01/10/2009 - 10:25

مدلولات محاولة القبض على المجرم باراك../ عوض عبد الفتاح

مدلولات محاولة القبض على المجرم باراك../ عوض عبد الفتاح
لم تنجح المحاولة للقبض على وزير الأمن الإسرائيلي إيهود باراك وتقديمه إلى القضاء البريطاني هذا الأسبوع، فالدولة البريطانية (الرسمية) هي خالقة اسرائيل، المشروع الإحتلالي الكولونيالي، على قطر عربي مأهول بالسكان منذ آلاف السنين.

لإفلات من العدالة لا يعني نجاحًا لإسرائيل، فهو نجاح عينيّ ومؤقت. أصحاب المبادرة للقبض عليه أثناء زيارته للندن، من العرب وغير العرب الناشطين في الدفاع عن قضية فلسطين، ليسوا بهذه السذاجة بأن يعتقدوا بخضوع دولة حليفة ومهمة لاسرائيل لمطلب من هذا النوع خاصة عندما يتعلق الأمر بوزير لها أو بمسؤول رفيع المستوى. ولكن ما قام به هؤلاء المناضلون هو أمر هام جدًا له علاقة مباشرة بالجانب القانوني الدولي والأخلاقي العام. إنه هام لأنه يندرج ضمن الحملات المنظمة الجارية في مناطق مختلفة من العالم، وخاصة أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، الرامية إلى نزع الشرعية عن سياسات اسرائيل في فلسطين، وفضح نظامها باعتباره نظام يتحدى القوانين الدولية والقيم الكونية ورافضة لقيم العدالة. إنه من المهم أن يتحول حكام إسرائيل وضُباطها إلى مطاردين ومنبوذين في العالم، وأن ترتبط صورتهم بالإجرام وانعدام الأخلاق، وبالسطو على أملاك وثروات وبلاد الآخرين.

تأتي زيارة باراك للندن، والمحاولة للقبض عليه كمجرم حرب، في نفس التاريخ الذي أطلقت فيه الترسانة الإسرائيلية ضد شعب فلسطين (أواخر أيلول عام 2000)؛ الطائرات المقاتلة، المروحيات، الدبابات، الرشاشات ضد شعب اضطر بعض مناضليه أن يحمل أسلحة خفيفة دفاعًا عن حياته وضد الإحتلال والإستيطان. وفي يوم واحد فتكت هذه الأسلحة بأكثر من 120 فلسطيني.. رجالاً، نساءً وأطفالاً. كما أن أسلحة هذا المحتل الخفيفة والفتاكة (تشمل القناصة) طالت وبصورة متعمدة وعن سبق الإصرار قتل وقنص 13 شابًا عربيًا ومئات الجرحى، يحملون المواطنة الإسرائيلية. هؤلاء تظاهروا سلميًا وبدون سلاح.

وقد كشفت سياسة باراك، أيضًا عن حقيقة مواقف الدولة العبرية تجاه 20% من مواطنيها العرب، فهي لم تعد في نظر الكثير من المضللين في الغرب "دولة تنور ووحيدة" في المنطقة، وأيضًا استطاع عرب الداخل وبقيادة حركتهم الوطنية، وتيارهم القومي تحديدًا فتح موقع آخر للنضال ضد الصهيونية وموبقاتها وهو داخل الخط الأخضر...

هذه صورة باراك وزمرته في المؤسسة السياسية والأمنية التي كررت المجازر على نطاق واسع في قطاع غزة أواخر العام الماضي. هذه الجرائم التي تمارسها الزمرة هي في الأساس وسيلة لضمان مواصلة الجريمة الأصلية الكبرى ألا وهي اغتصاب الأرض وقهر أصحابها الأصليين وحصارهم.

