حوادث العمل: استهتار متواصل بحياة العمال وانعدام المهنية

أضاءت حادثة انهيار النفق في بيسان بتاريخ 13.07.2018، والتي سقط ضحيتها الشاب محمد عاهد زيادات (19 عاما) من قرية المقيبلة، ضوءا أحمر على الاستهتار المتواصل وانعدام المهنية والأمان في أماكن العمل وخصوصا فرع البناء.

حوادث العمل: استهتار متواصل بحياة العمال وانعدام المهنية

(توضيحية)

*والد ضحية العمل، زيادات، من المقيبلة: "انهارت حياة ابني بانهيار النفق"

*النقابي عقل: "لا يوجد عقاب رادع"! 


سلطت حادثة انهيار النفق في بيسان بتاريخ الـ13 من تموز/ يوليو الجاري، والتي راح ضحيتها الشاب محمد عاهد زيادات (19 عاما) من قرية المقيبلة، الضوء الأحمر على الاستهتار المتواصل وانعدام المهنية والأمان في أماكن العمل وخصوصا فرع البناء.

والعامل زيادات هو الضحية الـ21 في حوادث العمل بفرع البناء، فقد لقي مصرعه أثناء عمله بورشة لبناء محطة لتوليد الطاقة، وهو مشروع تابع لوزارة الطاقة، والذي يتم انشاؤه بالتعاون بين شركتين "إلكترا بنياه" و"سولل بوتيه" في منطقة المجلس الإقليمي "عيميك همعيانوت" قرب بيسان.

ارتفعت نسبة ضحايا حوادث العمل العرب بشكل كبير ومقلق في الأعوام الثلاثة الأخيرة، وبلغت نحو 82% بين ضحايا حوادث العمل في البلاد، وذلك بحسب معطيات أشار إليها النقابي في نقابة العمال "الهستدروت"، جهاد عقل.

ضحية انهيار النفق في بيسان محمد زيادات

وأوضح عقل في حديثه لـ"عرب 48" أن "الضحايا الأساسيين في حوادث العمل هم من العمال العرب، ومع مصرع الشاب محمد زيادات فقد ارتفع عدد الضحايا العرب في مجال البناء إلى 22 ضحية. هذا الأمر يشير إلى أن حوالي 82% من الضحايا هم من الفلسطينيين من داخل الخط الأخضر ومناطق السلطة الفلسطينية".

وأكد النقابي عقل على ضرورة "المطالبة بالتحقيق ومعاقبة المسؤولين عن الحادث الذي وقع، والذي كان بالإمكان منعه، لو أنه أدرك المسؤولون بأن أي خطأ في عمل الرافعة سيعرض حياة العمال للخطر".

وقال والد ضحية الحادث، زيادات، لـ"عرب 48" إنه يلاحق المسؤولين عن مصرع فلذة كبده قضائيا، "سأوكل القضية إلى محام للتحقيق في حادثة وفاة ابني، لنكشف من كان وراء هذا الإهمال ومعاقبته، ليكون ابني آخر ضحايا حوادث العمل".

وأضاف الوالد الثاكل أن "الأمر مقدر من الله، لكن هذا لا يعني أن نوافق على الاستهتار بأرواح العمال، وأستغرب من التحقيقات التي تجري في ملابسات الحادث، حيث يتم حبس سائق الرافعة فيما يتم إطلاق سراح المسؤول عن تشغيل الرافعة للحبس المنزلي".

وتساءل زيادات: "أين ضابط الأمن في المنطقة، والمسؤولين الكبار؟ لماذا لا يتم التحقيق بشكل جدي معهم؟ يجب التحقيق مع الشخص الذي وقّع على صلاحية عمل الرافعة. سأعرف من المسؤول عن مصرع ابني وأقاضيه. أحمّل المسؤولية لمدير المنطقة وأسأله كيف يتم تشغيل رافعة تصاب بعطل كل يوم أحد وثلاثاء؟ من أعطى أمرا بأن تعمل الرافعة الاحتياطية؟ ابني غالي علي، وكذلك فإن أصدقاءه الشباب الذين كانوا معه في ورشة العمل كان لديهم حلم بأن يعملوا ليلتحقوا بالتعليم الأكاديمي".

