14/03/2009 - 11:02

النفط العربي: لو يَنْـضب../ د.أسعد أبو خليل*

النفط العربي: لو يَنْـضب../ د.أسعد أبو خليل*
لو نضب النفط العربي لتغيّر الكثير الكثير في عالمنا العربي. لو نضب النفط، لما تقاطرت جموع الرجال زرافاتٍ زرافات إلى مهرجان الجنادريّة الفاقع الذكوريّة مُسبغين المديح والألقاب على ملك يصعب عليه النطق العربي السليم. لو نضب النفط، لما كان الداعية القومي العربي، معن بشّور، ليتجشّم عناء السفر كي يساهم في تعظيم حكمٍ امتهن محاربة القوميّة وتعزيز القطريّة والعشائريّة والقبليّة والشلليّة. لو نضب النفط، لما حضر مهرجان الجنادريّة إلا عبد الله وبنوه ـ مُرغمين. لو نضب النفط، لتحوّلت هيئة كبار العلماء في المملكة إلى أضحوكة تلفزيونيّة ومدعاة للتشنيع وهدفاً لأدعياء التنوير الحقيقي ـ لا التنويريّين الزائفين القابعين في حاشية هذا الأمير وذاك. لو نضب النفط العربي لتكرّست خطب الجوامع الشيعيّة والسنيّة على حدّ سواء للتنديد بعقيدة التزمّت والتعصّب والانغلاق وعداء المرأة الآتية من السعودية بمال وفير. لو نضب النفط، لما استطاع المتطرّفون الظلاميّون ان ينطقوا باسم الإسلام أبداً وأن يقمعوا الحلم والتسامح والإخاء البشري (الصحيح). لو نضب، لعاد إلى مكّة والمدينة رونقهما وبريقهما التاريخي ولعاد إليهما الجدل والنقاش والمناظرة. لعاد الشعر والنثر بكل أنواعهما إلى مواسم الحج كما كان الأمر قبل إطلالة محمد بن عبد الوهاب. لو نضب النفط، لنطق رجال الدين بالحق ولدانوا عقائد التعصّب المدعومة بمال النفط. لو نضب النفط العربي، لما تحدّثنا إطلاقاً عن الحقبة السعوديّة ــ الأولى أو الثانية، ولما اعتمدت سياسات الغرب المُستعمِر على حكم آل سعود. لتغيّر الكثير في العالم العربي، ولتوقّف الإعلام عن مناداة ملك السعوديّة بلقب «خادم الحرمين». خادم الحرميْن؟ ومن قال ذلك وبأي حق؟ وكيف يخدم الحرميْن؟ وماذا عن خدماته للمصالح الأميركيّة والإسرائيليّة؟ ألا تستحق لقباً خاصاً هي أيضاً؟ لو نضب النفط، لأطلقوا على ملك السعوديّة صفة خادم التمور والعطور ــ لا أكثر، هذا إذا استمرّت الملكيّة التي لا تعتاش إلا على عائدات النفط. لو نضب النفط العربي، لقادت نساء السعوديّة السيارات والحافلات والعربات سافرات أو مُحجّبات أو مُنقّبات ــ إن أردنا. لو نضب النفط، لخرجت نساء السعودية من سجونهن الزوجيّة إلى رحاب المجتمع والحريّة.

