31/10/2010 - 11:02

10 ملاحظات عن الدولة الواحدة../ زهير اندراوس

10 ملاحظات عن الدولة الواحدة../ زهير اندراوس
أولاً: ليس سراً أنّ للنضال أشكالاً عديدةً لدى أبناء الشعب العربي الفلسطيني، فكل يناضل من موقعه، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه العجالة: ما هو دور الفلسطينيين، الذين يعيشون في موطنهم، فلسطين، وليس في دولتهم، إسرائيل؟ بادئ ذي بدء، يجب القول الفصل إنّ قضية الكفاح المسلح محسومةً بالنسبة لفلسطينيي الـ48: بمعنى أنهم، ومن أجل المحافظة على أرضهم وتشبثهم بالأرض، التي طُرد منها السواد الأعظم من الفلسطينيين، خلال النكبة، على الأقلية العربية الفلسطينية في مناطق الـ48 أن تناور فقط ضمن الحيّز المتاح وفق قوانين الدولة العبرية، أو ما تبقى من ديمقراطية إسرائيل المزعومة، لقطع الطريق على العنصريين الإسرائيليين، وهم كثر، من المطالبة بالتضييق عليها أكثر، مع أنّ الحكومة الحالية التي يقودها الثلاثي نتنياهو- باراك- ليبرمان، ليست بحاجة إلى ذرائع لشرعنة العنصرية بواسطة الكنيست الإسرائيلي والأجهزة الأمنية في الدولة ضدّ أصحاب الأرض الأصلانيين.

ثانياً: في الآونة الأخيرة طفت على السطح مسألة الدولة الواحدة في فلسطين التاريخية، وتمّ عقد العديد من المؤتمرات في لندن ومدريد وبوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية لمناقشة هذه الفكرة من قبل مفكرين وأكاديميين فلسطينيين، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، جاء في إعلان بوسطن أنّه آن الأوان للاعتراف بأن تقسيم فلسطين إلى كيانين سياسيين ليس عدلاً ولا عملياً، وأنّ رؤية الدولة الواحدة هي الفكرة الوحيدة التي تتمتع بالقوة والوضوح الأخلاقي لتجاوز ما يحيط بالأزمة حالياً وتقدم للمنطقة سلاماً عادلاً، لأنّ حل الدولتين، حتى إذا سلّمنا بأنّه حل محتمل، مصمم لكي تكون إسرائيل دولة ذات غالبية يهودية، ولهذا لن يفلح في تحقيق أي من الحقوق والمصالح الفلسطينية، بل أنّه سيمنح إسرائيل تفويضاً مطلقاً للتمييز ضد المواطنين الفلسطينيين، وأكد الإعلان أيضاً على أنّ تقسيم فلسطين إلى كيانين سياسيين ليس عدلاً ولا عملياً، وأنّه كان على مدى العقود ملهاة تحرف الأنظار عما يحتاجه السلام العادل والدائم في منطقة الشرق الأوسط.

ثالثاً: غنيُ عن القول إنّه ليس هناك اليوم فلسطيني يتمتع بكامل الحقوق التي يتمتع بها اليهودي الإسرائيلي. فالفلسطينيون الذين نجوا من الطرد بعد تأسيس دولة إسرائيل في عام 1948 يُعتبرون هم وأبناؤهم مواطنين من الدرجة الثانية، وذلك يعود بكل بساطة إلى أنهم ليسوا يهوداً. إنهم يعانون أشكالا منهجية مؤسساتية من التمييز والتهميش السياسي ويتعرض رزقهم ومعاشهم لتهديدات عنصرية تتزايد ضراوة يوما بعد يوم. أما الفلسطينيون الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة فإنهم، منذ عقود، يرزحون تحت نير احتلال عسكري وحشي، إذ أن آلافاً منهم قتلوا أو جرحوا، فمنهم من دمرت بيوتهم أو نهبت أراضيهم، ومنهم من أتلفت أو سلبت مصادر رزقهم ولقمة عيشهم وضربت على حركتهم في مناطقهم قيود شديدة، وسدت في وجههم سبل التعليم والعناية الصحية، وبذلك أصيب أطفالهم شيئاً فشيئاً بمعوقات جسدية أو عاطفية مؤلمة. أما القسم الأعظم من الفلسطينيين الذين فرض عليهم العيش في المنافي أو في مخيمات اللاجئين فإنهم محرومون من حق أساسي من حقوق الإنسان ألا وهو حق العودة إلى وطنهم، وذلك لأنهم، بكل بساطة، لم يولدوا يهوداً، ولا غضاضة بالتذكير بأنّ اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات داخل لبنان يعيشون في غيتوات، وتمنعهم السلطات من العمل في أكثر من سبعين مجالاً.

رابعاً: أقطاب السلطة الفلسطينية في رام الله المحتلة يعارضون جملةً وتفصيلاً حل الدولة الواحدة، ووصل الأمر برئيس الوفد الفلسطيني المفاوض، أحمد قريع (أبو العلاء) إلى تهديد إسرائيل، بأنّها إذا لم توافق على منح الفلسطينيين دولة مستقلة في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، فإنّهم سيصلون إلى الدولة الواحدة، وهو المبدأ الذي ترفضه الأغلبية العظمى في الدولة العبرية. بالإضافة إلى ذلك، لا يغفل على أحد أن العديدين من قياديي منظمة التحرير الفلسطينية، من الذين يسيطرون على الموارد الحيوية، ويحتكرون كثيراً من المؤسسات التي يفترض أنها أقيمت لخدمة الشعب الفلسطيني، يعارضون مبدأ الدولة الواحدة، وعندما صرح أحمد جبريل، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة، مؤخراً بأنّه يدعو إلى إقامة دولة واحدة على كامل التراب الفلسطيني، تعرض لحملة سافرة من قبل مفكرين وأشباه المفكرين، الذين باشروا بحملة مهاترات ومزايدات على هذا الزعيم الفلسطيني، الذي لا يُمكن لكائن من كان، أن يشطب تاريخه النضالي.


