الدم الواحد يراق كلّه: حين انتفض النقب نصرة للحرم الإبراهيمي

حلت يوم الإثنين الماضي، الذكرى الـ25 لمجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل، الحاضرة في الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني ولها مكانة كبيرة في الشارع النقباوي، إذ تلازم أحداث المجزرة وتفاصيلها كل من عايشها من عرب النقب، تُذكر فيذكر معها الشهيد الشاب محمد

الدم الواحد يراق كلّه: حين انتفض النقب نصرة للحرم الإبراهيمي

حلت يوم الإثنين الماضي، الذكرى الـ25 لمجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل، الحاضرة في الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني والتي تحتلّ مكانة كبيرة في الشارع النقباوي، إذ تلازم أحداث المجزرة وتفاصيلها كل من عايشها من فلسطينيي النقب، تُذكر فيذكر معها الشهيد الشاب محمد سليمان أبو جامع، الذي قتل برصاص الشرطة الإسرائيلية في الـ 27 من شباط/ فبراير 1994 .

الشهيد محمد سليمان أبو جامع

عم السخط والغضب في النقب، أُعلن عن الإضراب العام وانطلقت المسيرات الاحتجاجية ورُفعت الأعلام السوداء على أسطح المنازل وخرج الشباب إلى الشوارع، أشعلوا فيها الإطارات وأغلقوها بالحجارة والمتاريس، فيما قمعت القوات الإسرائيلية الاحتجاجات العربية في النقب بعنف وقوة مميتة؛ استشهد الشاب محمد سليمان أبو جامع برصاص الشرطة ورفض أهالي النقب الانصياع لمحاولات إجبارهم على الخضوع لإرادة الشرطة ومنعهم من التعبير عن غضبهم.

وقد دوّن الناشط مروان أبو فريح شهادته وشهادات آخرين عن أحداث الغضب التي استشهد خلالها محمد أبو جامع، والتي تبرز من خلالها مشاهد الألم والثورة والغضب على ممارسات الاحتلال، والمصير الواحد والمشترك للشعب الفلسطيني على الأراضي الفلسطينية وفي كل أماكن تواجده.

احتجاجات النقب

انطلقت الاحتجاجات في قرية اللقية يوم السبت الموافق 26 شباط/ فبراير 1994، بمسيرة عبّر الأهالي من خلالها عن غضبهم على أحداث المجزرة الإرهابية التي ارتكبها المستوطن باروخ غولدشطاين، ضد جمهور المصلين في الحرم الإبراهيمي في الخليل.

وجاءت هذه المسيرة في أعقاب اجتماع شعبي في مدينة رهط بمشاركة جميع الأطر السياسية والقوى الوطنية في النقب، حيث تقرر تنظيم مسيرة جماهيرية في قرية اللقية، يشارك فيها جمهور العرب في النقب.

وبالفعل، شارك في المسيرة نحو ثلاثة آلاف شخص توافدوا من القرى العربية في النقب، حمل المشاركون الأعلام السوداء والأعلام الفلسطينية وهتفوا بشعارات عبروا من خلالها عن غضبهم، إذ طالب المتظاهرون الحكومة الإسرائيلية بالانسحاب الكلّيّ والفوريّ من المناطق المحتلة عام 1967.

وتقدم المسيرة الغاضبة مجموعة من الشبان حاملين نعشًا في تشييع رمزي لضحايا المجزرة، وبينهم كان الشّاب محمد سليمان أبو جامع بين المشاركين وذلك في اليوم الذي سبق يوم استشهاده، فقد استمّرت الاحتجاجات واستمر الغضب في النقب وصباح يوم الأحد، السابع عشر من رمضان بتاريخ 27.2.1994، قرر مواطنو رهط مواصلة الإضراب، اعتراضًا وإصرارًا على بشاعة المجزرة في الحرم الإبراهيمي، فأغلقت المدارس أبوابها وأغلقت جميع المتاجر والورشات ولم يخرج العمال إلى أماكن عملهم باستثناء المجلس المحلي.

من المظاهرات الحاشدة في النقب

وخرج الشباب معلنين عن سخطهم وغضبهم في تمام الواحدة من ظهر اليوم نفسه، أُشعلت الإطارات، وأُغلقت الشوارع الداخلية في البلدة، واندلعت صدامات ومواجهات بين عناصر الشرطة والمتظاهرين استمرت ساعات طويلة، لم يفرط خلالها الشباب الثائر بمطلب إخراج الشرطة الإسرائيلية من البلدة.

