31/10/2010 - 11:02

"سندفع، لا بد، ثمنا لغلطة المحكمة العليا".. فلتدفعوا جزءا من الثمن!../ ناصر السهلي*

أريك سيناي كتب في "يديعوت أحرنوت" بعنوان سندفع، لا بد، ثمنا لغلطة المحكمة العليا" والتي نشر ترجمتها موقع عــ48ـرب يوم 23 يناير.. معلقا على قرار المحكمة العليا بقانونية مشاركة الأحزاب العربية وعلى رأسها التجمع في الانتخابات القادمة بعد حملة هستيرية عنصرية عملت على إقصاء العرب عن المشاركة في الانتخابات تحت ذات التهمة السخيفة التي يسوقها الكاتب بـ"التطرف" وتهميش "المعتدلين".. وفي صيغة "سندفع" يقصد سيناي "الدولة اليهودية الديمقراطية"، رغم أنه لاحقا يُوضح بأن جزءا من عرب الداخل "ليسوا خائنين"..

إذا كان سيناي وأمثاله يشعرون بالذعر تجاه "عدم الاخلاص" عند عرب الداخل واتهام قيادات وأحزاب عربية معينة بـ"التطرف" فليتشجع قليلا هو وأمثاله.. وربما معه جوقة متحدثة بلغة عربية.. للإعتراف الصريح والواضح بأن إنسانا عاقلا لا يمكنه إلا أن يكون متناقضا مع حالة الإرهاب المنظم الذي تمارسه "دولة اليهود الديمقراطية"..

فهو وأمثاله ممن يقودون حملة على الشعب الفلسطيني روحها التطرف والاستعلاء والاستخفاف بدماء من جرى قصفهم وحرقهم في غزة تحت حجة "القضاء على منظمة إرهابية"، لا يقولون الحقيقة كاملة.. وإن كانت تلك الحقيقة عادت إلى الوعي أينما راقب أريك سيناي مشهد ردود الأفعال حول العالم باستثناء "دولة الديمقراطية" التي مارست الأكاذيب تلو الأكاذيب وفرضت من التعتيم ما فرضت على مواطنيها بحجج وأوامر عسكرية ينصاع لها "الإعلام الديمقراطي" المدجن في خدمة العسكراتية الصهيونية..

من الحقائق التي لم يذكرها في سياق تبرير حالة الاقصاء والاستخفاف بعقول اليهود قبل العرب هؤلاء الذين تجندوا لحمل المناشف والماء لغسل أيدي المجرمين من جنود وضباط من سفكوا دماء الأبرياء من الأطفال والنساء في غزة وتدمير أطرافها تدميرا همجيا مع استخدام الفوسفور الأبيض، أن تعالي الأصوات والمرافعات لمنع أحزاب عربية من المشاركة في الانتخابات سبقت الهمجية الممارسة في غزة.. والحقيقة التي تُغيب عن الجمهور اليهودي لا تتعلق فقط بما جرى في غزة، بل حتى في غرق "الديمقراطية" في وحل العنصرية وصناعة الفاشية التي تجلى مشهدها في عكا ويافا والدعوات لاجتياح مدن عربية في الداخل..

من العجيب أنه لدى كتاب البروباغندا الصهيونية يوجد نفس عنصري لا حد له في إستغفال العالم بلغة عبرية، معتقدين أن لا أحد يهتم بمتابعة ما ينضحون به.. فحول العالم يوجد يهود ممن نعرفهم أكثر من معرفة هؤلاء الذين يمارسون الهستيريا باسمهم في "دولة الديمقراطية".. وأعتقد بأن نعوم تشومسكي خائنا كما هم الذين خرجوا يتظاهرون في عواصم العالم من اليهود الرافضين لممارسات الجنرالات باسمهم.. وهو يعني أن كتابا على شاكلة سيناي لا يرون شيئا غير ما يدور في مخيلتهم المريضة بمرض العنصرية المزمن في عصر ما بعد الصهيونية، ولا يريدون الاعتراف بأن 2009 ليس عاما رومانسيا كما صورت سنوات "الرومانسية الصهيونية" في أربعينات وخمسينات القرن الماضي.. هم يعيشون فيما أرادوه لكل يهودي حول العالم، ولا أعتقد أنهم يُدركون ما يفكر ويقول به مشاهير من اليهود لم يختاروا "دولة الديمقراطية" وطنا أو غيتو آخر من منعزلات بن غوريون الذي كان يُرسل " طلائع المخلصين" لتخليصهم بالمتفجرات في ذات الوقت الذي كانت الارض تحرث لتصير الى "أرض بلا شعب"..

