28/06/2010 - 12:09

ما سر موقف روسيا والصين مع أمريكا ضد إيران؟../ د. كمال خلف الطويل

ما سر موقف روسيا والصين مع أمريكا ضد إيران؟../ د. كمال خلف الطويل
ما كان السؤال وليد لحظة التصويت، بل سبقه بأسابيع عدة عندما لاحت نذر انزياح روسي أولاً، وصيني لاحقاً، من ضفة الممانعة بل والتعويق، إلى الملاءمة ثم التواؤم. والحال أن ميزان المخاطرة والعائد لكل من القطبين العالميين كان المحدد النهائي لموقفهما من المسألة:

يريد الكرملين التفلت من كل شراك واشنطن المنصوبة له على اتساع رقعة أوراسيا: حرب المخدرات الشرسة والمسكوت عنها، والمستهدفة أساساً الشباب الروسي، بعائد ربح يصل حد 65 مليار دولار سنوياً... العنف القوقازي المقنع ببرقع "إسلامي" زائف... الاختراق الديني البروتستانتي الكاثوليكي أداة استلاب ثقافي واحتلال ذهني... الصواريخ المضادة للصواريخ في شرق أوروبا سعياً لسيادة نووية... الجيب الجورجي في القوقاز وعلى شطآن البحر الأسود.... التمدد في البحر الأسود ذاته... محاولة سلب روسيا أسواقها الأوروبية للطاقة... الاستحواذ على الورقة الهندية... إبعاد روسيا عن غرب آسيا / شرق المتوسط... تشليح روسيا "جوارها القريب" في آسيا الوسطى بالقطعة... نصب مرصد متمفصل بين وسط وغرب وجنوب آسيا في أفغانستان يوفر منصة تدخل واندخال في وحولَ كل من روسيا والصين.

تريد بكين تعويق وإجهاض ما جهدت واشنطن وتجهد في تدبيرها لها: رفع سعر العملة الصينية لكبح انسياب السلع الرخيصة للسوق الأمريكية... الاختراق الديني كما في الحالة الروسية... تشجيع نشوء لوبي غربي النزوع داخل الحزب الحاكم وخارجه... تحريك مسألة الأقليات الدينية والعرقية (مسلمو سنكيانغ وبوذيو التيبت)... التلويح بإغلاق مضيق ملقا (عبره تعبر غالبية التجارة الآسيوية) إن دعا الداعي... تكبير الحجر الهندي ليكون مصدر تهديد للصين موازن... التدافع بالصّد في أفريقيا لوقف ثم حسر التمدد الصيني هناك ساعياً وراء الموارد الطبيعية دون مظنّة استعمار.

كيف تردّ موسكو؟... بالتضييق على مسعى الاختراق الثقافي والمجتمعي، وباقتلاع طابور الأطلسي الخامس من مواقع السلطة والثروة، والتلويح بنصب صواريخ مضادة للصواريخ في كالينينغراد، وتجريد جورجيا من أكثر من نصف شاطئها على البحر الأسود، وبثّ الانقسام داخل المعسكر الأوروبي لجهة واردات الطاقة، عبر مُغري العروض، واستعادة أوكرانيا من براثن الأطلسي، والدفاع الشرس - بل والتعرضي - عن "الخارج القريب" في آسيا الوسطى، وتدشين أفضل الصلات مع تركيا طاقويا واستراتيجيا.

وبمَ تجابِه بكين؟... بالتحايل على رفع سعر العملة.. بالسعي لإيجاد بدائل أرضية لمضيق ملقا عبر توصيلٍ سلسٍ ومأمون لواردات الطاقة عبر باكستان وبورما... ببناء بحرية قادرة على الدفاع النشط والمكافئ... بالمثابرة على النفاذ إلى أفريقيا وأمريكا اللاتينية، طلباً للموارد مقابل العون... بإفشال محاولات التلاعب بالداخل العرقي والديني، بالقسوة والتنمية في آن.

أين إذن هي نقاط ضعف كل من الصين وروسيا تجاه أمريكا؟
هي بالتحديد في غرب آسيا، أي من قزوين إلى المتوسط... هنا لا زال بعض من رهاب يتملّك حواسّ صنّاع القرار في موسكو وبكين لقدرما يعلمون عن حيوية هذه المنطقة لواشنطن واستماتتها في الحفاظ على هيمنتها عليها ودرء المخاطر الإقليمية المهددة لتلك الهيمنة.

هل يْودي الرهاب إلى رضىً وقناعةٍ بالمقسوم؟، أم هو تحيّن ينتظر توفّر المناخ المؤمّن للانفضاض وصولاً للانقضاض؟
عندي أن الثاني هو الحال، والحال ليس من المحال وإن لم يغدُ بعد جاهز المنال.

هما تدركان أن عصر الانفراد الأمريكي بالعالم قد ولّى أدباره بدءاً من 12 أيلول/سبتمبر 2001 ووصولا إلى راهن الأوقات.... بل وتعرفان أن غرب آسيا بالتحديد، أي إيران وتركيا والشام والعراق، خرجت وتخرج بالجملة من إسار القبضة الأمريكية، لكنهما بالمقابل تقّدران أن واشنطن ستقاتل، بالسلاح وبغيره، عن جائزتها الكبرى - جزيرة العرب ومقترباتها من خليج ومحيط وأحمر ومضائق وقنال -... وأنها ترى في طهران رأس حربة تهديد إقليمي لا يمكن التهاون أو التعايش معه، سيّما وهو يهدد سطوة ما سعت إلى تمكينه وكيلا اقليميا لها بامتياز دون كبير نجاح: اسرائيل.

ولعل أحكام الأفول الأمريكي أضافت لكلتيهما حذراً فوق حذر طلباً لتفادي احراجه قبل الأوان، وهو يتصرف كأسد جريح يقسِم لطوب الأرض أنه ما فتىء فتى الكون الأغر والقادر على لطم العماليق فما بالك بالمتطاولين!

تعرف العاصمتان أن ليس بوسع واشنطن شن حرب مسلحة على إيران، لا لشيء إلا لغياب القدرة على الفوز المبين، ثم هما تبغيان ابتزاز واشنطن حتى آخر قطرة لتكف عما تدبره لهما من أفاعيل مقابل مسايرتها حيث أعز ما تملك... ومن ثمّ مطاوعتها في نظام عقوبات خففوا سميّته قدر ما استطاعتا.... هذا دون إغفال أن موسكو بالذات ترتاح أكثر إن كان جارها إلى الجنوب بلا أسنان نووية، حتى وإن كانت - عند الضرورة - قادرة على التعايش معه بأسنان.

موسكو وبكين تناوران بدهاء يستحق الدرس في كليات السياسة والأمن الاستراتيجي... هما فوق الطاولة يجمعهما إطار صورة باسمة مع من يكره صعودهما لسويّة قطب كوني حتى أعماق الأعماق، وتحت الطاولة تقدّمان لممانعيه الترياق المكافئ لسمٍّ سبق وذوّبوا شدّته حدّ التمييع.

والحال أن تصليب القطبين لعموديهما الفقريين يتوقف، في جلّه، على صلابة محور فارس الأناضول الشام... ومعهم العراق. التناسب طردي بالمطلق بين الأمرين، وعكسي بالتمام بينهما وبين الأفول الأمريكي.
"القدس العربي"

التعليقات