31/10/2010 - 11:02

أشعر بالخجل عندما يتحدث عباس عن الفلسطينيين../ عبد القادر ياسين*

أشعر بالخجل عندما يتحدث عباس عن الفلسطينيين../ عبد القادر ياسين*
ترددتُ كثيراً قبل أن أكتب هذا المقال، وسبب ترددي أن البعض قد يفسر حديثي هذا وكأنه «رَدْح» على الطريقة المصرية، أو «انفلات» اللغة، وأن الناس «مقامات»، وبالتالي فإن من العيب أن أخاطب «الرئيس» بهذا الأسلوب.

إن «العيب»، في رأيي المتواضع، ليس في وضع النقاط على الحروف؛ وإنما العيب كل العيب أن يصرح من «يمثل» الشعب الفلسطيني بهذا الموقف المخزي، من دون أن يرفّ له جفن.

لست من المدافعين عن «حركة المقاومة الفلسطينية» (حماس)، فالحركة تملك المئات من الكوادر والكفاءات الفلسطينية للدفاع عن مواقفها. ولا أزايد على أحد عندما أقول إنني لا أتفق مع البرنامج السياسي للحركة، لأنني أرفض أي نظام يقوم على الدين، ولأنني ضد استخدام الدين في السياسة... ولكنني، رغم كل ذلك، مناصر للحركة لأنها تعبر بصدق عن طموحات شعبنا الفلسطيني وحقه في الحياة الحرة الكريمة.

أجرت «هيئة الاذاعة البريطانية» مقابلة مؤخراً مع رئيس «السلطة الوطنية الفلسطينية» محمود عباس كرَّرَ فيها مسلسل الأقاويل التي تعودنا أن يتحفنا بها بين الفينة والأخرى.

فقد زعم عباس ان حركة المقاومة الإسلامية «تتفاوض الآن مع اسرائيل سراً» في جنيف على «دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة»، وأن قراره بعدم ترشيح نفسه للرئاسة «قرار نهائي» وأشار الى «احتمال إرجاء الانتخابات لعام او ما يقارب ذلك».

وبرَّرَ ذلك بقوله إن الانتخابات «ستتأخر بسبب رفض حماس الموافقة على إجرائها»، وأخذته العزة بالإثم فأكد أن الانتخابات ستجرى في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، اذ لا بد من ان تقوم القيادة الفلسطينية بأخذ إجراءات، فلا نريد فراغاً دستورياً بعد انتهاء ولاية (المجلس) التشريعي والرئاسة».

وقال إن الدكتور عزيز الدويك، رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، «لا يحق له ان يتولى الرئاسة ما دام الرئيس موجوداً ولم يستقل ولم يفقد أهليته»، مشيراً إلى أن هذا ليس من حقه، فـ «من جاء بانقلاب وخالف الدستور لا يحق له الحديث بالدستور» ...(كذا..!!)

واتهم عباس حركة حماس بأنها «تمنع المقاومة في غزة وتتغنى بها»، وكرَّر أسطوانته المشروخة بأنه «رجل سلام ومع السلام»...

وعلى الرغم من تصريحات صائب عريقات، مسؤول ملف المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية، للعديد من الصحف والمجلات، بأن المفاوضات مع إسرائيل «لم تؤد إلى أية نتيجة»، فقد أكد عباس ان شعار المفاوضات «لم يسقط بعد». وقال إن السلطة الفلسطينية «لم تتنازل طوال مفاوضاتها مع اسرائيل عن اي حق من حقوق الشعب الفلسطيني» ....(كذا...!!)

غني عن البيان أن هذه ليست المرة الأولى الذي يتحدث فيها «الرئيس» الفلسطيني بمثل هذه الطريقة، ففي لهجة لا تخلو من الاستهتار بتاريخ شعبنا الفلسطيني ومعاناته طوال ستين عاما، كال «الحاج» محمود عباس ذات يوم، وهو بملابس الحج في يوم التروية في مكة المكرمة، التهم لأبناء شعبه حيث وصفهم بـ «مشركي قريش» و«القرامطة»!

كان ذلك بعد أسابيع من اتهامه حركة المقاومة الإسلامية بـ «إيواء» تنظيم «القاعدة»، في محاولة مستهجنة وغير مسبوقة لتحريض العالم ضد شعبه!

لقد تملكني شعورٌ بالغضب لأن «الرئيس» الذي يفترَض أن يمثل عشرة ملايين فلسطيني وصل إلى هذا الدرك، وقال في شعبه ما لم يقله مالك في الخمرة...

ولكن...«إذا عُرفَ السبب بطل العجب»... فعباس الذي يُفترَض أنه يمثل شعباً مناضلاً، يتصرف وكأنه مدير علاقات عامة في أحد فنادق الخمسة نجوم ... هذا الرجل الذي لا يملك أي تاريخ نضالي ولم يتردد لحظة في أن يفاخر بأنه «لم يحمل مسدساً» في حياته، والذي أصبح بقدرة قادر الأمين العام لحركة التحرير الوطني الفلسطيني، «فتح»، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والقائد العام لقوات الثورة الفلسطينية.

هذا الرجل يزايد على المناضلين و المجاهدين و يصفهم بالمهربين، ويصدر أوامره «الرئاسية» بإعفاء القادة والضباط الفلسطينيين من مناصبهم بحجة رفض أوامره بتوجيه أسلحتهم إلى صدور إخوتهم في النضال.

ولا يترك فرصة تفوته لإطلاق عبارات الاستنكار والتنديد والشجب والإدانة لكل عمل مقاوم ضد العدو الصهيوني، بل وصلت به الوقاحة إلى أن يصف العملية الاستشهادية التي قامت بها «حماس» في تل أبيب بـ «العملية الحقيرة»، وصواريخ المقاومة الفلسطينية بـ«العبثية»... وأنها «تعطي المبررات لإسرائيل لاستهداف المدنيين».

