الهجمة البوليسية على كفر كنا.. "جرحٌ لا يندمل"

مرّ أكثر من شهرين على الهجمة البوليسية التي نفذتها الشرطة الإسرائيلية لقرية كفر كنا بغية اعتقال رئيس لجنة الحريات في لجنة المتابعة، الشيخ كمال الخطيب، وما زال الدم ينزف فمن بين العشرات الذين أصيبوا هناك البعض يعاني من عدم القدرة

الهجمة البوليسية على كفر كنا..

من ساحة الأحداث في كفر كنا (أرشيف عرب 48)

مرّ أكثر من شهرين على الهجمة البوليسية التي نفذتها الشرطة الإسرائيلية لقرية كفر كنا بغية اعتقال رئيس لجنة الحريات في لجنة المتابعة، الشيخ كمال الخطيب، وما زال الدم ينزف فمن بين العشرات الذين أصيبوا هناك البعض يعاني من عدم القدرة على المشي نتيجة تحطم عظامهم وآخرون لا زالوا يتلقون العلاج والرصاصات مستقرة في أجسادهم وهناك من لا يقوى على النطق بسبب إصابات في الوجه والفكين.

وفي الوقت الذي لا زال فيه الشيخ خطيب يخضع لقيود الإبعاد عن المنزل وترافقه سياسة "كم الأفواه" في دولة تدعي الديمقراطية ولا يسمح فيها للشيخ أن يلقي خطبة الجمعة أو العيد، فإن علامات سؤال كثيرة لا زالت تحوم حول عملية اعتقاله المثيرة للاستهجان والطريقة التي اقتحمت فيها قوات الشرطة البلدة وسط استخدام قنابل الهلع والرصاص الحي والمطاطي وكافة وسائل القمع والترهيب، حيث كان بإمكان الشرطة استدعاء خطيب للتحقيق كما في مرات سابقة واعتقاله إن أرادت لكنها أصرت اقتحام كفر كنا ومداهمة منزله المحاذي لمسجد عمر بن الخطاب بقوات معززة لتحول المكان إلى ما يشبه بساحة حرب، وأبت ألا تغادر المكان قبل أن تترك عشرات المصابين ينزفون وينقلون إلى المشافي، الأمر الذي استدعى فتح تحقيق ضد الشرطة.

ويأتي التحقيق بموجب الشكوى التي تقدم بها مركز "عدالة "الحقوقي في قسم التحقيقات مع أفراد الشرطة في وزارة القضاء الإسرائيلية (ماحاش)، بناء على إفادات وشهادات حصل عليها المركز، والتي تؤكد أن من أصيبوا لم يكونوا في مواجهة مع الشرطة وكانوا على مسافة بعيدة من عناصرها ولا علاقة لهم من قريب أو بعيد بعملية الاعتقال المذكورة.


وقال زهير عباس أحد المصابين وهو مراقب حسابات في كفر كنا في حديث لـ"عرب 48" إنه "كنت نائما في منزلي القريب من مسجد عمر بن الخطاب، واستيقظت مفزوعا إثر دوي القنابل في الحي، ما دفعني للخروج لاستيضاح ما يدور في الحي مثلي كالعشرات من محبي الاستطلاع الذين هرعوا لسماعهم دوي القنابل الصوتية".

وأضاف "فهمت أن قوات من الشرطة وصلت إلى البلدة لتنفيذ عملية اعتقال، عندها تراجعت إلى الوراء ووقفت بجانب جدار منزلي وعندما بدأت الشرطة بتكثيف استخدام وسائل التفريق رأيت شبانا يصابون وينزفون من حولي، وفي تلك اللحظة شعرت بإصابة في بطني لا أعلم ماهيتها، إذ اعتقدت أنها بفعل الارتجاج الذي أحدثته قنابل الصوت، لكن أحد المسعفين لفت انتباهي بوجود دم على قميصي وقال لي إنه من المفضل أن أضع الثلج مكان الإصابة".

