02/06/2018 - 16:24

د. أبو جابر: من المفارقات أن يصبح أمن الرياض من أمن تل أبيب

التقارب العربي الإسرائيلي الأخير والسريع، السري منه والعلني، يثير الكثير من التساؤلات حول مستقبل القضية الفلسطينية، في ظل تقاطع المصالح بين الأطراف المذكورة وشبه تخلي العرب عن ممارسة الضغط على إسرائيل، وحتى على أميركا، بهدف تغيير سياساتهما ومواقفهما

د. أبو جابر: من المفارقات أن يصبح أمن الرياض من أمن تل أبيب

في المقارنة ما بين اليوم والأمس، التي من المفيد إجراؤها في الذكرى الواحدة والخمسين لـ"نكسة" حزيران 1967، يجب أن نذكر حقيقة أساسية مفادها أنه بالرغم من الهزيمة الكبيرة التي لحقت بالأنظمة العربية عام 1967، إلا أن هذه الأنظمة امتلكت خيار القتال، ورفعت شعار تحرير فلسطين، وخاضت الحرب مع ما كانت تعتبره العدو الصهيوني.

أما اليوم فإن تلك الأنظمة ليس فقط أنها تطبع مع إسرائيل، باعتبارها أمرا واقعا، بل هي تتحالف معها ضد أخطار مشتركة مفترضة من "منظمات إرهابية"، بينها تنظيمات مقاومة فلسطينية ولبنانية، وضد ما تسميه الخطر النووي الإيراني، وبهذا المعنى تتحول إسرائيل بعد 50 عاما على "النكسة" و70 عاما على النكبة من كيان محتل يجب مقاطعته، بلسان خطاب الستينيات والسبعينيات، إلى دولة ذات شرعية ترفع أعلامها في العواصم العربية، ويسعى النظام العربي الرسمي إلى تطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية معها، بينما تطمح الدول النافذة فيه إلى إقامة تحالفات عسكرية معها لمواجهة "أخطار" الحركات الإسلامية، وما يسمى بـ"الخطر النووي الإيراني".

وفي هذا السياق يشير د. إبراهيم أبو جابر أستاذ العلوم السياسية والباحث في الشأن الفلسطيني، أن الكيان الإسرائيلي قد نجح في اختراق الصف العربي من خلال استغلاله للمتغيرات على المستويين الإقليمي والعالمي بإقامة حلف عربي- إسرائيلي (كما يبدو وغير معلن حتى الآن) لمواجهة ما أطلق عليه "الهلال الشيعي" أو "الحلف الشيعي" في الشرق الأوسط ، وإقناع العرب بأن خطر إيران على دولهم أكبر من الخطر الإسرائيلي نفسه، رغم جرائم دولة الاحتلال شبه اليومية بحق الشعب الفلسطيني.

ويرى د. أبو جابر أن نواة اللوبي العربي- الإسرائيلي ذاك بدأت تتبلور منذ سنين، وازدادت وتيرة ذلك بعد بداية الثورات العربية، على شكل لقاءات واجتماعات لتبادل الأفكار، عقدت في عواصم عربية ومدن إسرائيلية وحتى أجنبية ّ حول قضايا الإقليم الساخنة وما تحمله من أخطار على دولهم، وهو يشير إلى أن الثورات العربية وتنامي الحس الإسلامي في الإقليم والهاجس الإيراني، الذي يعتبر العدو الأول للعرب كما يزعمون، قد شكلت عوامل دفع قوية نحو تكتل إستراتيجي ما بين الكيان الإسرائيلي وما يسمى "المحور السني" بقيادة السعودية على شكل حلف عربي - إسرائيلي للدفاع المشترك عن الأمة العربية والكيان الإسرائيلي معا.

في ذكرى "النكسة" التي تأتي على وقع أحداث ذكرى النكبة، وما تسجله مسيرة العودة الكبرى على حدود القطاع، من بطولات كان هذا الحوار مع د. إبراهيم إبو جابر.

