31/10/2010 - 11:02

"ستروما الجديدة" الشراع أقوى من العاصفة../ صقر أبو فخر

لا نحتاج، نحن العرب أو الفلسطينيين، إلى أي برهان إضافي عن أن إسرائيل دولة إرهابية في صميم تكوينها، فلدينا، في تاريخنا الحديث، مئات البراهين والوقائع الدامغة.

لكن العالم ربما يحتاج إلى برهان أكثر سطوعاً من البراهين القديمة كي يقتنع أن الدولة الإسرائيلية هي دولة فاشية حقاً، ودولة عنصرية في نهاية المطاف. وهؤلاء المحاربون الذين تعمدوا بالملح قبل رحيلهم إلى شاطئ فلسطين، كانوا يتوقعون أن يتعمدوا بماء اللجج أيضاً. غير أن إسرائيل، لحماقتها، رغبت في أن تعمدهم بالدم، وتُصعدهم قرابين إلى إلهها الرعوي الذي يتشوق، في كل يوم، إلى رائحة الشواء.

***

ها هي إسرائيل تعيد ابتكار تقاليد الشعوب الهمجية القديمة، فتتنمر على المسالمين في أشرعتهم البيض، وتفتك بهم مثل فتك الضباع بالأيائل النافرة. وهذا ليس غريباً على «العقل الصهيوني» الوارث للتقاليد الفاشية ـ الدينية التي شهدتها أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر. وعلى سبيل المثال، فقد نسفت الهاغاناه في 25/11/1940 الباخرة «باتيريا» وعليها مهاجرون يهود غير شرعيين منعتها سلطات الانتداب من الدخول إلى ميناء حيفا بغير إذن، فقتل 240 يهودياً.

وكان قصد الصهيونية آنذاك إحراج بريطانيا التي أرادت مسايرة العرب، ولو قليلاً، فطلبت من الباخرة المغادرة إلى موريشوس.

وفي 24/2/1942 نسفت الهاغاناه الباخرة «ستروما» في ميناء اسطمبول وعليها 700 يهودي لم تسمح لهم بريطانيا بالدخول إلى فلسطين في معمعان الحرب العالمية الثانية.

وفي 20/6/1948 أمر دافيد بن غوريون، أحد الآباء الكبار لإسرائيل، بنسف الباخرة «ألتالينا» وإغراقها في البحر لأنها كانت تحمل أسلحة لجماعة «حيروت» المعارضة، فغرق فيها 15 يهودياً.

***

إذا كان آباء الصهيونية قد سلكوا مثل هذا المسلك الهمجي حتى مع اليهود أنفسهم، فهل يستغربنَّ أحد منا أن يكون مسلكهم، ولو بعد اثنين وستين عاماً على إغراق «ألتالينا»، مختلفاً عن الوقائع الحية لتاريخهم؟ الغريب أن تأتي ردة الفعل العربية أقل بكثير من ردة الفعل التركية على هذا اليوم الدامي. فقبل ثمانية وستين عاماً أغرق الصهيونيون باخرة يهودية في ميناء اسطمبول. والبارحة أرادوا إغراق باخرة آتية من تخوم اسطمبول، قبالة شاطئ فلسطين عند تخوم مصر، بينما كانت في رحلة سلمية لكسر الحصار عن أهل غزة... وبقية القصة باتت معروفة.

بدأت الصهيونية في روسيا القديمة كأحد منتجات الإرهاب، وانتهت في فلسطين إلى ممارسة الإرهاب بعينه، وكان «أحباؤها» رواداً وأوائل في النسف والخطف والتفخيخ.

فهم أول من مارس خطف الطائرات حين اختطفوا في سنة 1954 طائرة مدنية سورية لمبادلتها بجنود إسرائيليين معتقلين في سوريا. وكانوا أول من استعمل الرسائل الملغومة في قتل خصومهم مثل العلماء الألمان في مصر سنة 1962، والدكتور أنيس صايغ وبسام أبو شريف في سنة 1972. وهم من أوائل من لجأ إلى قتل الرهائن حينما قتلوا في سنة 1947 عدداً من الرهائن البريطانيين في ناتانيا. وكانوا أول من استعمل طريقة نسف السفارات بالحقائب المفخخة حينما أرسلوا إلى السفارة البريطانية في روما حقيبة مملوءة بالمتفجرات ونسفوها.

وكانوا رواداً وأوائل في دحرجة البراميل الملغومة على السكان الآمنين كما فعلوا حينما دحرجوا هذه البراميل من «هدار هاكرمل» على حيفا سنة 1948. ومارسوا عمليات نسف القطارات بركابها المدنيين مثلما فعلوا بأحد القطارات على سكة حديد طبرية ـ بيسان.

قائمة الإرهاب الصهيوني طويلة جداً، وهي لم تبدأ باغتيال غسان كنفاني سنة 1972 أو كمال ناصر سنة 1973، أو محمود الهمشري في باريس سنة 1973 أيضاً، وقبلهم وائل زعيتر في روما سنة 1972، ومحمود صالح في باريس وفتحي الشقاقي في مالطا سنة 1995، وأبو علي مصطفى في رام الله سنة 2001، وجهاد جبريل في بيروت سنة 2002، وعماد مغنية في دمشق سنة 2008، ولا ننسى بالطبع محمد بودية وعبد العزيز الرنتيسي وأحمد ياسين وخضر سلامة، ولم تنته باغتيال ياسر عرفات سنة 2004. لنتذكر أيضا كيف دمر الطيران الإسرائيلي 13 طائرة مدنية لبنانية في مطار بيروت سنة 1968، وكيف أسقط طائرة مدنية ليبية فوق سيناء التي راح في حطامها 104 أشخاص بينهم صالح مسعود أبو يصير.

***

هل تكون ردات الفعل العربية الشعبية أدنى بكثير من ردات الفعل التركية؟ يا للخجل إذاً! ويا للخجل ثانية إذا لم تدشن العواصم العربية المقهورة بالوجود الإسرائيلي رحلة الخلاص من هذا الوجود. فلتُغرق السفارات الإسرائيلية في القاهرة وعمان (وفي غيرها) تحت ركامها. ويا للخجل من أيامنا اللاهثة في الشتات ما دام الفلسطينيون لابثين على هذه الحال المهينة من الانقسام البشري والجغرافي والسياسي، فليرُمَ بأولياء الأمور في غزة ورام الله بالحُرم الوطني، فربما نشد جسومنا إلى بعضها مثل «ذات الصواري».
"السفير"

التعليقات