18/02/2009 - 15:59

نحن وعرب 48 واليهود العرب../ إبراهيم الأمين

نحن وعرب 48 واليهود العرب../ إبراهيم الأمين
من زمان بعيد، كان العرب من خارج فلسطين، يحاذرون الاتصال الفعلي بمن صمد من أهل فلسطين وبمن لم يهجر أرضه هناك وظلّ في بيته ورزقه وصار اسمه «عرب 48».

ومن دون خجل أو ادّعاء، لطالما تنادى عرب ومناضلون إلى التعامل مع هؤلاء بطريقة قليلة الاحترام. قيل إنهم قبلوا بالأمر الواقع وإن الأسرلة أخذت منهم هويّتهم وصاروا إسرائيليين أو مقرّين لإسرائيل بحكم فلسطين. وقيل إنهم عملاء باعوا بقية شعبهم ولم يقاوموا كفايةً وصاروا خنوعين، واندمجوا في المؤسسات كلها، وقبلوا أن يكونوا أعضاءً في البرلمان وأن يحملوا جواز سفر صادراً عن دولة إسرائيل... إلخ.

لكن العالم العربي كان يقبل منهم أدباء أو شعراء أو مثقفين، وكلما توسّع الاحتلال ازداد الاعتراف بهم، حتى إنّ قيادات كثيرة في منظمة التحرير الفلسطينية وفي أحزاب عربية أخرى، وفي حكومات أيضاً، كانت تنتظر أن يتحول الشعب الفلسطيني برمّته إلى شعب محتل، لكي يصار إلى الإقرار بحقّ هؤلاء على أمتهم، وهم الذين لو أنفقت على مدارسهم وجامعاتهم وأنديتهم وملاعبهم نصف ما أنفق على تشبيحات منظمة التحرير، لكانت الثقافة العربية بين هؤلاء أقوى بكثير مما هي عليه اليوم، ولنجحوا في بناء اقتصاد مستقل نسبياً، يقيهم شرّ التعامل مع المؤسسات الصهيونية الحاكمة.

ولو منحوا جوازات سفر من أي دولة عربية أخرى، لما اضطرّوا إلى حمل الجواز الإسرائيلي أو البطاقة الزرقاء، ولكان من تعامل منهم مع الاحتلال معزولاً بصورة جدية وكاملة عن بيئته. لكن عقلنا المتخلف جعلنا نطلب من هؤلاء أن يبرهنوا لنا أنهم ما زالوا أبناء الأرض نفسها، وكان عليهم هم حق الاختبار لأنهم صمدوا وتحمّلوا القهر ولم يغادروا، بينما كنا جميعاً من عقود ستة إلى اليوم، نحن من يجب أن نتحمل المسؤولية ونجيب عن سؤالهم اليومي: أينكم منّا يا إخوة؟

لم يبقَ الوضع على ما هو عليه. فأبناء حيفا ويافا وصفد والجليل وأمّ الفحم كانوا يذكّروننا كل يوم بعروبتهم وفلسطينيّتهم. وإذا كان العرب قد تصرّفوا باستغراب مع الانتفاضة الدموية للأبناء هناك تضامناً مع انتفاضة الأقصى وسقوط شهداء منهم، فإن العدو كان أكثر احتراماً لهم عندما تأكد من هويتهم الحقيقية ولو باستغراب من ظنّ أن احتلال خمسة عقود وتغيير أجيال بأجيال لم ينتج شباناً تحت العشرين من عمرهم يركضون ويلقون الحجارة ويهتفون كأنهم أبناء الضفة وغزة...

ثم صرنا نرفع لهم التحية ونسأل عنهم، ولكن بيننا نحن العرب وبين قيادات فلسطين من أصرّ على علاقة غير صحيّة مع هؤلاء، مثل الذي يقوم به محمود عباس منذ عقود عدة إلى اليوم، حيث يظن أنه يبني حزباً له بين هؤلاء، وأنه مستعد لرشوة شيوعيين من هنا وانتهازيين من هناك وأشباه رجال من مكان ثالث، بقصد القول لإسرائيل إن بمقدوري مساعدتكم على احتواء هؤلاء، وهو وضع على رأس اهتماماته أخيراً، أن يساعد إسرائيل على إنهاء ظاهرة عزمي بشارة وحزب التجمّع، وصرف أبو مازن ملايين الدولارات على منافسيه الانتخابيين ووسائل إعلامهم قاصداً تقديم خدمة لإسرائيل التي ما أطاقت صوتاً عربياً فلسطينياً كعزمي، يقاتلها في داره لا في دارها.

ولمّا أبعدته ظنّت أنها سوف تنهي حزبه أو تنهيه هو، فكانت الحملة على رفاقه في الانتخابات الأخيرة لأنهم أظهروا تماسكاً وقدرة على التفاعل، وكانت أيضاً محاولة معاقبة عزمي الذي كان خلال حرب غزة جزءاً من المقاومة الفاعلة، وهو الذي تولّى يومياً دوراً تحليلياً فاعلاً وتعبوياً يوازي فرقة في المقاومة المسلحة.

غير أن كل ذلك لا يلغي حقيقة أن بين أبناء فلسطين التاريخية، أو من يقطنونها الآن، أشخاصاً من الديانة اليهودية، لكنهم يريدون استعادة هويتهم العربية، قراءة وكتابة ومحادثة وتفكيراً، وحتى العودة إلى بناء شخصية تتناقض كلياً مع الشخصية الإسرائيلية، وهم الذين صاروا الآن في موقع الرافض للنظام الصهيوني الحاكم في إسرائيل، وغالبيتهم أقرب إلى فكرة الدولة الواحدة التي تسمّى فلسطين وتكون هويتها عربية لا غربية، وفيها تنوّع ديني وطائفي ولا تحكمها منظمات عنصرية.
"الأخبار"

التعليقات