وحركاتنا الوطنية هي ذاتها، ولا تعود بأسبابها لظهور المشتركة، وكل من يلقي باللائمة عليها، إنما يهرب من وجه الحقيقة، ويتحاشى النظر لصورته في المرآة السياسية النظيفة.

وصورة المرآة فعلا ليست بجميلة ولا حتى بمقبولة، وتجميلها وتبديلها يبدأ أولا من انضباط وسلوك القيادة السياسية، وتهذيب شراسة جموحها الشخصي، وحيث لا يبدل الله ما بقوم حتى يبدلوا ما بأنفسهم. نظرا لدوره المميز في الحركة الوطنية، فقد يكون التجمع مطالبا أكثر من غيره، في الإدلاء بدلو المراجعة النقدية لمسيرته التي باتت تنتظر الترميم والصيانة، بل وحتى إجراء فحص جدوى شامل لمشروعه الحالي، واستقدام سيناريوهات مختلفة على مائدة المراجعة والحوار.

هذه أمور مطلوبة ولا ينبغي استبعاد أي مقترح أو اجتهاد سلفا، ومن ضمنها مسألة الكنيست وحل الدولة الواحدة، على أن يتم ذلك في مسار منظم وواسع، وضمن عملية تفاعلية مسؤولة تعزز أولا وحدة جماهيرنا وتنظيماته السياسية، كي تفضي لنتائج فعلية وفاعلة في حياة مجتمعنا، ولا تتحول لمعول للهدم والانقسام.

التعليقات