لو نضب النفط العربي، لما كان تاريخنا المعاصر كما هو. لو نضب النفط باكراً، لما انغمس الجيش المصري وأُنهك في حرب اليمن المُدمّرة. لو نضب النفط باكراً، لكانت المشيخات والإمارات والسلطنات والممالك المرسومة بقلم المُستعمِر جمهوريّات. لو نضب النفط، لما تلوّثت الثورة الفلسطينيّة بكل تنظيماتها بمال النفط، ولما استطاع ياسر عرفات وأبو السعيد أن يفرضا منطق أنظمة الخليج العربي الرجعي على الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة وفق رؤية كل الإدارات الأميركيّة المتعاقبة. لو نضب النفط العربي، لأشعل ثوار العرب في الستينيات المنطقة العربيّة وجعلوها تميد تحت أقدام الفدائيّين ــ لا المُنتفعين المُتكسِّبين. لو نضب النفط، لانتصرت ثورة ظفار وأقامت حكماً أقل تسلّطاً من حكم قابوس أو والده الذي حكم على طريقة الحاكم بأمر الله (وبتلك الغرابة في الأطوار، كما كتب عنها فريد هاليداي في كتابه القيِّم «الجزيرة من دون سلاطين»). لو نضب النفط، لانتعش النظام الماركسي في جنوب اليمن وعمّ أنحاء الجزيرة ونشر فكر التقدّم والتحرّر.

لو نضب النفط العربي اليوم أو غداً، فسيتغيّر الكثير في عالمنا العربي ويظهر النفاق على حقيقته. لو نضب النفط، لتوقّف شاكر النابلسي عن مديح شعر خالد الفيصل ولتوقّف جهاد فاضل عن مديح شعر عبد العزيز الخوجة ولتوقّف سمير عطا الله عن مديح الأمير مُقرن بن عبد العزيز ولتوقّف جهاد الخازن عن تقريظ كل أمير عربي يمرّ في لندن أو نيويورك. لو نضب النفط، لما غنّت أم كلثوم لعبد الله الفيصل، ولما غنى آخرون شعر مانع سعيد العتيبة. لو نضب النفط، لما أجاز العالم العربي للوليد بن طلال ــ المُستثمر في شركة «نيوز كور» التي تملك شبكة «فوكس نيوز» المُتخصِّصة في كراهية العرب والإسلام ــ أن يُقرِّر عنا الذوق الفني والموسيقي. لو نضب النفط، لزال من إعلامنا الابتذال السوقي المُهين للمرأة والتعصّب الديني الوهّابي. لو نضب النفط العربي، لانكشف الإعلام العربي وتوقّف التمويل عن «الفيديو كليب» الرخيص والسخيف. لو نضب النفط ـ من يدري؟ لكتب سمير عطا الله مذكرات عن مساوئ أمراء آل سعود وفضائحهم.

لو نضب النفط العربي، لتكشّفت الليبراليّة العربيّة. لو نضب النفط، لطلع الليبراليّون العرب يصرخون مهتاجين داعين إلى إسقاط أنظمة الخليج برمّتها. لو نضب النفط، لقال الليبراليّون (والليبراليّات) إن العائق الأكبر أمام حريّة الفرد استمرار أنظمة القهر النفطيّة، وخصوصاً في السعودية. لو نضب النفط، لقال هؤلاء آراءهم صراحة ولامتلأت الصحف العربيّة بأخبار صفقات أولاد سلطان بن عبد العزيز ورشاواهم التي تملأ الصحف الغربيّة. لو نضب النفط، لقال الكتّاب اللبنانيّون آراءهم صراحة في «محاضرات» خالد بن سلطان في الكليّات العسكريّة ــ هذا الذي سخر منه كل من تعامل معه في حرب الخليج الأولى، والذي استأجر خدمات باتريك سيل ليكتب له سيرته، كما كتب سيرة ــ غير نقديّة ــ لحافظ الأسد. لو نضب النفط، لكتب ليبراليّو العرب مجلّدات عن وسائل تعذيب الأمير نايف بن عبد العزيز، ولكُتب الكثير عن مجون الملك فهد. لو نضب النفط، لاختفى التملّق الذي يهطل من أقلام الصحافة اللبنانيّة. لو نضب النفط، فهل كان إبراهيم العريس يقول إن مبادرة عبد الله بن عبد العزيز في حوار شمعون بيريز أعظم مبادرة في «تاريخ البشريّة»؟ لو نضب النفط، فهل كان هناك من يوافق على «مبادرة الأمير عبد الله» الذي تسلّمها من توماس فريدمان الصهيوني؟ صهيوني يؤلّف مبادرة للعرب، ويتبنّاها ملك عربي ويفرضها على كل أنظمة العرب! لو نضب النفط لهتف الجمع الصحافي العربي بضرورة إسقاط أنظمة من مخلّفات استعمار الغرب وبعلائم من القرون الوسطى. لو نضب النفط العربي، لاكتشف ليبراليّو الوهابيّة أن التسلّط في الحكم هو سمة لكل الأنظمة العربيّة وليس فقط في ليبيا والسودان وسوريا ــ أي خصوم آل سعود وحدهم. لو نضب النفط، لوقع حازم صاغية في حيرة من أمره، وهو الذي نظّر أخيراً لنسق وهّابي من الديموقراطيّة قائلاً إن الانتخابات الحرّة ليست ضروريّة إذا أنتجت أعداءً لإسرائيل وآل سعود. لو نضب النفط، للاحظ ليبراليّو الوهابيّة وكَتَبة التملّق أن رجم العشاق وقطع الرؤوس لا يتفقان مع الحريّات الفرديّة وحقوق الإنسان.
لو نضب النفط العربي، لظهرت مواهب سعوديّة في الموسيقى والرقص ـ وهو غير رقصة العرضة الذكوريّة ـ والسينما والمسرح. لو نضب النفط، لظهر المرح في السعودية ورأس الخيمة وعمان، ولملأت الزينة عجمان والفجيرة.

