المُسنة فتحية فرهود تسرد فصول النكبة في صفد

تعود في ذاكرتها 70 عاما إلى الوراء، لتستجمع ذكريات الطفولة في حاضرة الجليل، مدينة صفد، التي أمضت فيها 9 أعوام، هي أحلى سني عمرها الأولى، قبل أن تحطم النكبة أحلامها وطموحاتها كغيرها من بنات وأبناء صفد وسائر بلدات فلسطين،

المُسنة فتحية فرهود تسرد فصول النكبة في صفد

فتحية فرهود (عرب 48)

تعود في ذاكرتها 70 عاما إلى الوراء، لتستجمع ذكريات الطفولة في حاضرة الجليل، مدينة صفد، التي أمضت فيها 9 أعوام، هي أحلى سني عمرها الأولى، قبل أن تحطم النكبة أحلامها وطموحاتها كغيرها من بنات وأبناء صفد وسائر بلدات فلسطين، بعد معركة القلعة التي لا زالت تحفر عميقا في ذاكرتها.

تسكن المُهجرة فتحية فرهود في قرية الرامة، غير أن صفد لا تزال تسكن قلبها وتستهوي فؤادها.

قالت الحاجة فتحية فرهود، لـ"عرب 48" إن "كل شيء كان يشير إلى تفوق العرب. كانت أمي تساعد الثوار وتجلب لهم الماء، وهي ابنة لعائلة ‘الكبرة’ وعُرفت أمي بأنها امرأة جريئة ومقدامة لا تهاب شيئا. اشتدت الحرب في عام النكبة 1948 خصوصا في منطقة القلعة، أذكر تلك الأيام التي سقطت فيها القلعة بعد تفجير بيت قريب منها. تمكنت والدتي حينها من إنقاذ ابني عمها من تحت ركام البيت، وبعد ذلك بأيام سيطر اليهود على كل شيء في صفد، اصطحبنا والدي إلى قرية بيت جن الجليلية، بينما هُجّر أعمامي إلى سورية والأردن".

وتحدثت فرهود عن الطفولة المسلوبة والمنكوبة، وروت قصصا وحكايات، "كنا نحن الأطفال نصطحب الأمهات إلى عين العافية، كانت امرأة توزع الماء وفقا للحصص، وعلى مقربة من هناك مقام "أبو قميص"، بعد أن هدموه أقاموا على أنقاضه محطة مركزية، وصعودا إلى حي القلعة، حيث كان هناك بيت والدي إبراهيم فرهود، الذي لا زال قائما كما هو، و5 بيوت تعود لأعمامي لا زالت قائمة حتى يومنا هذا، يسكنها اليهود بعد أن سلبوها منا، وبالقرب من المكان كانت مدرسة البنات التي عاثوا فيها خرابا، وجامع الشعرة الشريفة الذي استولى عليه يهود حريديون، اليوم، وقرب حي القلعة كانت حارة اليهود، ثم مستشفى معالجة مرض السل، وأحياء صفد الأخرى، ومقر "العسكر" (الشرطة البريطانية)، وعلى مقربة منها ساحة جميلة كنا نقيم فيها الأفراح ونحتفل فيها في المناسبات والأعياد، كانت أجمل ايام حياتي في صفد".

وروت المسنة فرهود بتأثر بالغ جريمة اقتلاعهم وتهجيرهم من صفد، وقال إنه "بعد خسارة معركة القلعة وانتصار العصابات اليهودية، بقي الأهالي حتى آخر لحظة حتى بعد خسارة المعركة وبعد انسحاب الجيش العربي منها، بقي الشباب يدافعون عن المدينة ولم يكن عندنا سلاح كاف ولا ذخيرة، وبعد أيام من معركة القلعة على أثر تفجير بيت كان بيد العرب وسقوط شهداء، سقطت مدينة صفد بيد اليهود، وخلال أسبوع بدأ التهجير، قلة من أهالي صفد بقيت في الجليل بينهم والدي الذي كان يعمل في بيت جن، أذكر أن والدتي بقيت مع المدافعين عن صفد حتى بعد خروجنا نحن الأبناء إلى بيت جن، ثم تبعتنا بعد ذلك بأيام بعد أن سقطت المدينة بشكل كامل، وتبعها احتلال العصابات اليهودية لقرى قضاء صفد، الواحدة تلو الأخرى".

وقالت المُهجرة فرهود إنها تزور صفد كثيرا وخصوصا إلى المستشفى، لكنها لا تحب رؤية بيت والديها المُهجر، وأكدت أنه "كلما أمر طريق عين عافية تعود بي الذاكرة إلى طفولتي ولا أتمالك نفسي فقد خسرنا كل شيء. زرت بيت والدي مرة واحدة بعد النكبة، كانت بعد زيارة ابنة عمي سعاد من الأردن لنا وإثر طلبها زيارة صفد وبيوتنا فيها، عندها زرنا بيوتنا في صفد واقتربنا من بيت والدي وبيت عمي، قالت قريبتي "أنظري إنها طناجر أمك. كيف وضعوها في الحديقة وكأنها من تراثهم". وصلنا إلى حديقة والدي (الحاكورة)، وقطفنا بعض أوراق العنب، خرجت امرأة يهودية من بيت والدي وصارت تصرخ علينا. أنا لا أتحدث العبرية ولن أنطقها يوما. أجبتها أنني جئت إلى هنا ضيفة لأزور بيت والدي، لماذا تصرخين؟ ثم خرج ابنها وصار يتحدث بالعربية وقلنا له إن هذا بيت والدي وبيت عمي وهذه البيوت القريبة بيوت أعمامي، ونحن نريد الزيارة فقط ولا نسعى هنا إلى القيام بأي شيء فهو بيت والدي، عندها صارت والدته تقول "مسكينة"، وفهمت أن ابنها شرح لها أنه بيت والدنا".

وختمت الحاجة فتحية فرهود بالقول إن "صفد عاش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود، قبل النكبة، بصورة عادية جدا، وكانت العلاقات طيبة مع اليهود، وأذكر أن والدتي كانت تقدم سنويا لجيراننا اليهود أطباق الطعام في يوم صومهم، وكنا نتزاور في الأعياد، ولكن إبان النكبة صار الشباب اليهود يلتحقون بالعصابات الصهيونية، وهكذا تغيرت الأحوال سريعا في صفد وضاعت المدينة والبلاد تباعا. لم تكن هذه حرب، لم يكن معنا أسلحة ولم يكن لدينا جيش، اعتدوا علينا وهجرونا، وبعد سقوط صفد سقطت القرى الأخرى من حولها واقترفت جرائم فظيعة خصوصا في قرية الصفصاف، وسقط قضاء صفد، وخسرنا بيوتنا وأرضنا وتشرد شعبنا".

التعليقات