خامساً: مع كل الاحترام والتقدير للاجتهادات المختلفة من قبل المفكرين والأكاديميين الفلسطينيين، الذين ناقشوا فكرة الدولة الواحدة، وتوصلوا إلى النتيجة الحتمية بأنّها الحل الأمثل للقضية الفلسطينية، فإنّ نقاشاتهم تبقى في إطار الأكاديمية، وبالتالي هنا يكمن النقص فيها. وهنا يُطرح السؤال: ما هو دور الأقلية الفلسطينية في الداخل من هذه القضايا ومسائل أخرى تتعلق بحاضر ومستقبل الشعب العربي الفلسطيني، فهذه الأقلية تُشكل جزءاً لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، ومن واجبها الأخلاقي والوطني أن تفرض نفسها على الساحة الفلسطينية وبقوة، لأنّ أبناء هذه الأقلية هم لاعبون أساسيون في القضية، لأنّها قضية الشعب الفلسطيني برمته، وبالتالي على القيادة العربية في الداخل الانتقال من مرحلة التلقي إلى مرحلة المبادرة، ما يعني أنّه يتحتم عليها أن تطرح تصورها بالنسبة لمبدأ الدولة الواحدة بغض النظر عن الموافقة عليه أو معارضته.

سادساً: الفلسطينيون في إسرائيل يتمتعون، خلافاً للفلسطينيين في الأرضي المحتلة منذ عدوان الخامس من حزيران (يونيو) من العام 1967، وخلافاً للاجئين في الشتات، بنوع معين من حرية التنقل، وبالتالي فبإمكانهم التوجه إلى الدول العربية وطرح تصوراتهم بالنسبة لحل القضية الفلسطينية، كما أنّه باستطاعتهم عرض موقفهم على المجتمع الغربي، وإسماعه الرواية الفلسطينية من وجهة نظرهم، وهذه ليست منّة من أحد، بل واجب عليهم.

سابعاً: يجب تذكير من نسي أو تناسى أنّ الحركة الوطنية الفلسطينية، وتحديداً منظمة التحرير الفلسطينية، منذ اتفاق أوسلو المنقوص وغير القابل للحياة، تبنت إستراتيجية خاطئة مفادها أنّه يتحتم على الفلسطينيين في إسرائيل أن يوافقوا على كل اتفاق تتوصل إليه مع الدولة العبرية، وهكذا كان اتفاق أوسلو، حيث تمّ استثناؤهم واستثناء اللاجئين من المعادلة الفلسطينية، وأكبر مثال على تهميش فلسطيني الداخل من الحل، هو موافقة مهندسي أوسلو على الشرط الإسرائيلي القاضي بعدم إطلاق سراح الأسرى السياسيين من عرب الداخل باعتبارهم، وفق مفهوم أقطاب الدولة العبرية، من المواطنين الذين خانوا دولتهم وقدّموا المساعدة للعدو، الذي تحّول إلى صديق، في أثناء الحرب.

ثامناً: حتى هذه اللحظة ما زال الفلسطينيون في مناطق الـ48 في حالة تهميش كاملة بالنسبة للحل الأمثل للقضية الفلسطينية، وذلك نابع فيما نابع، من تقصير مؤسف لبعض القيادات العربية في الداخل، التي نأت بنفسها، لأسباب موضوعية أو ذاتية، عن المشاركة في صنع القرار الفلسطيني، على الرغم من أنّ فلسطينيي الداخل هم أيضاً ضحايا النكبة، وبالتالي على الأحزاب والفعاليات السياسية في الداخل أن تطور مفهوم المشاركة في تصور حل القضية الفلسطينية.

تاسعاً: من أجل الانتقال من مرحلة ما يمكن تسميتها بالموافقة الضمنية على كل حل تتوصل إليه القيادة الفلسطينية أو منظمة التحرير الفلسطينية مع الدولة العبرية يجب أولاً نقل النقاش من خارج البلاد إلى داخل فلسطين التاريخية، أي أن يشمل الحوار والنقاش في موضوع الدولة الواحدة أيضاً عرب الـ48، لأنّ الحل سيكون هنا وليس في لندن التي كان يتغنى الآباء والأجداد بها ويقولون في المناسبات التي سبقت النكبة: مندوب (أي المندوب السامي في عهد الانتداب البريطاني) خبّر دولتك، لندن مرابط خيلنا.

عاشراً: ولكي لا تبقى فكرة الدولة الواحدة في المجال النظري، وحبراً على ورق، فلا بدّ من العمل السياسي المكثف لخوض غمار تحريك هذه الفكرة والسعي بها قدماً وإلى الأمام، لأنّ الضمان الوحيد لكي تتحول الأقلية العربية الفلسطينية في الداخل إلى لاعب مركزي في الحل المستقبلي، هو في إطار الدولة الواحدة الديمقراطية والعلمانية، التي يعيش فيها العرب واليهود.

التعليقات