منذ أن أصبح «رئيساً» لم يكلف عباس نفسه ولو مرة واحدة عناء تقديم التعازي لعائلة شهيد، أو لزيارة عائلة جريح أو معتقل!

بعد فضيحة تقرير القاضي السابق ريتشارد غولدستون حول الانتهاكات التي ارتكبت خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في شهر كانون الأول الماضي، سألني لارش أوهلي Lars Ohly ، زعيم “حزب اليسار السويدي” وأحد أبرز المؤيدين للنضال الفلسطيني في السويد: «هل من المعقول أن يصدر عن زعيم فلسطيني ما لم يعد يصدر عن كثير من زعماء الأحزاب اليمينية في أوروبا..؟ ماذا سنقول لكوادرنا ومناضلينا بعد كل ما حدث؟».

لقد شعرت بالخجل الشديد عندما طلب مني رئيس تحرير مجلة « Folket i Bild»، أكبر الصحف اليسارية في السويد وأوسعها انتشاراً، أن أكتب مقالا «أفسر» فيه ما يحدث الآن في فلسطين... وشعرت برغبة دفينة في البكاء عندما قال لي انه لا يستطيع بعد اليوم أن يدافع عن الفلسطينيين، إذ «لا فرق بينكم، أنتم نخبة النخب العربية كما كنتَ تذكرني دائماً وبين قبائل البلوش في أفغانستان. ما الفرق بين عباس وكرزاي...؟!».

لقد أصبح الدّم الفلسطيني ممتهناً رخيصاً، لأن عباس يريد أن يحتكر الحكم، والقيادة، والإمساك بالقرار السياسي... رغم كل ما يدّعيه عن «زهده» في الحكم. ومعاناة الفلسطينيين لا تعني شيئاً لمن يرى أن سلطته العتيدة تحظى برعاية باراك أوباما، وصداقة شمعون بيرس، ومباركة «خادم الحرمين».

إن حق شعبنا الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي حق كفلته المواثيق الدولية وميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي... وقد أثبت شعبنا الفلسطيني، من خلال قوافل الشهداء التي قدمها على مدى ستين عاماً، أنه لن يتنازل عن هذا الحق.

لقد قرأت (وأعدت قراءة) تصريحات عباس منذ توليه السلطة وحتى اليوم، ولم أعثر في أي منها على كلمة «مقاومة»... باستثناء تلك التي زعم فيها أن «الحكومات في العالم كله لا تتبنى المقاومة» وأن «الحكومة يفترض أن لا تمارسها» وأن «كلمة المقاومة لا تصلح»... يتحدث عباس وكأن الفلسطيني مواطن في موناكو أو لشتنشتاين... وأن عليه بالتالي ـ ان يتحاور مع «العالم الحر» بأسلوب «حضاري» يليق بالمقام...

في الانتخابات الأخيرة التي شهدتها هنغاريا، قدم رئيس الوزراء البرنامج السياسي لحزبه... وتبين، فيما بعد، أنه خدع الجماهير في برنامجه الانتخابي... وأقامت أجهزة الإعلام الهنغارية الدنيا ولم تقعدها، وانطلقت المظاهرات احتجاجاً على الخداع الذي تعرضت له الأمة. أما في السلطة الفلسطينية العتيدة فيخرج علينا ياسر عبد ربه ونبيل أبو ردينة، وغيرهما لتبرير كل تصريحات «الرئيس» وأفعاله...

يقف شعبنا الفلسطيني أعزل إلا من إرادته وإيمانه بانتصار الحق والحياة، يحمل على كاهله تاريخه المجيد الذي يمتد مئة عام من النضال... وإن كان هذا التاريخ عبئاً على الكاهل لا يمكن إزاحته أو التخلي عنه، فإن شعبنا الصابر يعرف أن قدره التصدي في وجه هذه الغزوة مهما كلف الثمن ومهما غلت التضحيات.

ليس ثمة شك في أن عباس يدرك جيداً أن لقمة الخبز التي سيجود بها الاتحاد الأوروبي لها ثمن فادح، وهو هدر ما تبقى من الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، وكرامته الوطنية، ومسخ كل معاني الاستقلال الوطني. إن لقمة الخبز المغمسة بالدم التي يكدح الفلسطيني من أجلها تعني، أولا وقبل كل شيء الكبرياء والكرامة، ذلك أن العبيد والأذلاء أعجز من أن يحرروا وطناً...

ولا يحتاج المرء إلى ذكاء خارق أو عبقرية فذة ليدرك أن «المساعدات» التي تقدمها الولايات المتحدة والدول الأوروبية لشعبنا الفلسطيني ليست سوى الثمن الذي تريد أن يدفعه الفلسطينيون بالتنازل عن حقوقهم التاريخية، وأن أقصى ما يمكن أن تجود به هذه الدول هو فتات تبقيهم على قيد الحياة، شريطة القبول بكل ما تمليه الولايات المتحدة وإسرائيل من شروط لا يقبلها إلا كل من تجرد من الإحساس بالكرامة الوطنية.

إن أبسط ما يمكن أن يقال في تصريحات محمود عباس وبطانته أنه كلام رخيص لا يليق بقائد لشعب يناضل منذ أكثر من مئة عام، وكمواطن فلسطيني فإنني أشعر بالخجل من نفسي، وتصيبني قشعريرة كلما خطر ببالي أن عباس يتحدث باسم عشرة ملايين فلسطيني....

التعليقات