10/10/2009 - 09:57

حماس: مصالحة وانتخابات، أم مقاومة؟!../ رشاد أبوشاور

حماس: مصالحة وانتخابات، أم مقاومة؟!../ رشاد أبوشاور
تصاعدت نبرة التفاؤل بالمصالحة بين حماس والسلطة ( فتح)، ومن أشاعها هم أبرز قادة حماس يتقدمهم رئيس المكتب السياسي السيّد خالد مشعل، الذي يبدو شديد الانفتاح والوّد مع راعي المصالحة المصري.

على ماذا ستتم المصالحة بين حماس والسلطة ( فتح)؟ ما البرنامج الوطني الذي سيلتقي حوله الطرفان لإخراج الوضع الفلسطيني من حالة الانقسام والضعف، والانتقال به إلى حالة (الوحدة) و( القوّة)؟!

كل ما نسمعه لا يعدو أن يكون عبارات إنشائيّة (حنونة) تقطر أخوةً وحرصا وتفجعا، وكأن ما أدى للاقتتال كان ناجما عن(عين) أو (عمل) عملته جهات حسودة شريرة لا تُحب رؤية (الأخوين) الودودين في حالة انسجام وتناغم وتناسق تام، ومسيرة فلسطينيّة لا هابيل ولا قابيل فيها!

منذ وقت طويل نسبيّا ونحن نؤكّد على أن حماس نهجت خيارا غير خيار المقاومة، وهو ما تكشّف لنا بعد أن دخلت الانتخابات التشريعيّة، وما عادت تخفي منافستها على تقاسم الدور في مسار التسوية، بل لعلها في لحظة ما توهمّت بأنها ستكون العنوان المقصود الوحيد للحوار معه، انطلاقا من الانتصار في الانتخابات التشريعيّة والدعم الشعبي الفلسطيني الذي صبّ في صناديق الاقتراع!

من يعد لمقالات سابقة نشرت لي في القدس العربي، سيجد أنني دعوت مبكرا لخروج حماس من المأزق الذي أدخلت نفسها فيه، بعد حسمها العسكري العنيف والشرس للسيطرة على قطاع غزة.

اقترحت في أكثر من مقالة ان تسعى حماس لتشكيل قيادة وطنيّة تضّم الفصائل والشخصيات الوطنيّة المستقلّة المحترمة، تكون مهمتها إدارة حياة الناس في القطاع، وضمان أمن حياتهم داخليّا، والتفرّغ للمقاومة وإدارة الظهر للصراع على السلطة، وإنهاء مرحلة الحكومة واستفراد أجهزة الأمن الحمساويّة، مع العمل على نقل التوجّه إلى الضفّة، لأن خيار مغادرة حالة الصراع على السلطة والعودة إلى خيار المقاومة سيفتح الطريق أمام الصراع بين نهجين، وما يعزز نهج المقاومة هو استشراء جرائم الاحتلال، وانهيار مسيرة أوسلو، وعجز السلطة وفسادها، وانحياز أمريكا التام للكيان الصهيوني.

الأستاذ ياسر الزعاترة أحد أبرز الكتّاب الإسلاميين بدأ يطرح نفس ما كنّا نقترحه ونتعرّض بسببه للشتم في رسائل كثيرة وردت على موقع القدس العربي من محازبي حماس، وهو تخطئة مشاركة حماس في الانتخابات التشريعيّة، والنصح بتشكيل قيادة وطنيّة تضّم كافة الأطراف المشغولة بالهّم الوطني، والعودة لخيار المقاومة.
في برنامج الاتجاه المعاكس الذي بُث يوم الثلاثاء 6 تشرين الجاري 2009، أعاد الأستاذ زعاترة التأكيد على وجهة نظره التي وردت عدّة مرات في مقالاته التي تنشر على صفحات الدستور الأردنيّة.