لقد شكلت الإنتفاضة الفلسطينية الثانية وخاصة الطريقة الوحشية، المنقطعة النظير، التي اعتمدتها اسرائيل في قمعها، بحجة تسلـّحها، (وهي بالمناسبة نفس الوسيلة التي اعتمدتها في التعامل مع الإنتفاضة الأولى السلمية) (أكثر من ألف شهيد وآلاف الجرحى والمعتقلين)، شكلت نقلة نوعية في نظر المجتمع الغربي الشعبي إلى هذه الدولة الإحتلالية.

والأهم، هو أن إسرائيل ساهمت في هذه الإنتفاضة دون أن تدري في إعادة تحديد طبيعة الصراع مع الأمة العربية. لقد أعادت بعث الكراهية العارمة في جميع أنحاء الوطن العربي، وعاد السؤال على شرعيتها وعلى مجرد وجودها يتردد بصورة واسعة حتى في أوساط غربية، مثقفة وشعبية. لا بل أن يهودًا من داخل اسرائيل وخارجها، يعبّرون عن قلقهم من هذا المعطى الجديد. وتواصل النخبة الإسرائيلية الحاكمة والداعمة للحكم، تسويغ أكذوبتها التاريخية، وكأن الشعوب العربية معادية لليهود والسامية، متجاهلة تاريخ الوجود اليهودي في ظل الحماية العربية على مدار قرون طويلة، ومتجاهلة عقد اتفاقيات سلام مع أنظمة عربية، ومتجاهلة اتفاقية أوسلو والقبول بإسرائيل من جانب أوساط متنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية.

نعم لقد كان للانتفاضة الفلسطينية الثانية، دور هام في إسقاط الأقنعة عن اليسار الصهيوني، حزب العمل وحلفائه، بزعامة باراك، واليوم تسقط الأقنعة عن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، يسارًا ويمينًا المتـّفقة على الإحتفاظ بالمشروع الكولونيالي الإحتلالي وبالهيمنة المباشرة أو غير المباشرة على كل فلسطين التاريخية. لقد أثبتت إسرائيل للواهمين أنها لا تريد أن تعيش لا مع شعب فلسطين ولا إلى جوار الأمة العربية على أساس العدالة والمساواة بل تريد الفصل والسيطرة. فلا الإدارة الأمريكية الجديدة مقتنعة بالمشروع الوطني الفلسطيني، كما يريده الفلسطينيون، ولا راغبة في ممارسة الضغط الحقيقي على الحكومة الإسرائيلية.

ولكن بالترابط مع عامل الإنتفاضة، فإن المقاومة اللبنانية قلبت المفاهيم الإسرائيلية، وأوحت بدروس وعبر لمن يريد أن يناضل ضد المشروع الكولونيالي، وبأن هذا المشروع ليس عصيًا على الهزيمة أو على إجباره على الإنكماش. إن تآمر أنظمة عربية رئيسية وتمكنها مؤقتًا من احتواء تفاعلات وآثار الإنتفاضة وحرب تموز 2006، لا يُغير الكثير على المدى الإستراتيجي. الأمة العربية تختزن معاني هذه المحطات التي تراكم في الذاكرة العربية والوجدان الشعبي طاقات كبيرة ستنطلق حتمًا في المستقبل، كما حصل في مراحل تاريخية سابقة في الصراع مع الأجنبي – القادم من وراء البحار (كالصليبيين) أو من الشرق كالمغول. في هذه الأثناء، لا بدّ من مدّ يد العون لكل الحملات الجارية في الخارج لإزالة ما تبقى من أقنعة عن وجه اسرائيل، وتعزيز صورة حكام اسرائيل كمجرمي حرب، للمساهمة في حملات المقاطعة والحصار كوسيلة للضغط وإجبارها على التخلي عن مشروعها الكولونيالي وإقناع المجتمع اليهودي الإسرائيلي القبول بالعيش في المنطقة كمجتمع طبيعي وليس كمستعمر. لأن المنطقة العربية ستكون في النهاية أقوى من إسرائيل. ولن ينفعها حكام عرب تحولوا إلى ملوك طوائف.

التعليقات