31/10/2010 - 11:02

إيران بين خياري الحرب والشراكة في إدارة العالم../ خالد خليل

إيران بين خياري الحرب والشراكة في إدارة العالم../ خالد خليل
"نحن على استعداد للمشاركة في إدارة العالم"- على هذا النحو تفهم إيران دورها ليس الإقليمي فقط، وإنما العالمي ايضًا. وقد عزز الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد هذا الموقف في كلمته المميزة خلال مؤتمر ديربان "2" المنعقد هذه الأيام في سويسرا، عندما انتقد بشدة احتلال العراق وأفغانستان والعدوان على غزة، معتبرًا أن أوروبا وأمريكا تتحملان مسؤولية تفشي العنصرية وحالة عدم الاستقرار السائدة في العالم وما تفرضه السياسات الغربية من ظلم واستبداد في كافة أنحاء المعمورة.

هناك في العالم العربي من يعتبر هذه المواقف الإيرانية الواضحة بمثابة شعارات تهويشية، وتندرج في إطار التغطية على حقيقة المشروع الإيراني في الشرق الأوسط، الهادف إلى "تشييع" المنطقة وتحقيق الأطماع القومية الإيرانية التوسعية فيها على حساب الأمة العربية وأهل السنة تحديدًا، وأن مطالبة أحمدي نجاد بإصلاح الأمم المتحدة وإلغاء حق الفيتو في مجلس الأمن، الا جزء من عملية "التشييع" الخطيرة تلك. بالطبع لا تخفي ايران وجود مشروع أمن قومي لديها، يأخذ بعين الاعتبار أمن الخليج والدول العربية المحيطة بها، علاوة على روسيا وأفغانستان وتركيا وغيرها من دول المنطقة. كذلك فإنّ القادة الإيرانيين على اختلاف تياراتهم يظهرون على الدوام اعتزازًا وافتخارًا قوميين قلما تجد مثيلاً لهما في المنطقة العربية.

ولا شك أن المشروع الإيراني لا يستند فقط إلى الأيديولوجية الدينية والرصيد الأخلاقي منقطع النظير للرئيس أحمد نجاد، وإنما بالأساس يعتمد على مصالحها الاقتصادية ودورها الاقتصادي، إضافة إلى مصالحها السياسية وموقعها الجيوسياسي المرتبط بأمنها وأمن المنطقة على السواء.

وعلى الرغم من ذلك تكتسب الأيديولوجية الدينية (وليست المذهبية)، أهمية خاصة في تحديد موقف إيران من الصراع الدائر في العالم والمنطقة، حيث ما زالت إيران الثورة بقيادة أحمدي نجاد تتمسك بقراءتها الأصلية لطبيعة للمشروع الأمريكي والأطلسي في المنطقة، على أنه مشروع معادٍ للشعوب ومصالحها، ويهدف إلى تفكيكها والسيطرة عليها لضمان مواصلة نهب خيراتها.

وقد لوحظ من خطاب نجاد في مؤتمر ديربن استناد هذه القراءة على مفهوم "العدالة الإلهية"، المستند بدوره إلى خطاب ديني إسلامي مصبوغ بطابع أممي إنساني يرتكز على علاقة الإنسان بالخالق، غير مقتصر على المذهب أو الطائفة، وغير متنكر لهما في ذات الوقت.

إن هذا المرتكز الإنساني كما يبدو هو الرد المبدئي على توجهات أوباما الأخيرة التي تدعو في السياق الثقافي إلى "الإحترام المتبادل" والعزوف عن تقسيم العالم إلى قوى الخير وقوى الشر وفقًا لإدارة بوش، والاحترام المتبادل يعني بعرف الإيرانيين "المشاركة في إدارة العالم" في السياقات الاقتصادية والسياسية كما صرح نجاد سابقًا.
إذًا نحن أمام دولة قوية تصنف ذاتها في مصاف الدول العظمى، مستندة بذلك إلى قوتها الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، ومدعمة بإرادة سياسية نافذة، مستمدة من روح الثورة الإيرانية المؤسسة على أيديولوجية دينية ومرتكزات إيمانية صلبة.

