02/11/2009 - 11:59

اليسار والطاقات المهدورة../ خالد خليل

اليسار والطاقات المهدورة../ خالد خليل
لماذا لا يتخذ اليسار الفلسطيني مواقف حاسمة من ممارسات وسياسة السلطة الفلسطينية؟! وهي ممارسات سياسية وأمنية تتنافى مع أبسط قواعد العمل الوطني والثوابت الفلسطينية، وتستبعد خيارات الكفاح الوطني ضد الاحتلال بخيار التفاوض بأي ثمن، علاوةً على أن قيادة السلطة تلحس تصريحاتها وشروطها للتفاوض كلما تشدد الموقف الإسرائيلي، وتخضع على الدوام للاملاءات الإسرائيلية دون احتجاج. ومن ابرز الأمثلة على هذه العلاقة غير المتكافئة تراجع السلطة الوطنية عن شرطها برهن مواصلة التفاوض مع إسرائيل بتوقف أو تجميد الأنشطة الاستيطانية.

ولعل التعامل مع تقرير غولدستون من قبل السلطة بالشكل الفضائحي الذي شاهدناه مؤخرًا يندرج في إطار علاقة السيد والمسود بين الطرفين، مما وضع السلطة في مصاف المنقذ لإسرائيل من مأزق النقد والمحاكمة الدوليين، ومن الواضح أنَّ تراجع السلطة عن موقفها وإعادة فتح ملف „غولدستون” وجرائم الحرب في غزة كان ردًا اضطراريًا على فورة الغضب الفلسطيني والعربي والأممي التي كادت تلقي بهذه السلطة خارج اللعبة السياسية وتدفعها إلى السقوط المحتم.

لكن من الواضح أيضا أن محمود عباس لا يترك فرصة إلا ويحاول استثمارها في تنفيذ مشروع دايتون بحذافيره، ويعتقد أن تمرير تقرير „غولدستون” في مجلس حقوق الإنسان خطوة تعطيه الحق بفرض الانتخابات وفقًا للرؤية الأمريكية والرباعية الدولية، التي تتمسك بمبدأ إجراء الانتخابات شريطة عدم فوز حماس أو إجراء مصالحة حقيقية معها.

اليسار الفلسطيني الذي دفع نفسه إلى هامش الهامش ضرب بعرض الحائط تاريخه ودوره الثوريين وتمترس خلف نظرية „الموازنة” بين الطرفين المتنازعين في الساحة الفلسطينية.

ورغم إعلانه رسميًا عن عدم الانحياز لأي من الجانبين ، إلا انه في الواقع أكثر توددًا للسلطة الفلسطينية ورئيسها عباس وأقل نقدا لها من نقده حماس، وذلك إغراقا في الموقف اليساري العدمي المعادي في جوهره للإسلام السياسي والحركات الدينية إجمالاً.

الأخطر من هذا هو السلوك السياسي لليسار وإيثاره البقاء في حضن السلطة والتعاطي مع مشاريعها البائسة حتى في ظل أشرس حملة صهيونية – أمريكية على القضية الفلسطينية والمحاولات المتواترة لتمرير مشروعها التصفوي ضدها.

فكيف لنا أن نستوعب مثلاً أن اليسار بعظمته لا يخرج بموقف واضح ضد المرسوم الذي أصدره عباس لإجراء الانتخابات حتى بدون التوافق الفلسطيني؟ وكيف يرضى هذا اليسار المشاركة في السلطة ومؤسساتها في ظل تنسيق أمني شامل مع إسرائيل؟ والأهم من ذلك كله لماذا لا يطرح اليسار مشروعًا سياسيًا بديلاً لمشروع السلطة، ولا نعني بذلك التبني اللفظي لخيار المقاومة والذي لا نشك أنّ بعض الفصائل ما زالت متمسكة به من حيث المبدأ وعاجزة عن ممارسته بزخم في الواقع؟!

لكن بغض النظر عن هذا العجز فنحن نعلم ان المقاومة للاحتلال هي بديهية غير قابلة للتصرف، وهي أيضا ليست مشروعا سياسيًا. وهذا بالفعل ما يحتاج له الشعب الفلسطيني: مشروع سياسي مقابل مشروع التسوية السلطوي –الإسرائيلي – الأمريكي، والمشروع السياسي يشمل الرؤية والأسلوب والبرنامج النضالي والحل، فلماذا يستنكف اليسار عن الاجتهاد بهذا الاتجاه؟!

هناك خشية في أوساط الفلسطينيين أن يكون السبب الحقيقي كامناً في القصور الشخصي الذاتي لهذه القيادات التي أصبحت عاجزة عن قيادة تنظيماتها وإدارة يومياتها، لأنّها اختارت الطرق السهلة والمريحة.. فباتت تعتاش على فتات معونات السلطة لها، لترتهن بشروطها وسقفها.
ولا شك أن مترتبات ذلك تضرب نضالية هذه الفصائل وتعمق أزمتها إلى حد الاختفاء عن الساحة.

من السهل إيجاد المبررات وتعليق الأزمة على شماعة الظروف الموضوعية وصعوبة المرحلة وما إلى ذلك من تقليعات، لكن لا مناص من إجراء تغييرات جوهرية على المستوى الداخلي التنظيمي والبرنامجي، ليتسنى بالتالي إعادة الروح إلى ذلك الموروث الثوري الكفاحي لهذه الفصائل ووقف عملية هدر الطاقات التي ما زال بالإمكان تأجيجها.

قد يقول قائل إنّ قمعية السلطة الفلسطينية وتماديها باستخدام أساليب التعذيب والاعتقال والاختطاف وحتى الوشاية تحول دون نشوء حركة شعبية معارضة وفاعلة ضد الانزلاق الحاصل على الساحة الفلسطينية، ولكن تقول التجارب التاريخية إن النخب المناضلة ملقى على عاتقها قيادة الناس وخلق حالة من الحراك الشعبي تحديدا في ظل استشراء القمع وتفاقم المصائب… لا شك أن ملامح الحياة ما زالت حاضرة في الموروث النضالي الثوري لفصائل اليسار، فهل بالإمكان تشديد هذا الحضور.
"فصل المقال"

التعليقات