جسر الزرقاء: ركام الفقر والتمييز والتهميش

ركام أبنية مهدمة يملأ أطراف الحي ومياه سائلة من بعض البيوت، أسوار متهالكة على اليمين وعلى الشمال، أزقة لا يمر بها غير فرد من شدة الاكتظاظ، فقرٌ مدقع، وجريمة وبطالة مستشريتان،

جسر الزرقاء: ركام الفقر والتمييز والتهميش

زقاق في جسر الزرقاء، (تصوير "عرب 48")

ركام أبنية مهدمة يملأ أطراف الحي ومياه سائلة من بعض البيوت، أسوار متهالكة على اليمين وعلى الشمال، أزقة لا يمر بها غير فرد من شدة الاكتظاظ، فقرٌ مدقع، وجريمة وبطالة مستشريتان، هذا أوّل ما تلحظه العين عند دخول أحد أحياء قرية جسر الزرقاء، وتحديدًا بيت عائلة طعمة جربان.

في نهاية الزقاق يجلس بعض نساء الحيّ في ممرّ ضيّق، أعمارهنّ متفاوتة، يتحلّقن حول فناجين قهوتهنّ في ديوان يبدو أنهنّ يتبادلن فيه أخبار البلدة وهمومها.

ليست جسر الزرقاء، آخر القرى الفلسطينيّة على البحر الأبيض، صغيرة المساحة كبيرة الشأن، فعلى أيّ مرتفع تقف يمكنك أن ترى نهاية القرية، الاكتظاظُ بادٍ أنّى ذهبت، بفعل مخططّات الحكومة الإسرائيليّة على مر السنين لتهميش القرية وإقصائها، بينما صمد أهلها وسط هذا التوغّل الشرس لمخططات الحكومة ومؤسساتها المختلفة، الذي أغرقهم في الفقر والبطالة والمخدرات والعنف وانتشار السلاح.

أوضاع معيشية صعبة بجسر الزرقاء (تصوير "عرب 48")

فقر مدقع وبطالة منتشرة

عدد سكان جسر الزرقاء يبلغ 14 ألف نسمة، يقيمون على مساحة نحو 1500 دونم، وسط اكتظاظ سكاني كبير يشكل أزمة خانقة لكافة سكان القرية في شتى مناحي الحياة، الأمر الذي زاد في السنين الأخيرة من ظاهرة الهجرة خارج القرية، خصوصًا في صفوف الشباب.

ووفق المعطيات الرسميّة، فإنّ نسبة البطالة والعاطلين عن العمل وصلت إلى نحو 18 بالمئة، وفي العام 2017 وفق المكتب المركزي للإحصائيات، فإنّ نسبة البطالة ارتفعت بـ4 بالمئة.

وتُبيّن معطيات مكتب الرفاه الاجتماعي أنّ نحو 80 بالمئة من سكان جسر الزرقاء يعيشون تحت خط الفقر، وأنّ نحو 2200 ملف عولجوا في السنين الأخيرة في مكتب الرفاه الاجتماعي لعائلات في القرية.

انتشار الجريمة والمخدرات

لم تكن أزمات السكن والفقر والبطالة يومًا مفصولة عن العنف والجريمة واستعمال المخدرات، فتلك الظواهر لطالما شكّلت حلقة مكتملة، وكل واحدة منها تدعم الأخرى في ظل التهميش المتعمد من قبل المؤسسات الحكومية على مر السنين.

في العامين الأخيرين 2017/2018، قُتل في قرية جسر الزرقاء 6 شبّان في جرائم قتل، غالبيتها ارتكبت عن طريق السلاح الناري، الذي ينتشر بشكل كبير في القريّة. أمّا الضحايا فهم: بلال عماش، محمد زايط، لؤي عماش، جبري عماش، أحمد صلاح جربان، رداد فيصل، غير أن كثيرًا من ضحايا الرصاص الذين أصيبوا، سوف ترافقهم المعاناة طيلة حياتهم.

غياب المؤسسات

عُثر على الشاب رسمي جربان (36 عاما) من جسر الزرقاء متوفيًا في مدينة الطيبة جرّاء السيول الأخيرة التي ضربت المدينة، بعد أربعة أيام من عمليات البحث.

ومعاناة وفاة جربان ليس إلا جزءًا من معاناة أكبر تعيشها عائلته في ظروف قاسية على مرّ السنين، أدت به، في نهاية المطاف، إلى الإدمان على المخدرات وسط غياب للمؤسسات الداعمة.

تعيش العائلة في ظروف معيشية صعبة ليست بعيدةً عن معاناة أهالي القرية لناحية الفقر الذي يحدق بالعائلة، وسط غياب كامل للمؤسسات الحكومية في القرية وخارجها.

تسكن العائلة في بيت مكون من غرفتين في طابق أرضي، وتشير ظروف المنزل إلى حجم المعاناة التي تعيشها.

بطالة ومخدرات

يروي طعمة جربان، والد الضحيّة رسمي جربان، في حديث لـ"عرب 48" المعاناة التي تعشيها أسرته، "نعيش كما ترى. لا شيء يخفى. حالة البيت تدل على المأساة، ابني توفي في الطيبة بعد أن تدهور إلى عالم المخدرات، ولديّ ابنٌ آخر يتنقل بين السجون، وهو الآن مسجون، وأنا أعمل خارج البيت، وزوجتي متوفية".

طعمة جربان

وأضاف: "كانت حياة المرحوم رسمي جيّدة قبل أن تتوفى والدته، كان متزوجًا ولديه بيت، وحين توفيت والدته، تطلّق من زوجته في وقت لاحق، ومن هنا تدهورت حياته، وانتهى به الأمر إلى دخوله عالم الإدمان على المخدرات، لكن رسمي كان إنسانًا طيبا لا يؤذي أحدًا والكل يشهد له بذلك".

