31/10/2010 - 11:02

أنظمة الإعتدال تتهيأ للرقص على أنغام مشروع تسووي جديد- قديم../ عوض عبد الفتاح

أنظمة الإعتدال تتهيأ للرقص على أنغام مشروع تسووي جديد- قديم../ عوض عبد الفتاح
يتهيأ بعض العرب والسلطة الفلسطينية لاستقبال مبادرة الرئيس الأمريكي الجديد وهم مجردون من كل أوراق القوة. هؤلاء الذين ارتبطوا وارتهنوا لمشاريع التسوية التصفوية، والدائرون في فلك العم سام ساهموا بأيديهم وعن سبق إصرار بتجريد أنفسهم من عناصر القوة التي راكمتها قوى شعبية، عربية وفلسطينية، في السنوات العشر الأخيرة، ابتداءً من انتصارات المقاومة اللبنانية إلى انتصارات المقاومة العراقية، مرورًا بصمود سوريا أمام الضغوط الأمريكية، وانتهاء بصمود الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة.

أما الورقة الإيرانية، رغم كل تحفظاتنا الشديدة على الدور الإيراني في العراق، فتم تحويلها إلى ورقة قوة في أيدي الأنظمة العربية التابعة أمريكيًا، ليس بالمفهوم المنطقي والقومي، بل بمفهوم مقلوب وعبثي بل انتحاري، بمفهوم الإصطفاف إلى جانب اسرائيل ضد إيران ومكانتها الإستراتيجية وموقفها المساند من المقاومة اللبنانية والفلسطينية.

ويبدو أنه لا يقلقهم طبيعة مبادرة باراك أوباما ما إذا كانت مختلفة جذريًا عن المبادرات الأمريكية أو تكرارًا لها، بل ما يقلقهم هو استعداد الإدارة الجديدة فتح حوار مع إيران والبحث معها على نقاط لقاء مصالح. ونقلت مصادر صحفية إسرائيلية عن مسؤول سعودي، قوله إنه يستخف بخيار الإدارة الأمريكية للحوار، وأنه لا خيار في نهاية المطاف إلا الخيار العسكري. لا عجب أننا لم نرَ من هذا النظام أو غيره موقفًا حازمًا مشابهًا ضد الذي يحتل فلسطين والقدس وأراضي عربية أخرى، يرتكب الجرائم.

إذًا، هذا هو الإطار الذي يريد العرب فيه أن يلجوا الحلقة الجديدة من التسوية موهمين أنفسهم أنه بمقدورهم إذا ما تحالفوا مع إسرائيل ضد إيران، أن يحسنوا مواقعهم، أو يحصنوا أنظمتهم خاصة بعد أن أوغل بعض هذه الأنظمة في نفق التعرض للمقاومة اللبنانية والتشهير بها على خلفية مذهبية أو على خلفية انتهاك سيادة هذه الأنظمة بعد أن فشلوا في حملة التشهير بهذه المقاومة على خلفية الإتهامات بالمغامرة أو بالتحالف مع بلد ليس سنيًّا. وهكذا يصبّ هذا التوجه كليًا في مصلحة التحالف الأمريكي – الصهيوني.

هؤلاء، يتجاهلون عن قصد، أن تحالفهم مع العدوان الأمريكي على العراق عام 1991 وعام 2003، لم يجلب لهم غير الذلّ والهوان.. وغير التآكل في مصداقيتهم أمام شعوبهم. فالإدارات الأمريكية، الديمقراطية والجمهورية لم تتخلّ عن دعم المشروع الكولونيالي الإسرائيلي.

طبعًا، إن الطرف الذي سيكون الأكثر تضرّرًا بصورة مباشرة من هذه الحلقة الجديدة، ومن هذا التحالف، هو الشعب الفلسطيني الذي يعاني يوميًا من تبعات جريمة إغتصاب وطنه واستمرار السيطرة عليه. ذلك أن الرئاسة الفلسطينية وفريقها، اختارت أن تتخلى أيضًا عن نقاط القوة، المقاومة (بل تشارك في حصارها) ليس بالمفهوم العسكري فحسب، بل بالمفهوم الشعبي أيضًا. في حين أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة تحتضن كل ما يعرف باليمين المتطرف.

