اعتداءات على الأطباء: تعددت المزاعم والعنف واحد

ازدادت جرائم العنف والاعتداءات على الطواقم الطبية في المستشفيات والعيادات في البلاد بشكل مقلق وخطير، في الآونة الأخيرة.

اعتداءات على الأطباء: تعددت المزاعم والعنف واحد

(تصوير "عرب 48")

ازدادت جرائم العنف والاعتداءات على الطواقم الطبية في المستشفيات والعيادات في البلاد بشكل مقلق وخطير، في الآونة الأخيرة.

ويبدو أن غالبية الاعتداءات على الأطباء والممرضين يقترفها أناس بادعاء عدم الرضى من العلاجات الطبية المقدمة لمرضاهم وأحيانا من قبل المرضى بأنفسهم، إلى جانب مزاعم وادعاءات مرفوضة.

وتحدثت ممرضة تعمل في مستشفى الناصرة، لموقع "عرب 48" عن تعرضها لاعتداء من قبل مريض وصل إلى المستشفى لتلقي العلاج بعد تعرضه لحادث طرق. كان المصاب مجهولا بالنسبة للطاقم الطبي حيث وصل برفقة صديق له وأدخل إلى غرفة الطوارئ دون أن يذكر اسمه، كان متوترا وما لبث أن راح يكيل الشتائم والتهديدات للطاقم الطبي الذي توجه إليه للسؤال عن حالته الصحية. بعدها غادر المصاب الغرفة وخرج مع صديقه المرافق له.

وقالت إنه "حدث ذلك في نهاية ورديتي عند منتصف الليل، وصل إلى المستشفى شابان بسيارة إسعاف، بعد حادث طرق، وعلى الفور تم إدخال الشاب المصاب إلى غرفة الطوارئ وجرى وضعه على سرير مناسب، وبعد دقائق من وصولهما توجهتُ إليه، أنا والطبيب المعالج، وكان رد فعل الشاب عنيفا. سأله الطبيب، هل تشكو من آلام؟ فانتفض الشاب وقال ‘مش كل شوي حد يسألني شو بوجعك؟’ وبدأ يصرخ ويهدد الطبيب ويوجه أقذع الشتائم لنا".

وأضافت الممرضة أنه "بعد دقائق عاد صديقه وطلب منّي أن أستقبله مرة أخرى لأنه يعاني من آلام في ساقه، فقلت له إن المستشفى للجميع وبإمكانه أن يدخل ويحصل على العلاج. فعاد وفتح ملفا طبيا باسمه هذه المرة، وعدتُ مرة أخرى لاستجوبه حول ما يشعر به ولأوجهه إلى غرفة الأشعة لإجراء صورة، فقال لي اذهبي وأحضري لي كرسي عجلات، فطلبت من مرافقه أن يحضر كرسيا من خارج غرفة الطوارئ، فاستشاط المصاب غضبا مرة أخرى وراح يشتم ويقول لي ‘أنتم زبالة’ فابتعدت عنه خشية أن يؤذيني فرمى عليّ هاتفه المحمول. وفي تلك اللحظة، دخل الطبيب بينما توجهت أنا إلى غرفة الطاقم وقبل أن أدخل الغرفة قذف نحوي بزجاجة ماء وواصل توجيه الشتائم لي، ووصل الأمر أن اضطر المسؤولون في المستشفى إلى استدعاء الشرطة، وهو إجراء لا نفضّله، إلّا أن المصاب لم يتح لنا المجال لحلول أخرى".

وقالت الممرضة إنها لم تستطع النوم في تلك الليلة عندما عادت إلى منزل عائلتها، وهي تفكر بما جرى وما قد يترتب عليه من تداعيات ربما في المستقبل، لكنها قالت إنه "لم أعد أشعر بالخوف والقلق بعد أن تحدثتُ مع أهلي وتلقيت دعما كاملا من المستشفى، وبعدها طلب المريض نفسه أن يأتي ويعتذر وقال إن ما بدر من تصرفات جاءت نتيجة التوتر والقلق".

وأشارت الممرضة إلى أنه "بطبعي أتجاهل الجدال والنقاش مع أي مريض، وأحاول أن امتص غضبه، وأساعده ليهدأ في حالات التوتر والغضب. أعتقد أنه يجب رفع الوعي لدى الناس بأنّ المستشفى يقدّم خدمات طبيّة بأفضل مستويات، ويحدث أحيانا أن تصل المستشفى عدة حالات في نفس الوقت، ما قد يؤدي إلى إطالة فترة المكوث في الطوارئ".

