الزرنوق: صمود في مواجهة التهجير

قالت بسمة أبو قويدر لـ"عرب 48" إن "واقع القرى مسلوبة الاعتراف متشابه ومعلوم للناس، وعند تقييم الفرد للحياة والسياسات المفروضة عليه، لا تشعر بأنك بانتظار الخدمات الأساسية من الدولة التي تمنعها عنك وهي المسؤولة عن منحك إياها".

الزرنوق: صمود في مواجهة التهجير

الزرنوق، أيار 2018 (عرب 48(

تقع قرية الزرنوق مسلوبة الاعتراف من قبل السلطات الإسرائيلية، شرق مدينة بئر السبع في منطقة النقب، جنوبي البلاد، بحوالي 13 كيلو مترا.

تعتبر الزرنوق إحدى القرى العربية الكبيرة بالنقب ويتعدى عدد سكانها 5 آلاف نسمة، تقع على الشارع رقم 25، الممتد بين بئر السبع وديمونا، شريان الحياة الرئيسي للعديد من قرى النقب مسلوبة الاعتراف.

وفي واقع يمثل قلب معركة الاعتراف في النقب، تحد قرية الزرنوق من الشرق قرية بير المشاش، ومن الغرب قرية خشم زنة ومن الشمال قرية بير الحمام، ومن الجنوب قرية أبو تلول، وكلها قرى سلبتها السلطات الإسرائيلية الاعتراف وحرمتها من أبسط مقومات الحياة.

تعود تسمية القرية نسبة لوادي الزرنوق الواقع شمالي القرية، وهو وادي معروف يفيض بمياه الأمطار في فصل الشتاء. وكلمة "الزرنوق" في اللغة تعني النهر الصغير.

يارا طربيه

تُهدم بيوت قرية الزرنوق بشكل دوري ويتم تغريم الأهالي بتكاليف هدم بيوتهم، وتفتقر الحياة في قرية الزرنوق إلى مقومات الحياة الأساسية فلا وجود لشبكات كهرباء ومياه وتصريف صحي، ويترك الناس ليعيشوا على الطاقة الشمسية ويحصلون على المياه بشرائها بأضعاف السعر من شركة "مكوروت".

وتعاني المنطقة من تواجد مستمر لقوات من الجيش الإسرائيلي الذي يقوم بتدريبات في المنطقة والقرية، أدت في تاريخ 25.4.2017 إلى استشهاد الطفلين محمود وعمر أبو قويدر (6 و10 أعوام) بانفجار عبوة ناسفة من مخلفات الجيش الإسرائيلي.

تميزت الزرنوق على مر السنوات بحالات من الإبداع في الصمود والحياة والمقاومة رغم المعاناة، حيث خرجت العديد من الأطباء وخريجي الألقاب الجامعية، كما احتضنت العديد من المبادرات التطوعية والاجتماعية، فحصدت مدرسة الزرنوق الابتدائية العديد من الجوائز القطرية، وبرز فيها نادي أبطال الصحراء لرياضة الكراتيه الذي حصد جوائز عالمية، بالإضافة إلى نادي شباب الزرنوق الذي افتتحه التجمع الوطني الديمقراطي خلال نشاطات معسكر صمود الأول، إلى جانب العديد من المجموعات التطوعية والمبادرات النوعية.

كانت الزرنوق دائما ملاحقة من السلطات الإسرائيلية، اعتقلت السلطات عددا من أبنائها على خلفية وطنية، منهم الأسيران سامح أبو قويدر ومحمد أبو قويدر وتحررا من السجون الإسرائيلية بعد 5 سنوات من السجن الفعلي، والأسير محمود أبو قويدر الذي ما زال ينتظر الحرية، وحكم عليه بقضاء 11 عاما في السجن.

تحارب الزرنوق منذ أعوام طويلة بشكل مستمر لانتزاع الاعتراف بها على أرضها، وتوجه أهالي الزرنوق إلى القضاء والكنيست ومؤسسات العمل المدني، إذ تتمحور معركة الزرنوق حول منع مخطط تهجير عائلة أبو قويدر الذي أعدته "سلطة تطوير النقب" من قريتهم الزرنوق إلى حارة في مدينة رهط.

تعملُ بسمة أبو قويدر، حاملة اللقب الأول في البيولوجيا، مُدرسة لطلاب الثانوية في بلدة شقيب السلام، وفي وقت فراغها تخصص وقتا لتعليم أطفال الزرنوق وتنظيم فعاليات اجتماعية لهم.

