19/03/2008 - 10:04

التصعيد في الهجوم على "القيادات" العربية../سعيد نفّاع

-

التصعيد في الهجوم على
ربما وجدت نفسي مستعيرا من عالم الهندسة المستوية اصطلاحات ضمنتها عنوان مقالتي هذه، لأني اكتبها وأنا أعيش وغيري من جيلي في المنطقة منذ أيام فقدان معلمنا في الهندسة المستوية الاستاذ نافذ حنّا طيّب الذكر والثرى، فالمعلم دائما يبقي شيئا منه في طلابه. ولاعتقادي أن الصطلاحات هذه ستفي بما أبغيه من مقالتي هذه، فالمطلوب منّا هو فهم المفروض وعندها يمكن أن ننطلق للمطلوب المفضي إلى الحل.

التصعيد الذي نشهده في الأيام الأخيرة على العرب بشكل عام و"قياداتهم" بشكل خاص، علت وتيرته على خلفية الحرب على غزة ونتائجها وبالذات الرد في كليّة المتدينين "مركاز هراب". طبيعي أن يتخذ هذا التصعيد الكنيست ساحة له وأهدافه الأعضاء العرب، فهي خط المواجهة المباشر بين ما يمثله النواب العرب "على" اختلاف قناعاتهم وتوجهاتهم وما يمثله النواب والوزراء اليهود "رغم" اختلاف قناعاتهم وتوجهاتهم.

رغم أن الهجوم الأخير والذي شهدته الجلسات الأخيرة من تهديدات، تارة بطرد النواب العرب من الكنيست وتارة بطرد العرب من البلاد كليّة، إلا أن القضية ليست في الكنيست إنما في مكان آخر سأجيء عليه. ففي الهيئة العامة للكنيست الهجوم في غالبية الأحيان يتخذ الشكل الشعبويّ ولا نتجنى إن قلنا أنه في بعض جوانبه وعند بعض شخوصه ثمرة "تفاهمات" جانبية صريحة أو غير صريحة، اعتقادا من هذا البعض ومن الطرفين أن في ذلك رفع أسهم ميدانيّة.

عينيا، ترى أحيانا "طوشات" برلمانيّة لا على شيء، لا الموضوع المطروح يحتمها ولا الاستفزاز العينيّ يحتمها، فتراها مصطنعة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى حينا، بل و"مدبّرة" غذاء للصحفيين "الصُّفر" حينا يتقاذفونها لاحقا، فتضيع القضايا الأساس من خلال الشتائم المتبادلة، وما من شك أن في المعسكرين من هم أهل لمثل هذه "الطوشات".
يمكن للمراقب أن يتفهم بعض الحالات ويتفهم أن الأفراد يختلفون في ردّات أفعالهم على القول الاستفزازي، ولكن يجد نفسه يتساءل في الكثير من الحالات لماذا يُستفز البعض ليعود ويقول لك أن هذا العضو المأفون يريد "سكوب"! إذا لماذا تعطيه إياه؟ . ولكن هذا يبقى في نطاق الطبيعي من الأمور، لكن ما لا يستقيمه فهمك هو أن ترى بعض"المتقاتلين" بعد لحظات يشربون القهوة وراء الكواليس ويتضاحكون ويربتون الواحد على كتف الآخر في وضع من التودد يحسدوا عليه!

هذا لا يقلل من خطورة الهجوم وفحواه خصوصا وأننا نعرف أن ليس كل المهاجِمين والهاجَمين من نفس الصنف، وأن وراء المهاجِمين آلافا من الناس اليهود المعبئين كرها للعرب ويزيدهم ذلك كرها، ويمكن لمثل هذه "الوجبات" اليوميّة من التحريض أن تنقلهم من الإحساس بالكره إلى ترجمته ميدانيا باعتداءات جسديّة، ففي الحياة السياسيّة الإسرائيلية هنالك مثل ليس ببعيد بقتل رئيس الوزراء الأسبق يتسحاك رابين وهو اليهودي، على خلفيّة حملة تحريض منهجي، فكم بالحري إذا كان المحرّض عليهم النواب العرب وبقية القيادات العربيّة.