لو نضب النفط، لتغيّرت سياسات الدول الغربيّة قاطبة ولعُقدت الندوات وجلسات الاستماع في الكونغرس للنظر في وضع حقوق الإنسان الزريّة في المملكة. لو نضب النفط، لخلت بنوك الغرب من ثروات العرب التي تمدّ بعض الاقتصادات بالدعم للاستمرار في مدّ إسرائيل بالسلاح والمال لتقتل أطفالنا ونساءنا وشيوخنا. لو نضب النفط، لما رقص بوش وشيراك مع شيوخ النفط. لو نضب النفط، لما دُبّجت قصائد في مديح التمر والقيظ، ولما وُضعت خطط للاستيلاء على كثبان الرمل في الجزيرة. لو نضب النفط العربي، لعقد مجلس الأمن جلسات خاصة للنظر في طبيعة النظام الظالم في السعودية، ولقرّرت المحكمة الجنائيّة الدوليّة جرّ ملوك آل سعود إلى المحكمة بتهم قهر الرجال والنساء والأطفال. لو نضب النفط، لنظرت منظمات حقوق الإنسان في أمر العبيد والجواري في قصور آل سعود وآل شخبوط. لو نضب النفط، لما رأينا تقاطر رجال أعمال ومثقفين وصحافيّين من الشرق والغرب للتبرّك من أمراء النفط.

لو نضب النفط العربي، لتحوّلت الوهابية إلى فرقة صغيرة من الفرق المتزمّتة على هامش الدين ـ كل دين. لو نضب النفط لتطوّر الاجتهاد (الذي لم يُغلق بابه إطلاقاً عند السنّة كما أظهر وائل حلاّق في دراساته التاريخية الرصينة) وتيسّر أمر المؤمنين والمؤمنات. لو نضب النفط لما زخرت المجلّات بصور البذخ البذيء لأمراء الخليج، ولزال الطلب على الطلاء بالذهب. لو نضب النفط العربي، لما كان في وسع مؤسّسة القذافي أن تُعلن عن نفسها، ولكان «الكتاب الأخضر» مغناطيساً للغبار ــ فقط. لو نضب النفط العربي لما أشاد أحد بحكمة ملك السعوديّة ولما نال جلالته جوائز من المتملّقين شرقاً وغرباً. لو نضب النفط العربي لكان نفوذ آل سعود وآل شخبوط يوازي نفوذ حكومة جيبوتي ـ أو أقل. لو نضب النفط، لما توقّف أي من المسؤولين الغربيّين في الرياض أثناء رحلاتهم المكّوكيّة. لو نضب النفط، لرفضت المؤسّسات والمنتديات الدوليّة قبول عضويّة السعودية لخروقها الفظيعة لحقوق الإنسان. لظهرت صور أمراء آل سعود في قوائم المطلوبين ـ لو نضب النفط.

