07/07/2018 - 15:35

د. بريك: ندوب النكبة تعيق إقامة حيز مشترك بالمدن المختلطة

المراجعة التاريخية تهدف إلى إلقاء الضوء على التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي حدثت في هذه المدن، وفهم الاختلافات الثقافية واللغوية بين المجتمعات التي منها نشأت منها، خاصة وأنها تعتبر صورة مصغرة عن الواقع القائم في إسرائيل اليوم بكل تعقيداته ومركباته

د. بريك: ندوب النكبة تعيق إقامة حيز مشترك بالمدن المختلطة

منظر عام لعكا (أ ف ب)

في كتابه "العرب في المدن المختلطة- مقارنة للجوانب السياسية" الذي صدر عن المركز العربي اليهودي في جامعة حيفا - 2017 ، يرى د. سليم بريك أن الأحداث الكارثية التي وقعت في المدن المختلطة (قبل قيام الدولة) تركت جروحا عميقة، ما زالت تعيق إنشاء حيز جماهيري مشترك وإقامة علاقات جوار وثقة متبادلة بين سكان هذه المدن العرب واليهود.

وهو يشير إلى أن أحداث 1948 أحدثت تحولات بعيدة المدى في التركيبة الديمغرافية للمدن المختلطة، نتجت، كما يقول، عن حرب صعبة ونزوح وتهجير واسع لسكانها من العرب وإحلال يهود مكانهم.

"الحرب" بما شملته من مجازر وأعمال عنف وتكتيكات لدب الرعب والهلع، ونزوح وطرد تركت جروحا عميقة وآثارا نفسية وتداعيات صعبة في العلاقات بين اليهود والعرب، حيث خسر العرب ليس فقط المكانة والهيبة التي كانوا يتمتعون بها في تلك المدن بل وغالبية أملاكهم ومقتنياتهم ومصادر رزقهم.

وناهيك عن الذاكرة التاريخية المرتبطة بروايتين مختلفتين متناقضتين، هناك التضارب في الرموز القومية، والشحنة العاطفية التي يحملها كل طرف تجاه هذه الرموز، ففي حين يشعر اليهودي بالفخر وهو يتجول في شارع " الهاعاناه" أو "لواء كرملي" أو "جادة بن غوريون"، من غير الواضح ما يشعر به العربي المواطن في حيفا في شارع "الهاغاناه"، أو في الميدان الذي يحمل اسم من قام بإلقاء قنبلة في السوق أودت بحياة الكثير من العرب. كيف يشعر المواطن العربي من يافا أو من عكا في شارع غالبية سكانه من العرب ويحمل اسم "حاخام يهودي" أو اسم "جابوتنسكي".

كذلك فإن التغييرالذي حدث خلال برهة قصيرة وبهذا الشكل الحاد في مكانة العرب، زعزع شعورهم بالأمان وما زال يغذي تخوفهم من المستقبل، وهو تخوف مثقل بالأحاسيس التي تركتها الأحداث المأساوية تلك في الذاكرة الشخصية والجماعية.

هم يشعرون أنهم يواجهون حربا على وجودهم، وهناك تجاهل لحاجاتهم الأساسية، وإهمال لأحيائهم ومحاولة لإدامة حالة الاستضعاف والحرمان، ومحاصرة تلك الأحياء وعزلها ومنع تطورها بغية خفض ثقل العرب في الميزان الديمغرافي، وتقليص رقعة انتشارهم في الحيز الجغرافي.

حول موضوع الكتاب ومعاناة العرب في مدن فلسطين التاريخية، التي أصبحت تعرف بالمدن المختلطة، كان هذا الحوار مع د. سليم بريك، الباحث والمحاضر في العلوم السياسية في الجامعة المفتوحة وكلية "أورانيم".

عرب 48: اخترت معالجة قضية المدن المختلطة من خلال موضوع التمثيل السياسي في البلديات ومراكز صنع القرار، وهو ما أسميته "مقارنة الجوانب السياسية" الذي اتخذته عنوانا لكتابك " العرب في المدن المختلطة- مقارنة الجوانب السياسية"، والذي دخل إلى عمق القضايا التي يعاني منها العرب في هذه المدن؟

بريك: مسألة التمثيل، كما ذكرت في الكتاب، هي مسألة واسعة جًّدا وفضفاضة، وتتضمن الكثير من الجوانب المختلفة لحياة المواطنين مثل صناعة القرار والإدارة العامة وتشكيل الهوية، وغيرها من الجوانب الثقافية والاقتصادية، والدراسة تلقي الضوء على هذه الجوانب بشكل عيني ومحدود، وتكشف في ذات الوقت عن الحاجة لإجراء دراسات شاملة لجميع هذه الجوانب في المدن المختلطة.

عرب 48: استغرقت كثيرا في مسألة احتلال تلك المدن عام 1948 وعمليات النزوح والتهجير التي وقعت خلالها، ربما لاستحضار تاريخها وما كانت عليه وما أصبحته اليوم؟

بريك: المراجعة التاريخية تهدف إلى إلقاء الضوء على التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي حدثت في هذه المدن، وفهم الاختلافات الثقافية واللغوية بين المجتمعات التي منها نشأت منها، خاصة وأنها تعتبر صورة مصغرة عن الواقع القائم في إسرائيل اليوم بكل تعقيداته ومركباته، حيث يشكل العرب فيها عشر السكان و تبدو الفروق بين السكان أكثر وضوحا، وهي فروق لا يمكن تجاوزها أو التقريب بينها، فهي تكمن في فجوات من المفاهيم التاريخية والسردية المتناقضة لحد كبير، وآيديولوجيات لا تقاطع بينها أو صلة، بالإضافة لفروق اجتماعية وثقافية مختلفة بين السكان.