عرب 48: هو سؤال يستدعي نفسه في ضوء دراستك، وبالنظر إلى تاريخ التآمر العربي الرسمي على القضية الفلسطينية، لو كان الفلسطينيون "شعبا مقطوعا من شجرة" بدون عمق عربي وبعد إسلامي أكان أفضل لهم؟

أبو جابر: هو سؤال نظري يتجرد من كون المشروع الصهيوني لا يستهدف الفلسطينيين وحدهم، وإن كانوا ضحيته الأولى بل العرب والمنطقة عموما، ولكن هذا لا يمنع من استذكار تاريخ التآمر العربي الرسمي على القضية الفلسطينية من لقاء الأمير فيصل ملك العراق وابن الشريف حسين مع حاييم وايزمن في عشرينيات القرن الماضي، وما تمخض عنه من اعتراف بوعد بلفور وحق اليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين، مرورا بإجهاض الأنظمة العربية للثورات الفلسطينية، ومنها ثورة 36 عبر النداء الذي وجهه الملوك والأمراء العرب بالخلود إلى السكينة والاطمئنان إلى وعود "صديقتنا بريطانيا" وصولا إلى مسرحية حرب 1948.

بمعنى أن رؤية ما يحدث اليوم بمنظار تاريخي يضع العلاقات العربية الخليجية بقيادة السعودية مع إسرائيل في سياقها الصحيح، وإن كان ما يحدث اليوم ينذر بدخلول العلاقات بين دول الخليج وعلى رأسها السعودية وبين إسرائيل مرحلة من التوافق النسبي في ضوء العداء المشترك لطهران، ًويحصل للمرة الأولى أن السعودية والكيان الإسرائيلي على قلب رجل واحد في مواجهة المد الإيراني حتى بات نتنياهو يقول إن أمن الرياض من أمن تل أبيب.

هذا ناهيك عن أن اللقاءات المشتركة، وتبادل الزيارات بين الجانبين صارت أمرا طبيعيا، في ضوء التنسيق من أجل مواجهة العدو المشترك، لتصل إلى مرحلة شبه علنية، وذلك حين تم الإعلان عن تدشين حلف "سني" بمساعدة إسرائيل، في مواجهة "الحلف الشيعي الإيراني"، وهو الإعلان الذي وضع اللبنات الأولى نحو تعاون عسكري سعودي عربي إسرائيلي علني، وفي هذا الإطار كشفت وثائق نشرها موقع "إميركان هيرالد تريبيون"، عن أسماء قادة في الجيش السعودي شاركوا في تدريبات سرية مع إسرائيل لإدارة قوات عسكرية مشتركة في البحر الأحمر.

عرب 48: طبعا، كل هذا يجري وإسرائيل ما زالت تستبيح الأرض العربية والفلسطينية، وتنتهك أقدس مقدسات العرب والمسلمين، المسجد الأقصى المبارك، في ضوء صمت خليجي سعودي مريب على نقل السفارة الأميركية إلى القدس بعد الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل؟

أبو جابر: قلق الحكام العرب، الخليجيين بالذات، على عروشهم، وخوفهم من السطوة الأميركية جعلهم ينقلبون على كل الموروث التاريخي ونسيان عذابات شعوب عربية، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني، وفتح صفحة جديدة بيضاء مع إسرائيل، وهو ما سعى إليه قادة الأخيرة منذ اليوم الأول لتأسيسها، لعلمهم بأهمية ذلك إستراتيجيا ووجوديا لوجودها في المنطقة، فاندماج اسرائيل بدول الإقليم بهذا الشكل، إن حصل، هو تأشيرة دائمة لوجودها، وشهادة بقاء ومواطنة لها في الشرق الأوسط ومستوى متقدم نحو التطبيع الكامل للعرب مع الكيان الإسرائيلي.

كما أن التقارب العربي الإسرائيلي الأخير والسريع، السري منه والعلني، يثير الكثير من التساؤلات حول مستقبل القضية الفلسطينية، في ظل تقاطع المصالح بين الأطراف المذكورة وشبه تخلي العرب عن ممارسة الضغط على إسرائيل، وحتى على أميركا، بهدف تغيير سياساتهما ومواقفهما من قضية إقامة دولة فلسطينية، والاعتراف بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني.