من الجيد أن يعترف هؤلاء في موجة جنون العظمة أن شعبا فلسطينيا موجودا فوق أرضه يجب إستكمال "الحل" في التحريض المريض عليهم بل والدعوة العلنية لاستكمال تهجيرهم بلغة صحفية تخيرهم أن يتركوا أرضهم " للعيش في ظل حكم غزة أو رام الله"، تماما كما جاء على لسان هذا الكاتب الذي يقدم الصورة الأوضح عن مجموعة الموتورين المرددين بكل غباء واستغباء ما تريده المؤسسة الحاكمة..

ذلك الاعتراف الضمني الذي يذكرهم بنسف كل الأكاذيب الصهيونية هو الدافع الاساسي لكل مصطلحات التناقض مع "الديمقراطية" و" حرية التعبير" التي يدعي مطلقوها أن لا أحد في العالم يشبههم..

لكن أية خطيئة يرتكبها أصحاب الأرض الأصليون؟
" على كل مواطن أن يحترم وثيقة الإستقلال وطابع إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية".. هذه هي المعضلة الأساسية.. فعن أية مواطنة يحدثنا هؤلاء؟

مواطنة تقبل بكل أشكال النهب والسرقة للأرض لمصلحة أحفاد الموتور ليبرمان.. أم المواطنة التي تحاصر المدن العربية وتمنعها من أن تخرج من حالة الخنق الجغرافي المفروض لمصلحة إعتلاء العنصر الصهيوني المستورد من روسيا.. أم المواطنة التي تتهم وتطالب بإقصاء تجمع سياسي بناءا على انتماءاته القومية.. ويا للمفارقة العجيبة.. يحق للروسي المستورد أن يرفع علم روسيا في أزمتها مع جورجيا وأن يؤسس الروس حزبا سياسيا وأن يترشح عتاة التطرف من تلاميذ كهانا وغولدشتاين لإنتخابات تطالب بمحاكمة ودعوة ترحيل وقتل شعب آخر جذوره في الأرض قبل أن يحلم أجدادهم بوجود الصهيونية.. وأما "الوفاء" في ظل " الديمقراطية" التي تنتقي على من تُطبق لا يحتاج "الوفاء" الى كثير من العمل لكشف زيفه.. نظرة بسيطة لسائح أو زائر لمدن وقرى العرب، أو ما تبقى منها، مقارنة بكل الامتيازات التي تقدمها المؤسسة الحاكمة للتجمعات اليهودية على أراضي أصحاب الارض من الفلسطينيين العرب ستفي بالغرض لاكتشاف المقصود بمسألة "الاخلاص والوفاء"..

قتل مجموعة من العرب لا يستحق من ماكينة الدعاية الرسمية ومن يدور في فلكها تساؤلات في العمق عن الطريق الذي تقود من خلاله المؤسسة الحاكمة اليهود وغير اليهود من "مواطنييها".. أما قتل عربي ليهودي يدفع بهؤلاء إلى مجموعة من التحليلات التي ترد لجمهورها دون مقدمات كثيرة ذلك السلوك إلى "الجينات".. ويا لها من "ديمقراطية" وعنصرية واستعلائية فجة..

