الكتاب الجوال... مشروع إثراء لأطفال النقب

أحد المشاهد التي يذكرها مواليد التسعينيات في قرية اللقية بمنطقة النقب، جنوبي البلاد، جيدا وفي العديد من قرى النقب، مسلوبة الاعتراف، حضور سيارة "المكتبة الجوالة" التي شكلت نقطة ضوء وسببت الابتسامة وإثارة مشاعر الحنين للكتاب والمطالعة.

الكتاب الجوال... مشروع إثراء لأطفال النقب

أطفال من النقب يطالعون الكتب

أحد المشاهد التي يذكرها مواليد التسعينيات في قرية اللقية بمنطقة النقب، جنوبي البلاد، جيدا وفي العديد من قرى النقب، مسلوبة الاعتراف، حضور سيارة "المكتبة الجوالة" التي شكلت نقطة ضوء وسببت الابتسامة وإثارة مشاعر الحنين للكتاب والمطالعة.

يُحرم أهالي القرى مسلوبة الاعتراف في النقب من الخدمات كالكهرباء لغاية اليوم، وفي الوقت الذي كان جهاز التلفاز هو المصدر الرئيسي لترفيه الأطفال والعائلة، حُرم منه أهالي قرى النقب، وأخذ الكتاب ومجلات الأطفال دورا وحضورا قويا، لكن شُح المرافق العامة والنقص في منالية الكتب في القرى مسلوبة الاعتراف وقرى النقب كلها، بالإضافة إلى الحاجة الجماعية للقراءة كانت الدافع لإقامة مشروع "الكتاب الجوال" في العام 1998.

نالت فكرة تزويد كتب الأطفال والروايات والقصص لأطفال النقب في قراهم وبين بيوتهم، دعما جماهيريا واحتضانا واسعا حتى شغل "الكتاب الجوال" منصب الفعالية الرسمية ليوم الخميس في قرية اللقية التي انطلق منها المشروع في حينه.

الكتاب الجوال

مشروع غير ربحي أقيم بمبادرة ذاتية من جمعية "نساء اللقية"، تلقى الدعم من صناديق عالمية منذ العام 2003 ويتلقى في السنوات الأخيرة دعمًا جزئيًا من مؤسسات رسمية، وهو عبارة عن مكتبة متنقلة تديره جمعية "نساء اللقية" في النقب. شغل حيزا كبيرا ومهما في النقب منذ تأسيسه وبداية عمله. مكتبة "الكتاب الجوال" عبارة عن شاحنة نقل تحوي بداخلها آلاف الكتب المعدة لاستخدام ومطالعة الأطفال، بالإضافة إلى مجموعات من الكتب والروايات المناسبة لجيل الشباب.

يقود شاحنة "الكتاب الجوال" الشاب يوسف الصانع منذ أكثر من 14 عاما متطوعا ومديرا للمشروع بشكل مستمر، كما ترافقه بشكل دوري طالبات جامعيات من قرية اللقية، يتلقين منحا دراسية لإنهاء دراستهن، مقابل التطوع في المكتبة من جمعية "نساء اللقية".

نتيجة حتمية

وعن تأسيس "الكتاب الجوال"، قالت مديرة جمعية "نساء اللقية"، أسماء الصانع، لـ"عرب 48" إن "وجود مشروع الكتاب الجوال كان نتيجة حتمية للوضع الصعب في قرى النقب، ونتج عن رغبة مجموعة من الشباب في المساعدة والعطاء في العام 1998 الذي برز فيه النقص في المكتبات والمرافق الثقافية للأطفال والشباب، وهو بالضرورة عامل مؤثر على صياغة الوعي لدى أجيال كاملة، وقرية اللقية على سبيل المثال دليل حي على تأثير نقص المرافق للأفراد. في سنوات سابقة خرجت العديد من الأسماء والإنجازات التي كان مصدرها قرية اللقية عندما احتوت مرافق عامة تكافلية بين الأهل وبمبادراتهم الشخصية".

أسماء الصانع

وأضافت أنه "لا توجد في اللقية مكتبة عامة، ومن هذا المنطلق أتت فكرة الكتاب الجوال ومكتبة الجمعية. في السنوات الأولى للمشروع كانت المبادرة ذاتية وعلى عاتق الأفراد بشكل كامل، وبعد نجاح المشروع في قرى النقب استطعنا تحصيل التمويل من عدة صناديق عالمية على مدار سنوات واليوم بعد سنوات من إثبات أهمية الكتاب الجوال لقيمته النوعية، سمحت لنا وزارة التربية والتعليم بالوصول إلى المدارس وتقديم خدماتنا فيها إضافة لتمويل جزئي. يخدم الكتاب الجوال عدة مناطق في النقب، معظمها في القرى مسلوبة الاعتراف، بالإضافة لـ10 مدارس ابتدائية، ونحاول الوصول إلى المزيد من المدارس بشكل مستمر".