وختم الوالد الثاكل بالقول إن "ابني أنهى المرحلة الثانوية وعمل لمدة عام وكان سيبدأ في شهر تشرين الأول/ أكتوبر دراسة موضوع الحسابات في جامعة حيفا".

جهاد عقل

وعن ازدياد حوادث العمل في مجال البناء، قال النقابي عقل، إن "شريحة العمال العرب تشكل النسبة الكبيرة في مجال العمل بالبناء ويُطلق على هذا المجال صفة العمل الأسود، وغيرها من المهن التي تتطلب الحفاظ على الأمان بشكل كبير. ولوضع حد لهذه الحوادث يجب الخوض بالأسباب وأبرزها عدم توفير وسائل وقاية مطلوبة في ورشة العمل مثل سلالم آمنة وأحزمة واقية، حيث أن غالبية الحوادث تكون بسبب السقوط عن ارتفاع، والحل واضح وهو الالتزام بتوفير الشروط التي تضمن سلامة العامل وأبرزها أن يقوم شخص مختص بربط الأحزمة الواقية للعمال وبناء السلالم الآمنة مع رقابة وتشديد على تنفيذ الشروط برقابة عالية، إلا أنه وللأسف لا يوجد التزام بهذه الشروط".

وتطرق النقابي عقل إلى إصابات العمل التي قد تتسبب بإعاقة عمال، وبحسب معطيات مؤسسة التأمين فإنه، كما قال، "يوجد 50 ألف عامل مصاب في حوادث العمل، الأمر الذي يعني أن هناك 50 ألف عائلة فقيرة بسبب إصابات العمل. أضف إلى ذلك الإصابات بأمراض العمل والتي تنجم جراء استنشاق عمال لمواد معينة أثناء عملهم، أو تعرضهم لأصوات ضجيج بسبب عملهم في المصانع لسنوات عديدة".

ودعا إلى "وضع خطة شاملة تشارك بها جهات عديدة من اتحاد المقاولين، وزارة العمل، دائرة المراقبة والتفتيش على الصحة المهنية، النقابات، المقاولين الثانويين والعمال، والتي يكون بمجملها الحفاظ على سلامة العامل والتخلص من حوادث العمل. وقد شاركت سابقا في تبني خطة للحد من حوادث العمل في المصانع وقد نجحنا بتقليص 10%من إصابات العمل والوفيات خلال السنوات الخمس الأخيرة".

وأضاف عقل أنه "في الآونة الأخيرة توجد مبادرة لفرض غرامات باهظة على المخالفين الذين لا يتقيّدون بشروط الوسائل المهنية في مكان العمل، بالمقابل كان تهرب لتحمل المسؤولية من قبل شريحة المشغلين، لهذا تم اتخاذ قرار بأن المسؤولية تقع على الجميع، ونأمل أن تساعد على ردع هؤلاء المقاولين لتوفير وسائل أمان أكثر من اهتمامهم بتوفير المال. ونظرا لوجود نقص في عدد المفتشين في أماكن العمل فإنه يتم استخدام طائرة بدون طيار في منطقة منشآت البناء الجديدة والتي تنقل الصور لمركز يتم فيه فحص الصور، وإذا استدعى الأمر يخرج المفتشون خلال ساعة وينذروا المسؤولين، وفي حال لم يتم الاهتمام بتنفيذ المطلوب تفرض الغرامات ويفتح التحقيق ويجري إيقاف العمل، إلا أنه مع كل ذلك لا يوجد عقاب رادع".

ويتوجب على كل عامل الانتباه خلال العمل داخل ورشات بناء، وعدم المخاطرة من أجل الحفاظ على سلامة الجميع، كما أنه على الجهات المسؤولة استخلاص العبر من هذه الحوادث، والعمل على توفير آليات لحماية العمال من الإصابات وفقدان حياتهم، وليس الاستهتار بهم كما يحصل اليوم.

وأخيرا، يتأكد يوما بعد يوم ووفقا للمعطيات والإحصائيات أن غالبية ضحايا حوادث العمل هم من العمال من الضفة الغربية وقطاع غزة ومن العرب في الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية والأجانب، ما يستوجب عدم الصمت، والمطالبة بضمان الأمان والسلامة لكل من يسعى من أجل لقمة عيشه، لإعالة عائلته وأطفاله، وليعود إلى بيته من جديد.

التعليقات