إلى جانب العمل والتطوع، نشطت أبو قويدر بالشرح عن معاناة وصمود الزرنوق في عدة وسائل إعلام عالمية.

محمد أبو قويدر

وقالت بسمة أبو قويدر لـ"عرب 48" إن "واقع القرى مسلوبة الاعتراف متشابه ومعلوم لمعظم الناس، وعند تقييم الفرد للحياة مسلوبة الاعتراف والسياسات المفروضة عليه، لا تشعر بأنك بانتظار الخدمات الأساسية من الدولة التي تمنعها عنك وهي المسؤولة عن منحك كل الخدمات".

وأضافت أن "معاناتي الكبيرة هي العيش بقرية معدومة الخدمات الأساسية، وانعدام العدالة في دولة تدعي الديمقراطية، ففي حين تمنع الحياة عنا تمنحها لليهود، وتغطي إسرائيل الإعلام العالمي بدعايات عن فقاعة الديمقراطية، وجنة الحريات والرفاه الاجتماعي في الشرق الأوسط، الأمر البعيد عن الواقع كليا".

وختمت أبو قويدر بالقول إنه "لو كانت قريتي تجمعا استيطانيا يهوديا لتمتعت بكافة الخدمات الأساسية وغيرها. نحن السكان الأصلانيين ومع التحفظ على المصطلح الاستشراقي، لا نمتلك الجينات الإلهية التي تجعلنا يهودا وبذلك فإن الديمقراطية والعدالة من تحتها لا تنطبق علينا في هذه الدولة المتلونة".

وقالت مديرة معهد تعليم البسيخومتري وحاملة اللقب الأول في العلوم الطبية، يارا طربيه، من الزرنوق لـ"عرب 48" إن "الجيل الشاب والأطفال يشكلون شريحة كبيرة جدا في قرية الزرنوق، هذه الأجيال يؤثر فيها بشكل مباشر النقص في النشاطات اللا منهجية والأطر التربوية".

وأكدت أنه "هنا يأتي دور نادي الزرنوق الذي أقامه اتحاد الشباب الوطني الديمقراطي، حيث يوفر جوا مناسبا ويحوي مكتبة صغيرة تلاقي إقبالا في ظل النقص في المرافق المختلفة. تستخدم جمعيات مدنية وأطر فاعلة النادي في تنظيم دورات وفعاليات، ونستخدم نحن أهالي الزرنوق النادي لتفعيل الأطفال وعرض الأفلام وقضاء الوقت".

وختمت طربيه بالقول إن "النقب بحاجة لكل مساهمة ممكنة. الوعي أحد أهم وسائل الصمود في القرى مسلوبة الاعتراف، والمخططات الحكومية هدفها تدميره والسيطرة عليه، لذا على أبناء المجتمع توفير البدائل المناسبة لأبنائهم".

وقال الناشط محمد أبو قويدر من الزرنوق لـ"عرب 48" إن "أهالي الزرنوق يتمسكون بالصفات البدوية الأصيلة منها الفزعة والنخوة. يحاول الأهالي الوقوف إلى جانب بعضهم البعض رغم الخلاف الطبيعي في الكثير من المسائل. ينتخي ويساند أبناء الزرنوق بعضهم البعض في المناسبات السعيدة والحزينة على حد سواء. تراهم يتجندون في الأعراس بالمئات للمساعدة والتطوع، كما تنظم مجموعات شبابية بشكل دوري حملات تنظيف وترميم وتطوع في القرية، إلى جانب ترحيبنا بكل المبادرات القطرية في القرية، كما يعمل معظم سكان القرية، شبابا وكبارا، في الكثير من الأعمال والمهن".

وأضاف أن "التحديات الموضوعة على النقب ضخمة، وعلى الجميع التجند ضد إبرام الصفقات والسماسرة فالمعركة على الأرض حاضرة، وعلينا مساندة بعضنا البعض لسد الثغرات التي تؤثر على حياتنا".

وختم أبو قويدر بالقول إنه "أهالي الزرنوق يتصدون في هذه الأيام لمخطط ترحيلنا إلى مدينة رهط، تضع فيه ما يسمى 'سلطة تطوير النقب' جهدها الكامل، وهي لا تريد لنا البقاء في الزرنوق. لقد رأينا ما يمكن أن يفعله التهجير من أرضنا والانتقال للعيش في بلدات أخرى بنسيجنا الاجتماعي. لن نقبل الترحيل وسنبقى في الزرنوق كما نتمنى أن يبقى كل أهالي النقب في ديارهم وأراضيهم".

التعليقات