تبريرات مرفوضة

وائل شومر

وقال وائل شومر، مسؤول التمريض في قسم الطوارئ في مستشفى الناصرة، وهو أكبر مستشفيات المدينة، ويستقبل سنويا ما بين 60 - 70 ألف طالب خدمة طبية تتنوع بين إصابات وحالات مرضية، إنه "لا يوجد أي مبرر للاعتداء على أي شخص. لا أحد منا معصوم عن أن يقصد الطبيب والممرض للعلاج وللتخلّص من مشكلة صحيّة. أعتقد أن التمادي على الطواقم الطبية، سواء كان ذلك لفظيا أو نفسيا أو جسديا هو أمر مرفوض، وهو غير مبرر على الإطلاق. نحن نولي أهمية قصوى ونتعامل بشكل جدي مع كل اعتداء على طاقم طبي، وكممرض مسؤول عن الطاقم التمريضي لا أسمح لأحد بأن يشتم أو يهين أو يعتدي على الطاقم الطبي أو التمريضي".

"عرب 48": هل لديكم إحصائيات عن حجم ظاهرة الاعتداءات في المستشفيات؟

شومر: نعم، هناك 25 مستشفى في البلاد، وحسب الإحصائيات فإن الاعتداءات على أنواعها تتراوح بين 4 آلاف إلى 50 ألف حادث اعتداء سنوي على الطواقم الطبية، بما في ذلك الاعتداءات اللفظية والتهديد والشتم، ومعظم هذه الاعتداءات تحدث في أقسام الطوارئ المزدحمة بصورة عامة في كل المستشفيات. وضعت وزارة الصحة منذ العام 2008 برنامجا خاصا، نظرا لتفاقم ظاهرة العنف بشكل عام وفي كل المرافق، وبضمنها المستشفيات.

"عرب 48": ما هي الأسباب والدوافع لهذه الاعتداءات؟

شومر: هناك عدة أسباب، أهمها هو المريض الذي يصل عادة إلى المستشفى مع مرافق أو مع عدة مرافقين (عائلة كاملة)، لذلك أطلب هنا بأن لا يحضر مع المريض سوى مرافق، لسبب واحد هو منع الاكتظاظ داخل غرفة الطوارئ، وهذا الأمر يعيق حركة الطاقم الطبي والأجهزة، والضغط داخل غرفة الطوارئ هو واحد من أسباب العنف. وفي معظم الحالات يصدر العنف عن مرافقي المريض وليس عن المريض نفسه، فالأمر بحاجة إلى صبر، وعلى كل مرافق أن يدرك بأن المكوث في غرفة الطوارئ قد يستغرق ما بين 4 - 6 ساعات لإجراء الفحوصات اللازمة، والحصول على النتائج يستغرق وقتا طويلا أحيانا. لذلك فالتحلي بالصبر واجب على كل مريض ومرافق له. وعليهم أن يتأكدوا بأننا نبذل كل جهد من أجل مساعدتهم والتسهيل عليهم في أسرع وقت ممكن. الطاقم المعالج يكون دائما في الواجهة وهو الذي يتلقى كل "الضربات". نحرص على استقبال المرضى ومرافقيهم بحب واهتمام وعلى الفور نبدأ باستجواب المريض وتقديم العلاجات الأولية له. وأذكر أنه بسبب ارتفاع نسبة الاعتداءات على الطواقم الطبية، قررت وزارة الصحة زيادة عدد أفراد طاقم الطوارئ، وهو ما قمنا بتطبيقه، بالإضافة إلى تعيين مدير تشغيل، مهمته تفعيل الطاقم، والوقوف على أسباب التأخير والمحطات التي تعيق تقديم الخدمة بسرعة. كما قمنا أيضا بإضافة وظيفة مساعد طبيب، وهو عادة طبيب متمرّن. وفرضت وزارة الصحة على الطواقم الطبية المشاركة في ورشات عمل تحت عنوان "تحسين التجربة المشتركة للمريض وعضو الطاقم المعالج في قسم الطوارئ"، بالإضافة إلى ورشة "تحصين النفس" وورشة "الاتصال والتواصل مع المريض" وغيرها الكثير. ونحن بدورنا نقوم بإرسال طواقم التمريض العاملة في المستشفى للمشاركة في هذه الورشات ودورات الاستكمال بهدف تقديم الأفضل للمرضى ومرافقيهم. وفي النهاية من المؤسف أن تضطر المستشفيات للاستثمار الكبير في أجهزة الأمن والحراسة بدلا من استغلال هذه الميزانيات في تحسين وتطوير الخدمات الطبية لصالح المجتمع. وعلى الرغم من الجهد الذي قمت به في تأهيل الطاقم للتعامل مع العنف الموجود في المجتمع، إلا أن نجاحي يبقى محدود الضمان أمام أشخاص يصلون إلى المستشفى لافتعال المشاكل. ونحن في النهاية بشر نأتي للعمل وكسب لقمة العيش، وبطبيعة الحال لا أحد يقبل بالإهانة ولا بالشتيمة والاعتداء في الوقت الذي يكرّس كل جهده وطاقاته للخدمة.

