10/11/2009 - 11:11

الحقوق الجنسانية وقمع الجدران../ همت زعبي* وصفاء طميش**

الحقوق الجنسانية وقمع الجدران../ همت زعبي* وصفاء طميش**
يتطلب واقعنا الفلسطيني كشعب يقع تحت الاحتلال والاستعمار تحليلا شموليا لقضايانا المختلفة يأخذ بالحسبان، على الدوام، السياقين السياسي والاجتماعي وتأثير أحدهما على الآخر، وبالتالي يتطلب منا العمل والنضال على الجبهتين معا، من دون فصل بينهما.

ففي حين نناضل من أجل فرض أسس المساواة للنساء ورفع مكانتهن، ونعمل من أجل ضمان عدم انتهاك حقوقهن ونناهض القمع الاجتماعي الذكوري وندافع عن حق المرأة في الحياة ونصرخ ضد قتلها ونطالب بفرض احترام الحريات الفردية وحرية اختيار الشريك/ة واحترام قضايا الحريات الشخصية بكل انواعها، واعتبارها حرمة إنسانية لا يحق لأحد التدخل فيها؛ وفي خضم نضالنا ورفضنا المتواصل والمستمر لعنف المستعمِر وعنف الدولة وانتهاكها لمجمل "إنسانية" الفرد الفلسطيني، من احتلال حيّزه وبيته وأرضه ومائه وهوائه، لا بدّ لنا من تسليط الضوء على جانب مهمش من تلك الانتهاكات، وهو انتهاك حقوقه الجسدية.

في ظلّ جدار الفصل العنصري الذي طوّقت به إسرائيل مدننا وقرانا، وعلى نقاط التفتيش المقامة على بوابات هذا الجدار، تُنتهك كل يوم أبسط الحقوق الجسدية والجنسية. ولا تقتصر هذه الانتهاكات على مشاهد جنود الاحتلال وهم يعبثون في أجساد النساء والرجال تحت حجّة ما يسمى "بالفحص الأمني"، أو إجبار الشبان على التعرّي بحجة "التأكد" من "براءتهم" من "الإرهاب"، بل تمتدّ إلى اختراق خصوصية جسد المرأة الحامل وهي تلد على الحاجز بعد منعها وزوجها من الوصول إلى المستشفى.

هذه هي الرسالة التي اخترنا، نحن الفلسطينيات، أن نعمل على إيصالها للعالم في التاسع من الشهر الحالي، حيث يقوم ائتلاف الحقوق الجنسانية والجسدية في الدول الإسلامية في حملة للدفاع عن الحقوق الجنسية والجسدية للنساء في هذه المجتمعات. كجزء من الائتلاف نؤمن بأنّ الحقوق الجنسية والجسدية هي حقوق إنسان يتوجّب احترامها والدفاع عنها، ونرى بأنه من واجبنا- إلى جانب الدفاع عنها ومطالبة مجتمعنا بتبنيها واحترامها- أن نفضح، أيضًا، سياسات إسرائيل في انتهاك حقوقنا الجنسية والجسدية.

ففي ذات الوقت الذي تناضل فيه المجموعات الناشطة لحقوق الإنسان في الغرب من أجل فرض احترام حق المرأة بالتساوي مع الرجل في الحقوق والواجبات، والحق في العيش الكريم، لا نزال نحن – الفلسطينيين/ات- نناضل من أجل أبسط الحقوق للحصول على المسكن أو حماية البيت لضمان بعض من حقوقنا الجسدية والجنسية، في ظلّ سياسات مصادرة الأراضي وهدم البيوت.

بينما ينهمك الغرب في تعزيز الحقوق الإنجابية الآمنة وتحقيق المساواة في الممارسات والسلوكيات الجسدية والجنسية، لا نزال نحن الفلسطينيين نناضل في القرى غير المعترف بها في النقب، من أجل إنشاء عيادات صحية تضمن أبسط الحقوق الإنجابية والصحية للنساء، حيث تناضل النساء الفلسطينيات هناك من أجل شروط حياة أساسية صحية وآمنة، تزويد المياه الصالحة للشرب والكهرباء المنتظمة والمواصلات العامة التي تصل هذه القرى بمرافق الحياة الضرورية، وتساعد النساء على الحفاظ على سلامة أجسادهن وسلامة أولادهن وبناتهن.