زهير عباس

وتابع "لم يخطر ببالي إطلاقا أنني أصبت برصاص حي، وبقيت في الموقع أستدعي المسعفين لمساعدة المصابين، ثم استخدمت الشرطة قنابل الغاز لتفريق التجمهر، وبعد نحو ساعتين انتهى كل شيء وبدأت أعاني من آلام شديدة في ساعات الليل واضطررت لتناول مسكنات للأوجاع، وحين استيقظت صباح اليوم التالي توجهت إلى عيادة الطبيب الذي وجهني بدوره إلى المستشفى إذ أظهرت صور الأشعة التي أجريتها بأن رصاصة اخترقت بطني واستقرت في جوفي، واضطر الأطباء لإجراء عملية جراحية لي ومعالجة أثر الرصاصة التي سببت لي تمزقا في الأمعاء إلا أن الرصاصة بقيت في جسدي نظرا لاستقرارها في مكان حساس".

واستذكر محمد خمايسي في حديث لـ"عرب 48" بالقول إنه "يسكن بجوار المقبرة على بعد نحو 200 متر من مسجد عمر بن الخطاب، وقد أفزعه دوي القنابل والصراخ ثاني أيام عيد الفطر، فخرج من منزله بحالة هلع بحثا عن ولديه الشابين".

وأضاف "سمعت دوي القنابل والصراخ فهرعت إلى الشارع وأنا أحمل هاتفي النقال وشرعت بالاتصال بولديْ أحدهما رد على هاتفه وطمأنني بأنه برفقة صديق له في مطعم، بينما لم يجب الآخر على هاتفه فواصلت الاتصال به مرة تلو الأخرى وأنا أتقدم ببطء نحو ساحة الأحداث، وحين رد ابني على هاتفه علمت أنه نائم في غرفته بالمنزل".

محمد خمايسي

وأكمل حديثه بالقول "في تلك الأثناء وقفت مع ابني عمي الذي يكبرني سنا بعدما التقيته صدفة في الشارع، وقررنا العودة معا إلى المنزل بعدما اطمأنت على ابنيْ، وهناك دعانا أحد الجيران للدخول إلى منزله حتى تهدأ حالة الاحتقان، وحينما دخلت منزل جاري وطلبت كأسا من الماء ووقفت عند الباب لأشعل سيجارة وإذ برصاصة تخترق كتفي وتسقطني أرضا وسط نزيف حاد".

ووصف خمايسي الهجمة البوليسية على القرية بأنها "غير مبررة على الإطلاق، وأنه كان بإمكان الشرطة استدعاء الشيخ كمال خطيب بهدوء، لأن الشيخ يرفض أن يدخل بلدته في متاهة من هذا النوع كادت أن تكون نتائجها وخيمة لولا تحلي أهل كفر كنا بالمسؤولية".

ورأى رئيس مجلس محلي كفر كنا في حينه، د. يوسف عواودة، في حديث لـ"عرب 48" أن "هذه الهجمة ستدون في تاريخ كفر كنا، مرجحا بأن يكون الهدف منها هو رد الاعتبار للشرطة التي فقدت هيبتها عندما عجزت عن السيطرة على الأحداث، وعبرة للبلدات الأخرى، سيما وأن كفر كنا فوتت الفرصة على المتربصين بها".

وسرد عواودة ما حدث بالقول إن "قوات مدججة بمختلف الوسائل القتالية اقتحمت كفر كنا، ما يؤكد بأن هدف هذه القوات والوحدات الخاصة جاءت لتنفيذ مهمة أكبر من اعتقال فضيلة الشيخ كمال خطيب، إذ دخلت إلى أكثر النقاط اكتظاظا وسط البلدة وكان من المتوقع جدا أن يتجمهر الناس في غضون دقائق عندما شاهدوا هذه القوات المدججة والغريبة، والأمر لم يتوقف عند ذلك الحد فالجميع شاهد عملية الاعتقال ووضع الشيخ في سيارة الشرطة، لكن القوات بقيت في المكان ساعة ونصف بعد اعتقال الشيخ، ما يؤكد أن هذه القوات لم تكن تنوي فقط اعتقال الشيخ والمغادرة، وإنما ارتكاب ما هو أكبر من ذلك وهذا ما تجلى من خلال تصرفاتها بعد عملية الاعتقال، حيث استمرت في إطلاق الرصاص من أنواع وأعيرة جديدة ومتنوعة من الرصاص الحي والمطاطي باتجاه المواطنين، والإصابات والمستشفيات أكدت أن الحديث عن أنواع جديدة من الرصاص التي اخترقت الأرجل وبقدر الله لم يرتق أي شهيد بيننا".