ومع هذا، المنصّة الأهم للتحريض هي في مكان آخر، هي في الزيارات التي يقوم بها وزراء الحكومة لقرانا وخصوصا ضيوفا على موائد الفطور الجماعي أيام رمضان فيستغلونها ليبثوا سمومهم على النواب العرب والقيادات العربيّة، وفي الكثير من الأحيان بحضور أناس لا يشرفهم التواجد على مثل تلك الموائد. والكلمة السحر هي: ماذا يعمل لكم النواب العرب فهم متلهّون بالقضايا السياسية تاركين قضاياكم !؟
ويحمل مفطّّروهم "الموعظة" ينشرونها بين الناس، ولسخرية الأقدار تنتشرانتشار النار في الهشيم، دون أن يكلف بعض السامعين أنفسهم عناء السؤال: لماذا هذا التحريض إذا كان فعلا النواب العرب لا يعملون شيئا، فالمفروض وبالمنطق البسيط أن يفرح ذلك "الضيوف" ففي ذلك علّة كل المصائب التي يصيبنا بها إولاء الضيوف وها هم براء منها!؟.
يبزّ أولاء كلهم الوزراء "ملوك العرب"، مثلما تنعتهم الصحافة العبريّة، الوزيران: فؤاد
( بنيامين بن إليعيزر) وجدعون (جدعون عزرا)، فهما المساعدان الوفيّان للعرب ترجمة لأسمائهما، فإليعيزر بالعربية : الله مساعد، وعزرا بالعربيّة: مساعدة!
وقد جاء على لسان بن إليعزر في ردّه على وثيقة سرّية حضّرها مكتبه حول وضع العرب في البلاد وكيفية التعامل معهم، كشفتها صحيفة هآرتس مؤخرا : " لقد أدّت سياستنا إلى إلقاء العرب في أحضان شلّة مفترسة، أقصد النواب العرب رغم أن العرب لا يتبعونهم بتطرفهم!"

هذا التهجم الأرعن ومن خلال محاولة الفصل بين القيادات العربيّة والقاعدة، هي ليست محض صدفة، هي منتوج ذهنيّة عنصرية يعتقد أصحابها والمؤسسة الموجهة أن العرب قابلين ل"التدجين"، لكن ما عطّل عليهم عمليّة التدجين هذه هم أؤلاء المفترسين من النواب العرب. لسان حال هذه المؤسسة ممثلةً بمن توجتهم ملوكا على العرب هو القول: "أننا يجب أن نوفر بعض الشعير المبلول للعرب ليشعروا بالشبع ونبعدهم عن شلّة المفترسين أولاء وعندها ينجح التدجين، وينجح أي مخطط مستقبليّ للتعامل مع هذا الخطأ التاريخيّ الذي ارتكبته الصهيونيّة من وجهة نظرهم ببقاء هذا الكم من العرب في البلاد".
إذا كان هذا هو المفروض (الموجود) فما هو المطلوب؟
أولا... الشراكة في التصدي، وهذا تشوبه في الكثير من الأحيان الشوائب ولحسابات لا ترقى ولا بأي حال من الأحوال لمستوى التحدّي. فالمؤتمر الذي عقد مؤخرا في أم الفحم وتحت كنف لجنة المتابعة وباسم اللجنة المنبثقة عنها "اللجنة الشعبية للدفاع عن الحريّات"، قاطعته بعض مركباتها الهامة: الجبهة الديموقراطيّة- الحزب الشيوعي، ولأن بيانا صدر عن اللجنة لم يجيء على ذكر نوابهم المحرّض عليهم، حسبما رشح. ما من شك أن هذا خطأ من اللجنة كان بالإمكان تلافيه، ولكن المقاطعة على خلفيّة مثل هكذا خلل، حتى لو كان مقصودا، لا ترقى إلى مستوى الموضوع المطروح .
ومن الجانب الآخر جاءت المشاركة الشعبيّة هزيلة عدديا، وغالبية المتحدثين تركوا المؤتمر بعد انتهاء كلماتهم أو جاءوا قبيل إلقاء مداخلاتهم، بحجة التزامات أخرى وكأن المؤتمر تقرر عقده قبل ساعات لم تمهلهم تنسيق أوقاتهم !.

ثانيا ... الخروج من حلقات مخاطبة بعضنا البعض، فلم يختلف إثنان من المتكلمين في اللقاء أو المؤتمر، رغم اختلاف المشارب، في توصيف الحال وتشخيصها، فلنخرج ولننقل جزء من خطابنا في المعركة، إلى الساحات الأمميّة وبالذات الأوروبيّة ودون تحفظ لا وطنيّ ولا قوميّ ولا دينيّ، ففي نقل كهذا مقضّ مضجع للمؤسسة الصهيونيّة، ولنا فيما فعله الأخوة اللبنانيون في محكمة المواطنين الضميريّة في بروكسل مؤخرا المثل، والمنصّات عديدة.