هذا بالإضافة إلى نضالهن المستمر من أجل حقهن في الحصول على المعلومات حول السلامة الجسدية والجنسية، وحقهنّ في العلاج والمراقبة والمواكبة الطبية خلال فترة الحمل وأثناء الولادة.

إنّ عدد العيادات القليل في قرى النقب، يسمح للأطباء والممرضات بتقديم العلاج لـ 20% فقط من السكان، في حين لا توفر معظم هذه العيادات خدمات طبية متخصصة للأطفال وللنساء. ومنذ أسابيع قامت الدولة بإغلاق ثلاث عيادات للأم والطفل هناك.

نحن نناضل ضد جدار الفصل العنصري الذي يتيح لإسرائيل السيطرة على أكثر من 40% من أراضي الضفة الغربية ويستولي على مصادر المياه الرئيسة والأراضي الزراعية في الضفة الغربية، ويعزل الفلسطينيين في "جيتوات" ويهدّد سلامة العائلة ويشتّتها. وإلى جانب تدميره للمنشآت الاقتصادية، فإنه يحرم الفلسطينيين من الحركة والعمل والتعليم، ويفرق شمل آلاف الرجال والنساء ويمزق عائلاتهم التي توزّعت بين شقيّ الجدار، حتى غدا حلم اللقاء والحق بالتواصل والحب والعيش تحت سقف واحد وآمن، بعيدًا كحلم الدولة المستقلة وإنهاء الاستعمار.

بينما يتمتع الإنسان الغربي بالتفنن بطقوس الحبّ والعشق والزواج وبناء الأسرة، نناضل نحن الفلسطينيين ضد قانون المواطنة الذي يمنع لمّ الشمل بين المواطنين العرب في إسرائيل والفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة، أو أي مواطن من لبنان وسوريا والعراق وإيران. بسبب هذا القانون العنصري طردت و/أو أبعدت مئات النساء وفصلت عن أزواجهن وأبنائهن.

ونناضل في الجمعيات الأهلية والنسوية، وبالشراكة مع بعض نشطاء المجتمع المدني، ضد سياسات الشرطة الإستشراقية والعنصرية، التي تتقاعس وبشكل مقصود إزاء قضايا قتل النساء الأمر الذي يساهم في تكريس وتعزيز هذه الظاهرة في المجتمع الفلسطيني. كما تناضل جمعيات حقوق الإنسان من أجل الحقوق الجنسية والجسدية للأسرى الفلسطينيين، كما في حالة الأسير وليد دقة، الذي تحرمه السلطات الإسرائيلية ومنذ 6 سنوات من حقه في إنجاب أطفال بحجة أن "اجتماعه" بزوجته يضرّ بأمن الدولة.

يشكل هوس يهودية الدولة والقلق الديموغرافي الذي يستحوذ على الدولة اليهودية منذ تأسيسها، والذي تشتدّ حدته في السنوات الأخيرة، إحدى الركائز التي توجّه هذه السياسات التي ذكرت أعلاه. ويُستدل منها أنّ الجسد الفلسطيني عامة وجسد المرأة الفلسطينية ورحمها خاصة، يشكلان خطرًا في نظر الدولة، يستوجب من الأخيرة مراقبته وقمعه والحدّ من حركته وتطوّره، مع التركيز على تنظيم- بل وتحديد نسله.

إنّ خوف الدولة من الجسد الفلسطيني ومحاولاتها لقمعه وللسيطرة عليه تضيف للقمع الواقع علينا كنساء فلسطينيات قمعا إضافيا وتضاعف تحدّياتنا للنضال من أجل العيش بكرامة وأمان. وعينا للتحديات السياسية الاجتماعية من خلال تحليل شمولي لمكانتنا وموقعنا يساعدنا في تطوير آليات نضال أنجع تضمن مقاومتنا للاستعمار من جهة والتصدي للقمع الذكوري من جهة أخرى.


التعليقات