وأكد أن "هنالك بطالة كثيرة في جسر الزرقاء، الرجال لا يعثرون على الأعمال الملائمة لذلك ترى الكثير من الفتيات يخرجن إلى العمل مضطرات، زد على ذلك أن نسبة كبيرة من أهالي القرية ليسوا متعلمين".

وأشار والد الضحيّة جربان إلى أن "المخدرات منتشرة جدا للأسف في هذه الأيام، وكثير من الظواهر السلبية التي لم تكن في السابق. المخدرات والبطالة لم تكن حين كنا في عمر الشباب، وهذه الموبقات أكبر مصيبة أصابت شباب جسر الزرقاء".

وعن غياب المؤسسات الداعمة، قال إنه "لا توجد مؤسسات في جسر الزرقاء، هي مغيبة تماما عن الواقع، تجدها فقد في البلدات المجاورة مثل الخضيرة وقيساريا وتقدم الخدمات على أكمل وجه. هذه القرية جسر الزرقاء مظلومة جدا، لا توجد أماكن للإيجار ولا قسائم أرض للبناء وأزمة السكن خانقة جدا".

وعن الأزمة لاقتصادية التي تعاني منها عائلات كثيرة في جسر الزرقاء، أوضح جربان أن "الكثير من العائلات والأسر في جسر الزرقاء غارقة بالديون، ضريبة للمجلس المحلي وأثمان مياه، وديون مثقلة للسلطات الإسرائيلية، وتكاليف المعيشة باهظة. من أين وكيف يتدبر رب العائلة أموره لشراء وتوفير حاجيات البيت ورعاية أولاده؟ بالكاد تقتات الأسر من الرواتب الشهرية المحدودة. هناك حاجيات أساسية لا تستطيع توفيرها العائلات لأولادها. زد على ذلك انعدام مؤسسات مساعدة وداعمة في هذه الظروف المادية الصعبة".

وختم الوالد الثاكل بالقول إنه "إلى جانب المعاناة التي نعيشها يطالبوننا في المجلس المحلي بتسديد ديون متراكمة وهي بمبالغ طائلة، لا يراعون الظروف التي نعاني منها، من أين نأتي لهم بالمال؟ نطالب كل المسؤولين بالتحرك ومساعدتنا في جسر الزرقاء، وأن ينظروا لمطالبنا المستحقة. نحن نشعر بأننا أيتام هنا".

أوضاع اقتصادية صعبة

شريف جربان

وقال أحد سكان جسر الزرقاء، شريف جربان، لـ"عرب 48" إن "غالبية سكان جسر الزرقاء لم تتلق الدراسة. لا تجد من يتقلد منصبا رفيعا أو وظيفة بمستوى عال، غالبيتهم يتقاضون الحد الأدنى من الأجور، وانعدام المؤسسات والجمعيات الداعمة وسط هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة زاد من عدد الفقراء في القرية وأغرق الكثير من العائلات في دوامة الديون".

وأضاف جربان أن "هموم الحياة اليومية تزداد صعوبة بسبب غلاء المعيشة، وللأسف لا نلقى الدعم الكافي من المؤسسات ونطالب كافة المسؤولين بالنظر إلى حال أهالي القرية".

خميس محمد

وقال أحد سكان جسر الزرقاء، خميس محمد (56 عاما)، لـ"عرب 48" إن "الأوضاع المعيشية في جسر الزرقاء سيئة جدا، اليوم. كانت المعيشة أجمل بكثير في السابق. للأسف، انتشر السلاح والجريمة في القرية وتحوّلت حياتنا إلى جحيم. كل يوم نسمع عن نزاعات وخلافات وإطلاق نار وقتل لأسباب تافهة، بالإمكان حلها دون اللجوء إلى العنف".

وأكد أن "التربية لم تعد كما كانت في السابق. الابن لا يسمع كلام أبيه، وانعدم احترام كبار السن. السلطات تتحمل المسؤولية أولا، ثم رئيس المجلس المحلي الذي سمح بإقامة محطة الشرطة، لأن الشرطة هنا فقط للعربدة ولا تعمل شيئا في محاربة العنف والجريمة والفوضى في القرية".

حصار اقتصادي واجتماعي

ومن جهته، قال رئيس اللجنة الشعبية في جسر الزرقاء، سامي العلي، لـ"عرب 48" إن "جسر الزرقاء تعيش في حصار اجتماعي واقتصادي، لا أحد يريد التعامل مع القرية من قبل البلدات المجاورة، هناك نظرة استعلائية للمواطنين وصورة دونية يوجهها الإعلام الإسرائيلي".

سامي العلي

وأكد أن "هذه الملاحقات تنجم عن خلفية تاريخية للقرية، وكل هذه الملاحقات أدت في نهاية المطاف إلى حصار نفسي لدى السكان. نحن نتحدث عن سياسة عنصرية، تحاول السلطات التضييق على القرية وسكانها في كل مناحي الحياة، وبالتالي هذا أنتج أزمة سكنية خانقة وحالة فقر مرتفعة جدا، ونسبة بطالة عالية، بالإضافة إلى مشاكل اجتماعية كثيرة وخاصة العنف والجريمة".

وختم العلي بالقول إن "كل هذه المشاكل نتيجة سياسات التهميش والإقصاء العنصرية على مدار السنين من قبل المؤسسة الإسرائيلية. نحن نحاول في السنوات الأخيرة كسر الحصار على كافة المستويات كذلك تقديم خطط لتطوير القرية، والأهم بناء الإنسان قبل البنيان ومحاولة تنمية الأهالي وتحصيل كافة الحقوق".

التعليقات