ولو نضب النفط العربي لتنشقت نساء العرب نسيم الحريّة ولتخلّصنَ من فتاوى القهر والظلم والجوْر. لمشت نساء العرب من دون خوف أو وجل ولما تجرّأت شرطة الأمر بالمعروف على مضايقتهن في الشوارع والساحات. لو نضب النفط لما اعتُبر العشق والغزل حراماً، ولما رُجم العشّاق أبداً. لو نضب النفط، لمشت المرأة يداً بيد مع الرجل، لا خلفه مطأطئة رأسها. لو نضب النفط، لسُمح للمرأة بالسفر حرّة دون إذن من رجل، مهما كانت صلته بالمرأة المعنيّة. لزالت بذور الفتنة التي تموِّلها أموال النفط. لو نضب النفط، لما تقاطر رجال لبنان ونساؤه إلى دول النفط للمنافسة في التملّق المُهين. لو نضب النفط، لما صدرت كل تلك الكتب في مديح الشعر النبطي ولما هرع المسؤولون في الدول العربيّة إلى المطار كلما وفد أمير من السعوديّة ــ مهما صغرت سنّه. لو نضب النفط، لما أدار الأمير سلطان بن فهد نادياً رياضيّاً واحداً ولما تبوّأ «عزوز» ــ المُرشد الروحي لسعد الحريري ـ منصباً حكوميّاً واحداً هذا الذي عانى هوساً بالممثّلة «ياسمين بليث» الأميركيّة على ما تروي هي ساخرة منه. لو نضب النفط لما استفاض رجال أعمال غربيّون وشرقيّون في الثناء على حكمة أولاد راشد وأولاد زايد. لو نضب النفط، لما سعى أحد وراء جوائز مُسمّاة على أسماء شيوخ النفط الذين لا علاقة لهم بالمعرفة والعلم.

ولو نضب النفط العربي، لتشكل النظام العربي على أسس جديدة ولما كانت الانتخابات على قلّتها في عالمنا مُتأثّرة إلى هذا الحدّ بمال النفط. لو نضب النفط العربي، لما وجد محمد دحلان فرص الـ«بيزنس» في دولة الإمارات وفي مونتغري. لو نضب النفط، لكانت الجامعة العربيّة غير أسيرة لأهواء شيوخ الزيت الأسود وملوكه. لو نضب النفط لما كانت الولايات المتحدّة قادرة على هذا الإنفاق الهائل ضد الشيوعية والتنوير هناك في السبعينيات والثمانينيات، ولما كان الأمير تركي قد أنشأ جيشاً عالميّاً من المتعصّبين المتطرّفين. لو نضب النفط، لكان الأزهر مُعبّراً عن التنوّع واليسر في الدين، لا عن التزمت والشعوذة والارتهان السياسي، ولما كان شيخ الأزهر قد كرّم شمعون بيريز. لو نضب النفط، لما أشادت ستريدا جعجع بـ«حكمة» أمير الكويت و«عمقه»، وهو الذي تعامل مع غزو العراق للكويت بالدموع والصراخ. لو نضب النفط العربي، لكان كتاب «مدن الملح» مُقرّراً في كل المناهج في الدول العربيّة ولتعلّم طلاب العرب عن عبد الرحمن منيف. لو نضب النفط العربي، لتحوّلت قضيّة اختطاف ناصر السعيد وقتله إلى قضيّة عالميّة مثل قضيّة اختطاف المهدي بن بركة. لو نضب النفط، لانتفت تلك الألقاب مثل سلطان وملك وشيخ وأمير وولي عهد وخادم الحرمين من قاموس المخاطبة.