تماما كما هي اليوم الحملة على جمال زحالقة، تتم على أساس أن عقل الفلسطينيين لم يخضع ولم يتأسرل ولم يُدجن في حدود "دولة اليهود الديمقراطية".. إنها سخرية حقيقية.. لنتخيل علمانيا اسرائيليا مثقفا أو كاتبا يطالب في يديعوت أحرنوت أو هآرتس أن ينصهر السياسي والمثقف الفلسطيني في الداخل في "يهودية الدولة".. فماذا يبقى من العلمانية؟

يتضح أكثر فأكثر لماذا د.عزمي بشارة مطلوب تصفيته، لا لشخصه بقدر محاولة تصفية الفكر الذي انتشر بعد سنوات من تسيد خطاب سياسي وفكري يرى العربي الجيد من منظار التماهي مع تلك "الديمقراطية اليهودية" التي لا مثيل لها على الاطلاق في نواحي الأرض.. بل من المفترض أن تتضح أكثر فأكثر للمترددين في صفوف فلسطينيي الداخل ما قصدته المؤسسة الصهيونية الحاكمة في لعبة إرخاء الحبل وشده لأسرلة العقل ومحاصرته كما تحاصر الأرض..

يراد مثلا أن يتفرج فلسطينيي الداخل على آلة الذبح الممارسة بإسم "الديمقراطية" في غزة والاستخفاف بقيمة ومعايير القوانين الدولية في كل الاراضي المحتلة.. وأية أفكار أو ممارسات تتناقض وتلك الرغبة تصبح على رأي الكاتب سيناي ( وغيره كثيرون) خيانة!

أتذكر أن زيارة مسؤول ألماني وإلقاء خطاب في الكنيست أثارت اليسار واليمين الصهيوني.. بعد أكثر من 60 عاما على غياب النازية.. وإذا كانت اللغة بحد ذاتها تستفز ذاكرة هؤلاء، فما المقصود من أن لا يتذكر زحالقة والشعب الفلسطيني في الداخل أن اللد والرملة ويافا وعكا وحيفا وترشيحا والمجدل وصفورية وكل قرية وبلدة عربية حولتها المذبحة إلى مستعمرة باسم آخر لمصلحة المستوردين باسم "الدين" بأن كل الأرض الفلسطينية كانت عامرة بشعبها.. البسيط حقا والذي لم يتعرف على أشكال وصنوف العنصرية إلا مع قدوم جحافل العصابات الصهيونية وايغالها بالدم والتهجير.. لماذا مسموح لخزعبلات تذكر "أبو حصيرة" في أرض مصر، وممنوع أن يتذكر الفلسطيني جورج حبش ابن هذه الارض التي يريد محو وجودها وشعبها هؤلاء العنصريون؟

المنع القائم على " الكارثة" هو إعتراف ضمني بكارثة صهيونية حقيقية.. ولو إستطاع ليبرمان ومن على شاكلته ومن يبرر له أن يعيدوا تسييج المدن والقرى العربية كمخرج وإراحة للعقل الباطني المعترف بهزيمة واضحة يُعبر عنها بشكل موتور بين الفينة والأخرى.. بالذهاب إلى الحرب لقتل الأطفال والنساء.. أو بزيادة وتيرة الممارسات السادية المباركة بلسان توحد الديني المتطرف والمدعي العلمانية من أحزاب الانتهازية!

واضحة بشكل لا لبس فيه معاني "لا مواطنة بدون الوفاء للدولة" اليهودية كما يقول سيناي وغيره.. ربما هو حلم لم يتحقق.. وهو بالتأكيد لن يتحقق.. ولن يستطيع هؤلاء سوى طرح المزيد من الأسئلة بدل الاعتراف بأن الحل يكمن في مكان آخر.. ومجرد بقاء التجمع الوطني الديمقراطي حلقة من حلقات إثبات أن الثمن المطلوب دفعه ليس إلا جزءا يسيرا من ثمن كبير ستكتشف الحركة الصهيونية متأخرة بأنها ما عادت قادرة على قراءة الواقع ولا كل المتغيرات حول العالم.. لقد ولى زمن "الرومانسية الصهيونية" وحلت مكانه ذاكرة أخرى عند شعوب وحركات وأحزاب في هذا العالم.. ذاكرة سيكتشف أريك سيناي وكل جوقة المؤسسة الحاكمة ومسانديها وحتى من العرب الذين يرضون بالأسرلة بأن زمنا آخرا ولد بعد تراكم الصبر والصمود والعمل الخلاق والفكر الذي زُرع ليحصد صلابة لا تسر تلامذة جيبوتنسكي وبن غوريون وبيغن!

التعليقات