وهناك مؤشرات بأنه سيتم استغلال هذه الظروف الإقليمية غير المستقرة، وأهمها ضعف العرب والفلسطينيين وتعالي إسرائيل إقليميا، وموقف الولايات المتحدة المؤيد والداعم بقوة لها، وهيمنة ومصادرة أميركا للقرار العربي، لفرض صفقة ما لحل القضية الفلسطينية ترضي الطرف الإسرائيلي. وما يدفع بمثل هذه التسوية هو تهميش القضية الفلسطينية في عيون العرب مقارنة بما قد يرونه خطر ايران على المنطقة العربية، فالأخير أهم عندهم وأولى التصدي له ومعالجته ولجمه من التطلع والاهتمام بالهم الفلسطيني. فالعرب مستعدون- كما يبدو- للانفتاح على إسرائيل، ومقايضة حلحلة القضية الفلسطينية بصورة، وأخرى بالانفتاح عليها وتطبيع العلاقات معها.

عرب 48: ربما تعني القبول بصفقة القرن؟

أبو جابر: صفقة القرن أو صفعة القرن، والتي تعني نهاية تصفية القضية الفلسطينية.

عرب 48: وفي حال أصر الفلسطينيون على رفضها؟

أبو جابر: إسرائيل بقيادة حكومة اليمين التي يرأسها نتنياهو ماضية في ما يسمى بالضم الزاحف، على أساس خطة "البيت اليهودي" بضم مناطق (ج) التي تشكل 64% من الضفة الغربية، والإبقاء على حالة أقل من حكم ذاتي (إدارة ذاتية) في مدن الضفة ومواصلة عزل غزة، وهي حالة يمكن أن تتعايش معها لسنوات إضافية إلى حين تشكل ديناميكيات جديدة. ويبدو أن هذا المخطط يتم تنفيذه على الأرض، والفلسطينيون أضعف من أن يتمكنوا من وقفه.

عرب 48: ماذا تقصد بأن الفلسطينيين أضعف من أن يتمكنوا من وقف هذا المخطط؟

أبو جابر: أقصد أن طرفي القيادة الفلسطينية في غزة والضفة دخلا في مأزق، فنهج المفاوضات الذي يقوده الرئيس محمود عباس وصل إلى طريق مسدود، ونهج المقاومة الذي تتبناه حماس لا يستطيع اختراق الحصار المحكم المفروض على القطاع، وبالتالي تحقيق إنجازات، في وقت فيه العوامل العربية والدولية لا تعمل لصالح أي منهما.

عرب 48: هذا يعني أن إسرائيل ماضية في فرض سيادتها على فلسطين التاريخية حتى بثمن خلق نظام أبرتهايد؟

أبو جابر: هذا ما سيحصل فعلا، ضم مناطق "ج" والتخلي عن بعض أحياء القدس العربية للتخلص من بضعة آلاف من الفلسطينيين والإبقاء على حالة إدارة السلطة الفلسطينية قائمة في مدن الضفة، واعتبار قطاع غزة هو الدولة الفلسطينية واستمرار المساومة على كمية الهواء والماء والغذاء الذي يتم إدخاله إليه بالثمن السياسي الذي تجبيه إسرائيل لقاء ذلك.


د. إبراهيم إبو جابر حاصل على شهادة الدكتوراة من جامعة غوته فرانكفورت في المانيا، وعمل أستاذا مساعدا في قسم العلاقات الدولية في الجامعة ذاتها بين سنوات 1988- 1990 كما عمل باحثا ومحاضرا في جامعة بئر السبع بين سنوات 1993- 1997 ومحاضر بدرجة أستاذ مساعد في كلية الدعوة والعلوم الإسلامية – أم الفحم يبن سنوات 1991 - 2003 كذلك عمل كباحث أكاديمي ومدير مركز الدراسات المعاصرة – أم الفحم بين سنوات 1991 - 2011 ومشرف أكاديمي- ماجستير في جامعة ديربي- (فلسطين المحتلة) بين سنوات 2005 – 2009 وخلال تلك الفترات أصدر / نشر أكثر من 30 كتابا ومؤلفا والعديد من الدراسات والأبحاث العلمية

التعليقات