لو نضب النفط العربي، لما تحوّلت منظمة «أوبك» إلى أداة لخدمة المصالح الاقتصاديّة والسياسيّة للغرب المُستعمِر. لما فختوا آذاننا بحديث «سلاح النفط» الذي لم يكن يوماً إلا أداة بيد الولايات المتحدّة تستعملها في خدمة إسرائيل. «سلاح النفط»؟ تلك الكذبة عن أيام من إعلان مطنطن عام 1973 فيما كانت أنظمة النفط تبيع في الأسواق الفوريّة ما تحتاج إليه أميركا وحلفاؤها. لو نضب النفط، لتشكّلت لجنة عربيّة من المثقفين والكتاب والصحافيّين لمقارعة خطر التعصّب والتزمّت الوهّابي.

لو نضب النفط العربي لنمت أفكار العلمانيّة وتطوّرت وانتشرت. لو نضب النفط، لتحقّقت ثورات وحركات يساريّة ونقابيّة. لو نضب النفط، لتحرّر العمّال الآسيويّون في دول الخليج. لو نضب النفط، لاختفت الساعات الذهبيّة والماسيّة عن معاصم الكثير من الصحافيّين اللبنانيّين. لو نضب النفط، لزادت معرفة الطلاب العرب في العلوم والإنسانيّات والفنون.

لو نضب النفط، لدرسنا كتابات ابن تيميّة وابن قيم الجوزيّة على حقيقتها من دون «تكرير» وهّابي. لو نضب النفط العربي، لتحوّلت الصحافة العربيّة إلى وسائل إعلام أكثر حريّة وخالية من أخبار الأمراء والملوك وعبقريّاتهم. لو نضب النفط، لاختفى الإعلام «العربي» من لندن وعاد إلى بلاده جارّاً أذيال الخيبة. لو نضب النفط العربي لتحرّرت الفضائيّات العربيّة من سيطرة آل سعود التي تفرض إما سوقيّة إباحيّة مُسلِّعة للمرأة أو تعصّباً دينيّاً.

لو نضب النفط العربي، لتذكّر الإعلام العربي والثقافة العربيّة الفقراء في منطقتنا، ولكانت أخبارهم ومعاناتهم تملأ الأسماع والمكان. لكنّا نتنافس في تقديم برامج الرعاية الاجتماعية ومحاربة الفقر، ولما كان الانضمام إلى منظمة التجارة العالميّة هدفاً يفوق في أولويّته تحرير فلسطين. لو نضب النفط العربي لأعدنا تكوين الثقافة والسياسة في العالم العربي، وزالت «ثقافة النفط» التي روّجت لعبادة الرجل الأوروبي الأبيض ولتسليع النساء وللتجارة بالبنات والغلمان وللتراتبيّة الطبقيّة ولاحتقار الفقراء والمساكين ولتعظيم تعدّد الزوجات ولفرض المنع والحظر والقيود على الناس وإباحتها للأسر الحاكمة ولخدمة الاستعمار الغربي ولمنع النقاش والمناظرة ولتضييق الحدود في التفسير والتعليم. لو نضب النفط العربي، لانتعش النشاط الفني في كل أرجاء العالم العربي ولزال الكثير من الممنوعات. لو نضب النفط العربي، لانقرضت مفاهيم الوراثة في المناصب والحكم بناءً على روابط الدم. لو نضب النفط، لزالت الحدود والجدران بين الكثير من المشيخات والإمارات النفطيّة.