د. يوسف عواودة

وحمل عواودة رئيس الوزراء آنذاك، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن الداخلي، أمير أوحانا، المسؤولية عن اقتحام البلدة لاعتقال شخصية قيادية فيها وترويع المواطنين وإطلاق الرصاص عليهم، وكأنهم ليسوا مواطنين وليس لهم حقوق فما كان يشبه المجزرة ولا يشبه عملية اعتقال".

وحول تهديده بالقتل من قبل شرطي حينها، ذكر عواودة "وصلت بعد بداية الأحداث بنحو ربع ساعة بعدما تلقيت اتصالات حول حدث غير عادي في محيط مسجد عمر بن الخطاب، وحين تعذر علي الوصول بسيارتي بسبب الازدحام قمت بالترجل منها وسردت على قدمي وتقدمت إلى أقرب نقطة من قيادة العمليات، وتواصلت كرئيس للسلطة المحلية مع قيادة الشرطة وطلبت منهم مغادرة المكان بهدوء بعدما اعتقلوا الشيخ كمال خطيب، لكنهم قالوا لي حينها أنه ليس لديهم أوامر بالانسحاب وأنهم يفحصون كيفية الخروج، كذلك توجهت إلى عناصر الشرطة في الميدان وطلبت منهم المغادرة، عندها تلقيت تهديدا مباشرا من شرطي قناص ملثم بحوزته سلاح قناص ورقم 28 على زيه العسكري، إذ طالبني بشكل فظ مغادرة المكان وإلا فإنه سيضع رصاصة في رأسي كما قال".

وتساءل "إذا كان هذا التعامل مع رئيس سلطة محلية فكم بالحري مع سائر المواطنين؟ فهذا يؤكد العقلية الأمنية التي تتعامل فيها الدولة مع المواطنين العرب بدء من قياداتها السياسية ووصولا إلى أصغر شرطي. الأحداث أسفرت عن عشرات المصابين إذ لم يسترد قسم ليس بقليل منهم عافيته حتى الآن، وهناك شبه إعاقات لمواطنين حتى بعد مرور أكثر من شهرين على الحادثة وهم يعتمدون على عكاكيز للتحرك والمشي، ناهيك عن إصابات بالصدر والبطن والوجه؛ أليست هذه محاولات قتل؟ نحن وجدنا في الميدان مئات العبوات الفارغة من مختلف أنواع الرصاص والأعيرة النارية وقمنا بعرضها منذ اللحظة الأولى في مؤتمر صحافي عقدناه في بناية المجلس المحلي".

وأكد "ما حصل مجزرة بكامل فصولها لكن قدر الله حال دون ارتقاء شهداء، وأنا كوني شغلت منصب رئيس سلطة محلية أقول إنه يجب متابعة هذا الملف وملاحقة من أعطى الأوامر لهذه القوات باقتحام البلدة في ساعات النهار، وفي يوم عيد من أجل اعتقال الشيخ كمال خطيب بهذه الطريقة؛ وعلى ما اتخذ هذا القرار تحمل المسؤولية على كل ما حدث".

ومما يذكر أنه بعد أيام على الأحداث جرى استدعاء د. يوسف عواودة للتحقيق من قبل جهاز الأمن العام (الشاباك) حول هذه الأحداث ومساءلته حول تصريحات أخرى صدرت عنه.

التعليقات