"عرب 48": هل تكون نسبة العنف أعلى في حالات الإصابة نتيجة حوادث أم أن ذلك ينسحب على المرضى أيضا؟

شومر: تشير الإحصائيات لدينا إلى أنه كلما كانت حالة المريض أو المصاب أشد خطورة، كلما زاد احتمال تطور الأمر إلى عنف. وفي حالات الإصابة نتيجة إطلاق نار مثلا أو حوادث من هذا النوع، يرافق ذلك حالات فوضى وعنف ونشعر أحيانا بأن الدقائق العشر (وهي الفترة القصوى لوصول الشرطة) كأنها ساعة كاملة! لكن في كل الأحوال نعتبر أن عملنا في غرفة الطوارئ هو تحد كبير وتجربة مثيرة، ونحن نخفق أحيانا ونحقق إنجازات كبيرة نشعر حيالها بالمتعة في أحيان أخرى. وسيتم قريبا تحويل قسم الطوارئ في المستشفى إلى قسمين، أسوة بالمستشفيات الكبيرة التي قامت بتوسعة قسم الطوارئ وتحويله إلى قسم للحالات التي يحتاج فيها المريض إلى سرير والقسم الثاني للمرضى الذين لا يحتاجون إلى سرير كالأشخاص الذين يعانون من القلق والصداع والحالات البسيطة الأخرى. وسيتواجد ممرضون مختصون بعملية تصنيف المرضى لاستقبالهم وإجراء الفحوص الأولية لهم وتوجيههم إلى القسم المناسب. عملية الاستقبال هذه من شأنها أن تقلل من نسب التوتر والضغط وبالتالي العنف في قسم الطوارئ. كل هذا العمل الهدف منه هو الحفاظ على سلامة المريض ومنحه الخدمة المناسبة فيما لو كانت حالته مستعجلة وتستدعي التدخل الفوري، أو أنها تحتمل الانتظار، وبالتالي رفع مستوى الرضى من الخدمة والتقليل من التذمر الذي قد يؤدي بالتالي إلى عنف.

"عرب 48": أخيرا، هل لديكم معطيات حول عدد حالات العنف، والحالات التي تستدعي تدخل الشرطة؟

شومر: إذا كان الحديث عن مستشفى الناصرة هنا، فإننا نشهد بين 3 - 5 حوادث اعتداء لفظي أو كلامي أسبوعيا، تستدعي تدخل جهاز الحراسة في المستشفى، وأحيانا يحدث اعتداء أو عنف يستدعي تدخل الشرطة لمرة واحدة في أسبوع أو عشرة أيام. كمسؤول هنا أحاول قدر الإمكان عدم استدعاء الشرطة وجعلها آخر خيار أو آخر الحلول. هذه المعطيات الصادمة، سببها أن قسم الطوارئ في مستشفى الناصرة هو الأكبر في المنطقة حيث يستقبل من بين 60 - 70 ألف طالب خدمة طبية في السنة، بين حالات مرضيّة أو إصابات، وهو القسم الأكثر تطورا أيضا، ويشمل غرفة الصدمة ووحدة القسطرة والجراحة ويقدم خدماته لقطاع واسع يبلغ عدد سكانه ما بين 250 - 300 ألف مواطن.

التعليقات