لو نضب النفط العربي فماذا سيحلّ بالكثير من النوادي والمواخير والملاهي في الغرب التي لم يكن لها أن تستمرّ في العمل لسنوات ولعقود لولا المال النفطي العربي. وهل كان نادي «البلاي بوي» في لندن إلا ملعباً لشيوخ النفط العربي وأمرائه، إلى درجة أنه عيّن عربيّاً (لبنانيّاً طبعاً) للإشراف على (والتخصّص في) شأن الملذّات الملكيّة العربيّة ـ وكان هذا الرجل موضع احترام وتقدير في الصحافة العربية في السبعينيات. لو نضب النفط العربي، لأفلس الكثير من شبكات الرقيق الأبيض في الجنوب الفرنسي التي يشرف على بعضها بمهارة لبنانيّون يفخر بهم وطنهم الأخضر.

لكن لو نضب النفط العربي، فإلى أين سيحجّ ساسة لبنان؟ وماذا سيفعل ورثة الحريري؟ هل سيتحرّرون في القرار أم يلتزمون أوامر سلطان وسلمان وتوابعهما؟ إلى من سيتملّق ابن الفقيه إبراهيم شمس الدين، ومن سيموّل حملات قائد الشيعة الجنوبيّين من الحازميّة، أحمد الأسعد؟ لو نضب النفط العربي فهل كان مفتي صور المطرود علي الأمين، سيذهب ليخطب في الثقافة في مهرجان الجنادريّة؟ لو نضب النفط العربي لما استمرّت مجلة «الحوادث» بعد عام سبعين على الأرجح. ولو نضب النفط، فهل سيجد طارق الحميد من ينشر له منمنماته الفكريّة؟ ولو نضب النفط، فإلى من سيوجّه فؤاد عبد الباسط السنيورة ابتهالاته مثل تلك التي نشرها له العدد الخاص من «تاريخ العرب والعالم» عن الملك السعودي؟ ولو نضب النفط، فهل يجد منير الحافي من ينشر له تملّقه للسفير السعودي، أو ينشر له مجلّده الفخم عن الدور السعودي في لبنان؟ ولو نضب النفط، فمن «سيعيّن» ياسر عبد ربّه ومن سيفتح له المنابر لخدمة المخطّط الأميركي ـ السعودي ـ الإسرائيلي؟ ولو نضب النفط، فمن سيعطي الأوامر لكتّاب الصحافة العربيّة حول العالم، وخصوصاً اللبنانيّين؟ ولو نضب النفط، فماذا سيحلّ بفؤاد مطر ــ هذا الذي بدأ بوقاً ناصريّاً ثم تحوّل إلى بوق صدّامي تكرّس في تلك السيرة لصدّام التي كتبها، ثم عاد وتحوّل إلى بوق سعودي وهابي نشيط؟ مسكين فؤاد مطر، لو نضب النفط.

ولو نضب النفط العربي، فهل كان فنانو العالم العربي وفناناته سيسعون بهذا الجدّ للترفيه عن أمراء النفط وشيوخه في حفلات خاصّة لا يدعى إليها الإعلام؟

يحق لنا أن نحلم وأن نتصوّر عالماً عربيّاً آخر. هل مَن سيندم على تحول مجلس الشورى السعودي المُعيّن من الملك إلى مجلس مُنتخب يعبّر عن تطلعات الرجال والنساء في السعودية التي قد يتغيّر اسمها العائلي؟ هل مَن سيشتاق إلى طلة أعضاء هيئة «كبار العلماء» وفتاواهم المُخيفة والمعادية للعلم والمنطق؟ هل من سيفتقد إشراف الشيخ «مو» على مهرجانات الشعر؟ على العكس، سنجد أن العربي (والعربيّة) سيجدان سعادة ما بعدها سعادة في ما يخرج من باطن الأرض من ماء ومن خضر وفواكه. الماء، الماء قد يعمّ بدل النفط، وما الضرر من تعظيم مصدر «كل شيء حي»؟ النفط العربي: لو ينضب، لخرجنا من المنازل والأكواخ مرحّبين مُهلِّلين مُصفّقين (ومصفّقات). لو ينضب. آه، لو أنه ينضب! العلقم أفضل لنا منه.
"الأخبار"


التعليقات