وبدأت الشرطة باستفزاز الشباب وحاولت تفريقهم بالقوة، وفي أعقاب ذلك هرعت قوات كبيرة من الشرطة وحرس الحدود إلى مركز البلدة، بعد أن وصل عدد المتظاهرين إلى مئات من الشباب، وازداد عنف المواجهات بين الشباب وحرس الحدود، والذي وصل إلى إطلاق الشرطة للرّصاص الحيّ وقنابل الغاز المسيل للدّموع، في تمام الساعة الرابعة عصرًا يومذاك.

الإعدام الميداني

وفي الساعة 16:21 تمامًا، أطلق أحد القنّاصة من عناصر حرس الحدود النار باتجاه الشّهيد أبو جامع، الذي كان يبلغ 22 عامًا من عمره، لتخترق الرصاصة القاتلة فمه وتخرج من رأسه، ومن ثمّ يسقط على الأرض. وقد أفاد شهود عيانٍ أنّ وابل الرّصاص الذي أطلقه حرس الحدود منع المتظاهرين من الوصول إلى الشهيد، لكنّهم أصرّوا ووصلوا إليه بعد ثلاث دقائق، فحملوه وتوجّهوا به إلى عيادة صندوق المرضى في البلدة، حيث أقرّ الأطبّاء استشهاده متأثّرًا بجراحه.

وأثار خبر استشهاد أبو جامع تجدّد المواجهات بعنفٍ أكبر، بين عناصر الشّرطة وحرس الحدود من جهة، والمتظاهرين من أهل البلدة في الجهة المقابلة، والتي أسفرت عن إصابة عشرات الأشخاص الّذين نقلوا إلى مستشفى سوروكا، فيما عولج بعضهم في العيادات الخاصّة في البلدة.

ووفق شهود عيان، فقد أصيب خلال المواجهات الشّاب علي العبيات الذي أصيب بعيار ناري في قدمه، والشاب ذياب مبارك الخمايسي الذي أصيب بعيار ناري في رأسه، ونجا من الموت بأعجوبة.

الانفجار

واستمرت الصدامات بين أفراد الشرطة والشبان حتى منتصف الليل، حيث انقطع تيار الكهرباء عن البلدة، ولم تستطع الشرطة مواجهة الشبان بعد انقطاع التيار الكهربائي، ما دفعها لطلب النجدة واستدعاء طائرتين عموديتين وأعدادٍ كبيرةٍ من الكلاب لتفريق المتظاهرين.

 وكان رجال الشرطة معززين بما يسمى "الوحدة الخاصة لمكافحة الإرهاب"، حيث تلقوا أمرًا بمهاجمة المتظاهرين الذين أشعلوا الشوارع الرئيسية والقريبة من مركز البلدة؛ وأطلقت قوّات الشرطة المئات من قنابل الغاز المسيلة للدموع حتى تحولت بلدة رهط التي كان يسكنها آنذاك نحو 27 ألف مواطن، إلى غيمة من الغاز المسيل للدموع.

من آثار المواجهات في البلدة

وفي الساعة الثامنة مساءً وصلت المواجهات إلى ذروتها حين انفجرت أنبوبة غاز بجوار نقطة الشرطة التي كانت آنذاك في مركز المدينة؛ ويذكر شهود عيان أنّ هدوءًا شاملًا عمّ ساحة المواجهات قبل لحظاتٍ من الانفجار، ولم يعرف رجال الشرطة السبب، إلّا أنّ الانفجار الذي علت شعلته ووصل ارتفاعها إلى نحو خمسة أمتار، جاء وأحدث دويًّا هائلًا هزّ البلدة.

وفي الساعة الحادية عشرة ليلًا، وصل المفتش العام للشرطة، رافي بيلد، ليجتمع مع رئيس المجلس ونوابه ووجهاء من رهط، ويوافق على إخراج الشرطة من البلدة وإبقاء أفراد الشرطة الدائمين في المحطة، خاصّة وأنّ مواجهاتٍ عنيفةً أخرى اندلعت في قرى اللقية، وحورة، وكسيفة، وعرعرة النقب وتل السبع بين أفراد الشرطة والمتظاهرين الذين أصيب واعتقل العشرات منهم في أعقابها.

التعليقات