عرب48: خلال وصفك لعملية احتلال حيفا، مثلا، اقتبست ما أورده المؤرخ بيني موريس على لسان مراقبين بريطانيين قالوا، "إن الهاغاناه أطلقت النار دون توقف على كل عربي تحرك في وادي النسناس والبلدة القديمة، وإن إطلاق النار جرى دون تمييز، وتخلله عمليات قنص لنساء وأطفال... ووصفوا كيف جرى إطلاق النار دون رحمة على الناس الذين تجمعوا في المدخل الشرقي للميناء"؟

بريك: من الواضح، كما يقول المؤرخون أن الهدف كان دب الذعر في النفوس ودفع العرب إلى النزوح، وهو غرض تم تحقيقه حيث نزح في الموجة الأولى بين 21-22 نيسان 15 ألف إنسان في ليلة واحدة، وقد أعطيت الأوامر لكتيبة 22 في لواء كرملي بقتل أي عربي يصادفونه وحرق كل الأغراض القابلة للحرق.

عرب 48: في يافا، أوردت أيضا، أن "الإيتسل" و"الليحي" ساهما في الهجوم على المدينة وتم تفجير سيارة مفخخة في بناية السرايا أودت بحياة 28 مواطنا؟

بريك: الموت والدمار أديا إلى نزوح عشرات الآلاف. وأحد مستشاري بن غوريون اقترح تشديد الحصار الاقتصادي عبر تحطيم الباصات والشاحنات والسيارات التابعة للعرب وقطع الشوارع. كان الخوف والرعب في كل مكان حتى أن مدير القسم العربي في الوكالة اليهودية كتب يقول: "مؤلم هو الهرب من بيت إلى بيت ومن حارة إلى حارة، ومن مدينة إلى مدينة، والأعداد تقدر بالآلاف".

النتيجة أن سكان يافا العرب يشكلون اليوم 4% من مجموع سكان تل أبيب -يافا التي أصبحت المدينة أحد أحيائها.

عرب 48: تحدثت عن ثلاثة أنواع من المدن المختلطة، حسب تصنيفك، المدن التي كانت مختلطة وبقيت كذلك بعد الـ 48؛ والمدن التي كانت عربية وأصبحت مختلطة بعد النكبة؛ والمدن التي أقيمت بعد الـ 48 مثل " نتسيرت عليت" وكرمئيل وسكنها العرب فأصبحت مختلطة، وأفردت فصلا لعكا، ما هي خصوصية هذه المدينة؟

بريك: عكا من أهم المدن التاريخية في العالم، وتمتعت بمكانة مميزة في العصر العثماني والعهد البريطاني، وما زال العرب يشكلون بنسبة عالية من سكانها، 30%، إضافة إلى أنها تقع في محيط عربي تقريبا، وهي ناهيك عن الأوضاع الاجتماعية والسكنية والصحية والتعليمية التي يعانيها سكانها، على ما يبدو، فإن إقصاء العرب كسياسة لا يقتصر على الحيز الجماهيري فيها بل يراد إبعادهم عن المدينة برمتها.

المخطط المسمى " القبضة الحديدية" التي نسجت خيوطه في الخفاء، تحدث صراحة عن محاصرة العرب ومنع توسعهم، ودفعهم إلى اليأس ومغادرة المدينة. ويبدو أن مخططات البلدية وبضمنها تطوير أحياء مخصصة لليهود فقط، تهدف إلى منع دخول العرب إليها وتغيير النسيج الاجتماعي وإضعافه، هذا إضافة إلى محاولات تهويد البلدة القديمة المتمثلة بعمليات إخلاء العرب من بيوتهم عبر عمليات الشراء والسطو.

عرب 48: عودة إلى عنوان البحث وهو مقارنة الجوانب السياسية وقضية التمثيل العربي في الهيئات ومراكز صنع القرار البلدية، ماهي النتائج والتوصيات التي توصلت إليها وتبنيتها؟

الدراسة ركزت على الجوانب العملية لتعزيز الديمقراطية الحضرية، وقدمت نموذجا عاما ومتماسكا لخلق فضاء عام مشترك كما هو الحال في عدة مدن من العالم، وهو نموذج يمكن حسبه من تعزيز الحوار الديمقراطي الدائم والقائم أساسا على المشاركة السياسية الفعالة والمنصفة لكافة المواطنين في تحديد وصياغة مستقبل المدينة، وطابعها وخصائصها السياسية والاجتماعية، نموذج يتناغم مع مكانة مدينة عكا المميزة ويُحاكي باقي المدن المختلطة.

كذلك قدم البحث توصيات تأخذ بعين الاعتبار المصالح على المستوى الكلي، تتمثل بتعزيزالفضاء العام المشترك وتمكين الديمقراطية الحضرية التي من شأنها أن تعود بالنفع والمصلحة على المدينة على اختلاف سكانها، خاصة الفئات الضعيفة، وتعزيز مساهمتها في إدارة المدينة وتحديد ملمح هويتها، والمشاركة في بناء النسيج الاجتماعي وزيادة الشعور بالانتماء ودمج كل المواطنين في المدينة بدون فرق أو تمييز.


*د. سليم بريك: حاصل على شهادة الدكتوراة من قسم العلوم السياسية في جامعة حيفا وله أبحاث في مجال التمثيل السياسي والتمثيل السياسي لدى العرب في اسرائيل، المدن المختلطة، والدروز في اسرائيل.محاضر وباحث في الجامعة المفتوحة وكلية أورانيم.

التعليقات