لم يطرح الزعاترة وجهة نظره، ونصحه، من موقع العداء لحماس، فهو قريب منها، ومحسوب على الأخوان المسلمين، ولكنه انطلق في وجهة نظره حرصا على حماس وما مثلته، وعلى خروجها من المأزق الذي حشرت نفسها فيه في قطاع غزّة، وعلى مصير القضيّة الفلسطينيّة المطروحة للتصفية.

لم تصغ حماس لكّل النصائح، ولم تناقش الأفكار النزيهة التي تطرح انطلاقا من الحرص على القضيّة الفلسطينيّة، وتجاهلتها بلا مبالاة، وأمعنت في التبشير بالمصالحة، والتقرّب من السلطة المصريّة- علما أن عداء تلك السلطة يعود إلى صراعها مع حركة الأخوان المسلمين الذين ترى فيهم الخطر الداهم على استقرارها ومصالحها، وترى في حماس عنصر قوّة لهم – متوهمة بأنها ستكسب الطرف المصري الرسمي بتطمينه إلى نواياها الطيبة تجاهه، وجاهزيتها لإيجاد نقاط التقاء معه تجعلها في موقع الأفضليّة مقارنة بالسلطة ومراوغاتها وعدم جديتها في العلاقة مع مصر الرسميّة.

مع تفجّر فضيحة دور السلطة من تقرير غولدستون، يبدو أن قيادة حماس تتعامل مع الأمر من منظور الاستفادة من فضيحة رئيس السلطة وقيادتها، ومأزقها الشعبي الفلسطيني والعربي والدولي، ولكنها لم تغيّر خطابها ألتصالحي الإعلامي، وإن بدأت تميل لتأجيل موعد التوقيع على اتفاق المصالحة بالرعاية المصريّة، مع كيل الاتهامات لرئيس السلطة والمجموعة المحيطة به بالتفريط، وأبعد من التفريط!

تريد حماس أن تخرج من المأزق، من تحمّل عبء حياة مليون ونصف فلسطيني في القطاع، وأن تبقى شريكا سياسيّا لا ينبذ ولا يستفرد به إذا ما استؤنفت المسيرة وبدأت ملامح الحّل النهائي!

تخشى حماس من أن يُجري رئيس السلطة انتخابات في الضفّة، ويمضي في التفاوض والتفاوض، بالترافق مع عزل قطاع غزة والحكومة المقالة، وأن تزداد الأعباء ثقلاً على رأس حماس، فالقطاع سيعاني من تفاقم الحصار إذا ما جرت الانتخابات في الضفّة – طبعا بالدعم الأمريكي، والرضي الرسمي العربي، وتسهيلات الاحتلال، وبالاستفراد بشعبنا في الضفّة- وقد يصل الأمر حدّ تجدد الحرب على القطاع للانتهاء من حماس وكسر شوكة أهلنا في غزّة!

تُفاصل قيادة حماس على كيفية إجراء الانتخابات، وكأن الخروج من المأزق يكون بانتخابات نزيهة لن تتحقق، فمن خسر في التشريعي لن يلدغ من صناديق الاقتراع مرتين، ولذا ستكون صناديقه مضمونة تماما.
واضح أن حماس عازفة عن مراجعة مشاركتها في انتخابات التشريعي، والالتفاف الذي جرى على نتائج تلك الانتخابات!

حماس وهي تحاول تأجيل موعد التوقيع على المصالحة بالرعاية المصريّة لن تخرج من المأزق، فعليها أن تحدد بالضبط ما الذي تريده: العودة لنهج المقاومة، أم التنافس والصراع على السلطة؟!

لا خيار وسط بعد الآن فلسطينيّا، فإما مع السلطة التي تقف ضد شعبنا وتبرّئ العدو الصهيوني من دم أهلنا، من تضييع وتبديد دم مخيم جنين وبطولته، مرورا بتمييع قرار محكمة العدل الدولية الذي أدان الجدار والكيان الصهيوني، و..وصولاً إلى فضيحة ( غولدستون)..أم مع خيار المقاومة الذي تعود رياحه لتهّب من أرض وسماء القدس، وقبّة الصخرة، وأبهاء الأقصى؟!