ثالثا وهذا هو الأهم... حقيقة هي ورغم كل الشعارات اللّمّاعة، أن غالبية أبناء شعبنا قابلة على نفسها أن تمارس وجودها الذي يحدق به الخطر بمجرّده وبشكله، أن تمارسه ضمن "المواطنة" والنقاش والاختلاف هما حول أيّة مواطنة، مواطنة الدولة اليهوديّة أما مواطنة دولة المواطنين وما يترتب على ذلك ومرافقة بحقوق شعبنا الفلسطيني الثابتة في الدولة المستقلة حدودها وعاصمتها، والعودة وشكلها ومكانها، هذا حتى لو عللّ البعض منّا النفس باعتراضيّة المشروع، إلى يوم يأتينا الفرج فيه من عند الله.
ما دامت هذه هي المشاريع، حتى لو عللّ البعض نفسه باعتراضيتها، فالسؤال الصعب والإجابة عليه هما المطلوب، وهو: كيف نمارس هذه "المواطنة" التي وافقنا عليها راضين أو مكرهين أو براجماتيين؟

إن الشراكة بين القوى المختلفة لتعزيز مواقعنا ومنها عضوية الكنيست هي ضرورة إن لم تحتمها الظروف حتى الآن بحكم النتيجة بابتعاد البعض منّا عنها أصلا أو مراجعة، فهي حتميّة مستقبليّة على ضوء تشخيصنا غير المختلف عليه للظروف الجديدة، إلا إذا كان توصيفنا وتشخيصنا إياها هو من باب الاجتهادات على المنصات وانتقاء الكلمات في منافسة بلاغيّة في دفاع عن وصدّ ما يتعرّض له النواب العرب وبقيّة القيادات من تحريض وخطر لا تروي عطش ولا تشبع جوع إن لم تقترن بفعل لاكتساب الموقع، وإلا فلماذا كل هذا التعب والدفاع عن موقع ليس بمهم ولا يريده البعض أصلا؟.

نحن نشارك الدولة في غالبيّة المستحقات، فنحن ندفع ضرائبنا ونقبض مخصصات تأميننا وتأمين أولادنا، ونشارك في انتخاب أذرعها المحليّة، السلطات المحليّة، ووو... نشارك حقيقة وواقعا لن تغطيهما كل الاجتهادات والشعارات رغم شرعيتها. فلماذا لم يبق عند البعض، إثبات وطريق لاعتراضهما على المشروع الصهيوني إلا مشروع عدم المشاركة في الانتخابات القطريّة، رغم أن هذا الأمر من ناحيّة المبدأ ليس خطأ في الظرف والوقت المحتمان وهذان غير قائمين على الأقل آنيا.

إذا ليست كل المشاريع الأخرى، حتى مشروع دولة المواطنين، هي مسخ حتى لو لم تكن اعتراضية، وأكثر من ذلك ليس التعاطي مع جزء من القائم خطيئة حتى لو كان في نظر المتعاطين اعتراضيا . وفي كل الحالات يستطيع المرء أن يفهم ويتفهم أن الفعل في كل مواقع الكيان أي كيان هو مشروع، ولكن ما لا ما لا يستطيعه، وليس التوك في استطاعته، أن يفهم أو يتفهم أن عدم الفعل هو مشروع خصوصا إذا كان عدم الفعل هذا انتقائيا.

الظرف التاريخيّ محليا ومناطقيا وعالميأ وعلى ضوء ما تقدّم، يحتّم مراجعة للخطوات الواجب اتخاذها. فعلى ما يبدو وهذا ما تثبته المنصّات أننا قد راجعنا التشخيص واتفقنا عليه فهما للمفروض، وهذا يحتم (بأى بالمصري) الانطلاق في مراجعة طرق وخطط الهجوم على المواقع "القيادة" ليس بانتقاء المحليّة والعزوف عن القطريّة، وبشراكة بين تيارات ومشاركة كثيفة من رديفها ورافدها،الناس، وضمن ثوابت لا نختلف على غالبيتها حفاظا على هويتنا الوطنية والقوميّة والإيمانيّة، وهذا هو المطلوب وفي هذا بعض الحل. ولنفعلها ولو من باب: ما لا يريده عدوّك لك هو على الغالب في صالحه ويجب أن تريده، هذه قاعدة يمارسها عدونا على أكمل وجه وربّما في هذا يجب أن نتعلم منه.









التعليقات