03/09/2010 - 10:54

المنظومة القيمية والحاجات البداغوغية في التعليم العربي../ بروفيسور محمد أمارة*

المنظومة القيمية والحاجات البداغوغية في التعليم العربي../ بروفيسور محمد أمارة*
المستوى المتدني في التحصيل في المواضيع المختلفة في جهاز التعليم العربي في البلاد قضية بيّنة ومعروفة ولا حاجة للخوض في تفاصيلها. كُتب عن الموضوع الكثير وتعترف وزارة التربية والتعليم بذلك. والغريب أن العرب أنفسهم يركزون على التحصيل ويهملون، إلى حد بعيد، المنظومة القيمية والحاجات البداغوغية في التعليم العربي، لربما لأنهم يسعون في ظل الموارد الشحيحة وفقدان الأرض إلى تأمين مستقبل أفضل لأبنائهم.

طرحي في هذه المقالة هو أنّ هنالك ترابطًا عضويًا بين المسألة القيمية ومسألة التحصيل. فالمنظومة القيمية على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي هي البوصلة التي تحدد مسار الفرد والجماعة. فان لم تكن هنالك منظومة قيمية واضحة المعالم وأخذ الحاجات البداغوغية الخاصة بعين الاعتبار، لن يكون هنالك تغيير جذري في التحصيل أيضًا.

أين الإشكالية اليوم في التعليم العربي من الناحية القيمية؟
نختلف مع المؤسسة حول المنظومة القيمية وحول دوائر الانتماء التي نريد أن ننميها ونرسخها لدى طلابنا. فالهوية الجمعية العربية الفلسطينية مغيبّة أو مشوّهة في المناهج التعليمية والكتب التدريسية، ولا تلبّي حاجات الطالب العربي الأساسية حول ماهية هويته.

هنالك محاولة لسلخ العربي عن انتمائه القومي وبناء هوية „العربي-الإسرائيلي” المفصّلة على مقاس الدولة اليهودية الصهيونية.

مسألة المواطنة الجوهرية أيضًا لا تأخذ حقها في منهاج التعليم الرسمي، وهناك حديث عن المواطنة الشكلية المنقوصة والمشتقة من رحم رؤية الدولة اليهودية الصهيونية، والمعنى أنّ الطالب العربي يجب أن يفهم أن حقوقه منقوصة ومشروطة وحدوده واضحة في هذه الدولة، وأن لا سبيل إلى مساواة حقيقية، وأنّ دوائر الانتماء لا تجد لها سبيلاً في جهاز التعليم العربي، وإن وُجدت فهي لا تعبّر عن شخصيته الفردية ولا عن شخصيته الجمعية.

هناك أيضًا منظومة قيمية ليست فقط تاريخية وسياسية، وإنما أيضًا اجتماعية والتي لا شك ترتبط عضويًا بالرواية التاريخية-السياسية، أعني انتقالنا من مجتمع تقليدي إلى مجتمع ميزاته حداثية وتقليدية، لكنه يعاني من أزمات كثيرة تنعكس على المستوى المجتمعي، وتفرز ظواهر سلبية مثل العنف والفقر والبطالة والجريمة، الأمر الذي يزيد من حدة الإشكاليات لدرجة الأزمة، وتجعلنا نتساءل هل المدرسة العربية مؤهلة اليوم للتعامل مع هذا الواقع ومع الرواية الاجتماعية بفاعلية؟

لا توجد رؤية (أو لربما استعداد) في جهاز التعليم العربي للتعامل مع هذه القضايا ولا مع بناء آليات ولا استراتيجيات لمواجهتها، وكذلك فإن المعلم العربي لم يؤهل لأن يتعامل مع هذه القضايا والمسائل. فهنالك إشكالية في التعامل مع الرواية الاجتماعية والرواية التاريخية السياسية التي تؤثر على نماء وتطوّر الطالب والتي بدورها تؤثر على البيئة التعليمية، وبالمحصلة النهائية فإذا كان المراد تحسين التحصيل العلمي فلا بد من أن يكون هناك تعامل جدي مع الروايات المذكورة. وهنا يأتي دور المجلس التربوي العربي، الذي أقيم مؤخرًا بمبادرة لجنة متابعة قضايا التعليم العربي ومباركة اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، بصفته إطارًا مهنيًا يتعاطى مع هذه القضايا.

سيقوم المجلس بإسماع صوت نقدي جماعي للسياسات التربوية المؤسساتية والقيام بعملية توعوية محليًا وقطريًا للتأثير على السياسات، وكذلك سيطرح البدائل، ولن يكتفي بالمواقف النقدية، وكذلك سيشرع بإجراء أبحاث تطبيقية كي تكون رؤانا وأعمالنا مبنية على أرض صلبة.

نحن العرب في هذه البلاد لنا الحق الجماعي في ممارسة خصوصيتنا الثقافية والقومية والتربوية واللغوية والدينية، إذ أنّ أهل مكة أدرى بشعابها ونحن فاهمون ومدركون لقضايانا وحقوقنا وتربيتنا أفضل من أي جهة أخرى. لذلك فالإدارة الذاتية واستقلالية القرار تستطيع أن تلبي هذه الحاجات التي ضمنتها الحقوق الدولية أيضًا، وهنا بيت القصيد فالدولة لا تريد إدارة ذاتية للعرب لأنها تخاف من هذه الاستقلالية، بينما تمنحها لشرائح أخرى في المجتمع اليهودي.

التعليقات