حماس تستطيع إن هي حسمت خيارها، وانتقلت بجديّة ومسؤوليّة وطنيّة لتشكيل قيادة وطنيّة دون تسلّط واستفراد – فقد ملّ شعبنا من التسلّط والاستفراد والفرديّة – أن تنقذ نفسها، وتنقذ المسيرة الفلسطينيّة الوطنيّة المقاومة.
لا بدّ أن تحسم حماس مغادرة الصراع على السلطة، وتترك السلطة لتغرق في أوهام سلام خيار التفاوض الذي اختارته في ( أوسلو)، والذي يدفنه ونتينياهو وليبرمن تحت جنازير الجرافات التي تدمر بيوت المقدسيين، وزحف الاستيطان الذي يلتهم سريعا وفي سباق محموم لكسب الوقت والأرض وفرض الأمر الواقع لحّل ينهي أي أمل بدولة فلسطينيّة عاصمتها القدس ( الشرقيّة)!

إذا ظنّت قيادة حماس أن غرق السلطة ورئيسها والحفنة التي تقودها، يمنحها الفرصة للخروج من المأزق، ويمنحها التفوّق بالنقاط، فهذا رهان خاسر ومضيعة للوقت، وإضاعة للفرصة الثمينة المناسبة لتقديم حل فلسطيني جذري يضع الفلسطينيين أمام أحد الخيارين، لأنه لا يوجد خيار ثالث في صراعنا مع الكيان الصهيوني، فإمّا مقاومة وإمّا استسلام.

حماس تٌغمغم ولا تفصح، ومن يطمح في قيادة شعب، أو المشاركة الأكيدة في قيادة شعب، لا بدّ أن يقدّم برنامجه للناس، وأن يبرهن عليه ميدانيّا بتقدّم الصفوف لا باللعب السياسي، ومطالبة الناس أن يضحّوا دون أن يروا أفقا، الناس الذين ضحّوا وهم يقاومون لحريّة وطنهم، وليس لإعلاء شأن هذا الفصيل او ذاك، أو للفوز في انتخابات تحت الاحتلال وبرضاه لأن هكذا انتخابات ستصّب في مصلحة احتلاله مهما كانت النتيجة!.

أبوعمّار كان أكثر براعة من حماس، وانتهى مقتولاً بالسّم، وعبّاس وقيادة السلطة يقدمون أكثر بكثير مما تستطيعون وتجرؤون على التفكير في تقديمه، ومع ذلك انظروا كيف تعاملهم حكومات العدو التي تسلمهم واحدتها للأخرى. لتبتزها وتعصرها من جديد!.

انظروا إلى نتنياهو الذي طلبت منه الإدارة الأمريكيّة مساعدة عبّاس على الخروج من مأزقه بسبب سحب الدعم للتصويت على تقرير غولدستون. لقد أعلنت حكومة ونتينياهو عن تدشين مستوطنة جديدة على قمّة جبل المكبّر- جبل سيدنا عمر بن الخطّاب - مع وصول المبعوث الأمريكي ميتشل!

عندما يختلط الأمر على شعب تقوده قوى سياسية، بحيث لا يمكن التمييز بين برامجها، فإن الرابح سيكون الطرف الحريص على مصالحه وامتيازاته، وعلى الرضي بما يقسمه الاحتلال.

حماس تستطيع أن تنقذ نفسها، وتتجدد في نار المقاومة، وتنقذ المسيرة الفلسطينيّة، لذا فمسؤوليتها كبيرة كبيرة، وتزداد كلمّا أضاعت المزيد من الوقت في التفاوض على شروط المصالحة، وكيفية إجراء الانتخابات...

التعليقات