انتعاش التسوية

هكذا منذ تغيّر الإدارة الأمريكية وقدوم إدارة جديدة، تنتعش مرة أخرى عجلة التسوية والمراهنة على الراعي الأمريكي، مما يهدد بإدخال الفلسطينيين في حلقة مفاوضات مفرغة جديدة، وبتكريس الإنقسام الكارثي داخل الحركة الوطنية.

إن التعاطي مع مشاريع التسوية منذ عقود ثلاثة تقريبًا، والذي ترافق مع تغييرات هيكلية للإقتصاد المحلي وللعقيدة الأمنية، أفرز سيكولوجيا (نفسية) تتميّز بالإبتعاد عن روح النضال والمواجهة والتحدي، ليس على المستوى العسكري فحسب، بل على المستوى السياسي – على مستوى المواقف الوطنية الصلبة. ومن إفرازات نهج التسوية أيضًا تفكيك العلاقة العربية القومية مع القضية الفلسطينية وتجزئة القضية إلى قضايا وملفات فرعية لتسهيل تصفيتها.

بعض الأطراف العربية الرسمية المنتشية بقدوم الرئيس الأمريكي الجديد أوباما، وتتحرك بوهم التأثير على الرئيس الجديد بدون تحضير بدائل -بدائل سياسية، وشعبية ودولية - لمواجهة سقوط الأوهام القادم والمراهنة المطلقة على الراعي الأمريكي، بل إن هذه الأطراف تتهيأ لتقديم تنازلات على المبادرة العربية. ولننظر كيف إنهرقت السلطة الفلسطينية أو تهورت في تشكيل حكومة جديدة؛ متحدية حزبها، حركة فتح.. ومتحدية إرادة القسم الأعظم من الشعب الفلسطيني الذي يريد نهاية للإنقسام لا تعميقه وصبّ الزيت عليه. الرئاسة الفلسطينية في رام الله، تريد على ما يبدو، عوضًا عن تأمين الرواتب، أن تلتقي أوباما ومعها حكومة فلسطينية مهما كان شكلها وشرعيتها وهزالها. تريد ألا يرى البعض أن الإدارة الجديدة لا يمكنها الإعتماد على حكومة على هذه الدرجة من اللاشرعية والضعف.

لا غضاضة أن تحاول الأطراف العربية المختلفة التأثير على إدارة أوباما. ولكن أوباما ليس حاكمًا مستبدًا فهو جزء من مؤسسة ضخمة، لها استراتيجيتها، وثوابتها ومصالحها، وتحالفاتها على المستوى الداخلي، وعلى مستوى العلاقة مع إسرائيل ومع أنظمة عربية فاقدة للشرعية وللإرادة والمصداقية. وبالتالي، فإن المُغيّب هو استراتيجية عربية – فلسطينية جديدة تقوم على الوضوح، والحزم، وعلى العمل الجماعي. هل هذا سيحصل، وهل هناك من يقوم بهذه المبادرة الشعبية؟ ليس واضحًا. ذلك أن المعارضات العربية تعيش أيضاً أزمة حقيقية، ربما باستثناء المعارضة اللبنانية التي قدمت نموذجًا رائعًا. كما أن تحالف أنظمة عربية مع إسرائيل ضد إيران الذي تتحدث عنه الإدارة الأمريكية، كعنصر جديد، لن يكون بابًا مساعدًا للعرب، بل سوطًا جديدًا يـُلهب به التحالف الأمريكي الإسرائيلي ظهر الأمة العربية وكل قوى المقاومة والممانعة في المنطقة.

ليست هذه الأطراف، اللاعب الوحيد في المنطقة، بل يمكن لطلائع الأمة أيضًا أن تخربط حسابات الأعداء والعملاء، كما فعلت المقاومة اللبنانية والممانعة السورية والمقاومة العراقية والمقاومة الفلسطينية.

باختصار، الإنخراط في المبادرة الأمريكية الجديدة القديمة – والقريبة من رؤية بوش البائسة، لن يؤدي إلا إلى المزيد من تكريس الأمر الواقع طالما ظلّ البديل القومي السياسي والشعبي، غائباً أو متعثرًا.

التعليقات