وأنهت الصانع بالقول: "نحاول دائما إضافة خدمات جديدة وتطوير برامج النشاطات والخدمات للجمهور. ولا تتوقف نشاطات الكتاب الجوال عند تشجيع القراءة وتوفير الكتب، بل تتعداها لإقامة فعاليات ترفيهية للأطفال، ومن خلال كل هذا يتم منح الفتيات المتطوعات في مشروع الكتاب الجوال منحا مالية لدعمهن من أجل إكمال مسيرتهن الأكاديمية، وندعو كل من يهمهم الأمر للانضمام والعطاء".

نساء اللقية

تملك جمعية "نساء اللقية" بالإضافة للمكتبة المتنقلة، مكتبة شبابية صغيرة ومرافقَ معدة ومفتوحة لاستخدام الطلاب ومن يحتاج من أهالي البلدة، وتتلقى المتطوعات في الجمعية استكمالات ودورات ومحاضرات دورية في مواضيع مختلفة منها التعامل مع الأطفال والحذر في البيوت وحتى التاريخ ودروس المساعدة ومحو الأمية.

ويسعى طاقم المكتبة لترسيخ قيمة القراءة إلى جانب المسؤولية والالتزام في الأطفال، واستنادا على ذلك تعمل المكتبة بنظام الإعارة إذ يستعير الطفل الكتاب للمطالعة ويتعين عليه إعادته في الموعد الدوري لحضور المكتبة إلى بلدته بعد إنهاء مطالعة الكتاب، للحصول على كتاب جديد.

يوسف الصانع

وعن عمل "الكتاب الجوال"، قال خريج الإدارة الحسابات، والمتطوع في جمعية "نساء اللقية" والمسؤول عن المشروع، يوسف محمد الصانع، لـ"عرب 48": "أقود المكتبة الجوالة منذ أكثر من 14 عاما ولغاية اليوم. أحب هذا المكان جدا رغم مرور هذا العدد من السنوات وتغيير اهتمامات المجتمع والأطفال. أنا سعيد جدا بأنني رأيت الجيل الثاني من القراء الصغار. يأتيني أطفال استعار آباؤهم كتبا من مشروع الكتاب الجوال وهم صغار. لا زلت مؤمنا بأهمية المشروع، ولا زالت وجوه الأطفال السعيدة المحرك والدافع لنا في المشروع لكي نستمر ونصل إلى قرى صمود أكثر مما وصلنا إليه في النقب وبالطبع إلى أطفال أكثر".

وتحدث الصانع عن أهمية القراءة لأطفال قرى النقب مسلوبة الاعتراف، وأكد أنه "مهما تغيرت اهتمامات الناس، يبقى للقراءة مكانتها وقيمتها. نحن بحاجة للقراءة جدا في واقعنا المرير ولكي نواجه معاناتنا اليومية خاصة في القرى مسلوبة الاعتراف الخالية من مقومات الحياة اليومية، وبالتالي هي بالطبع فارغة من أي وسائل أو برامج للترفيه، التعليم اللامنهجي والتطوير للأطفال والشباب، وهنا تأتي أهمية مشروعنا. خلال سنوات عملي في المشروع فهمت جيدا أن انتظار الدولة والمؤسسات الحكومية في النقب لتقوم بعملها سوف يفقدنا أجيالا كثيرة ستكبر مع المعاناة، هذا جعلني أؤمن بشكل كامل بالحكمة القائلة أن تنير شمعة خير من أن تلعن الظلام. وأتمنى أن يكون الكتاب الجوال شمعة في حياة أطفال النقب".

أطفال النقب

وأشار الصانع إلى أن "عملنا في الكتاب الجوال لا يقتصر على تقديم الكتب للأطفال، نقوم بالتوقف في قرى منها اللقية، أم بطين، قصر السر، أبو قرينات والأطرش ومكحول وغيرها وإقامة محطات مناسبة للأطفال، كما بدأنا العمل في 10 مدارس بالنقب أيضا. تقوم المتطوعات بتفعيل الأطفال والتحدث معهم والقراءة لهم. الأطفال بحاجة للحديث ويمكنك التحدث كثيرا إليهم خاصة في ظل واقع القرى مسلوبة الاعتراف الصعب".

وذكر الصانع قصصًا مؤثرة في العمل مع أطفال النقب: "هناك دائما مواقف جميلة ومؤثرة وأخرى مختلفة مع الأطفال. أحد المواقف المؤثرة كانت اختيار فتاة من قرية مسلوبة الاعتراف قراءة قصة عن الأم للمجموعة، وبعد انتهائها من القراءة ختمت بجملة أنا أحب أمي، بالرغم من كونها ميتة. ومن الجدير بالذكر أن هناك الكثير من الفتيات المتسربات من المدارس بحكم ظروف اجتماعية، تلعب القراءة دورا مهما في حياتهن ويقمن باستعارة الكتب عن طريق أشقائهن الصغار، وقد تكون فرصتهن الوحيدة للتعلم والتطور هي القراءة".

وختم الصانع بالقول إنه "هناك حاجة للكتاب الجوال في كل قرى النقب، والحاجة للتطوع أكبر. الأطفال أمانة في أعناقنا وهم بحاجة للتعلم والسعادة. لا قدرة لي على ترك الكتاب الجوال وأشعر أن حاجة أطفال النقب إليه لن تتوقف كما حاجتنا إليه، فالأطفال يسعدوننا أكثر مما نسعدهم بكثير". 

 

التعليقات