لقد أثبتت إيران على مر العقود الثلاثة الماضية، التي هي عمر الجمهورية الإسلامية، أنها بلد مستقل، بكل ما للكلمة من معنى، على الرغم من المقاطعة والعقوبات الأمريكية والغربية، وعلى الرغم من زجها في أتون حرب مدمرة مع العراق لمدة ثمان سنوات، كان من المفروض أن تنهكها اقتصاديًا وتخضعها سياسيًا.

فإيران التي تعتبر رابع أكبر دولة منتجة للنفط، وتمتلك ثاني أكبر احتياطي من النفط العالمي، لم تكتفِ بهذا القدر من الامتيازات لأنها تعرف أن هذا الاحتياطي سينضب بعد 60 عامًا، في أحسن تقدير، ومن الطبيعي عندها أن تفقر جميع الدول التي تعتمد بشكلٍ كلي على هذا المورد كما هو الحال في دول الخليج العربي. لذلك كان من الطبيعي لدولة تحترم نفسها البحث عن بدائل للطاقة، فوجدتها في مشروعها النووي لتخصيب اليورانيوم.

إنّ الأهمية القصوى لهذا المشروع لا تكمن فقط في توفير القدرة على إنتاج سلاح نووي، مع كل ما يترتب عليه من ردع أمني لإسرائيل والدول الأخرى التي تمتلك مثل هذه الأسلحة، وإنما بالأساس تكمن أهميته في القدرة على إنتاج الوقود النووي الذي يشكل بديلاً فعليًا وناجعًا لمصادر الطاقة الحالية من الغاز والنفط. وبهذا تكون إيران قد دخلت المستقبل على هذا الصعيد، كما دخلته قبل ذلك على صعيد الفضاء بإطلاقها صاروخًا يحمل قمرًا صناعيًا، ضمن تكنولوجيا متقدمة تنفرد بها مع عشر دول في العالم.

من جانب آخر لم تستطع المقاطعة والعقوبات شل الاقتصاد أو إعاقة التبادلات التجارية، ونجحت إيران بولوج كثير من الأسواق في المنطقة وبخاصة السوق التركي والروسي، حيث يبلغ حجم التبادل السنوي مليارات الدولارات وازداد في السنة الأخيرة مع تركيا لوحدها بـ 45% لتبلغ قيمته خلال ثمانية أشهر ما يقارب 8 مليارات دولار أمريكي.

وتفيد التقارير التركية أن 17% من وارداتها من الغاز الطبيعي هي ايرانية المنشأ. وكذلك هو الحال أيضًا بالنسبة لروسيا.
ومن ضمن الاتفاقات التجارية مع تركيا أن يبلغ حجم التبادل التجاري خلال السنوات الأربع القادمة ما قيمته 20 مليار دولار (ويبدو أن حجم الزيادة الكبيرة في العام الماضي يؤشر إلى إمكانية تجاوز هذا الرقم بكثير).

علاوة على ذلك فقد استطاعت طهران، بسبب قراءتها الصحيحة للخارطة الاقتصادية والسياسية العالمية، نسج علاقات اقتصادية وتجارية متطورة مع الدول غير التابعة للحلف الأمريكي مثل الصين ودول أمريكا اللاتينية وبخاصة فنزويلا، التي أبرمت مع إيران اتفاقيات تجارية طويلة الأمد يصل حجمها إلى عشرات المليارات من الدولارات.

وعلى الرغم من بروز خلافات بين الحين والآخر مع دول الخليج العربي، إلا أن إيران عملت على تعزيز العلاقات معها على أساس التبادلات التجارية وتوفير امتيازات لرجال الأعمال العرب فيما يتعلق بتسهيل حركة المرور مع إيران وتخفيض رسوم المنطقة الحرة في "قشم" بنسبة 50%، وغير ذلك من الإغراءات التي تشجع التجارة البيتية مع دول الخليج.

ما من شك أن هناك حالة من الشك والريبة في العلاقات بين إيران ودول الخليج، مصدرها الملف النووي الإيراني واحتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث: طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى، إلا أن ترابط المصالح الوثيق بين الطرفين يبقي المجال مفتوحًا لحل هذه القضية بالوسائل السلمية وهو أمر مقبول على إيران والدول العربية، خاصة أن مسألة أمن الخليج العربي وثيقة الصلة بعلاقات حسن الجوار مع المحيط الإسلامي وبالتحديد مع إيران الند الرئيسي للمشاريع الأخرى في المنطقة.

إن إيران بوصفها قوة عظمى في المنطقة هي المؤهلة لتوجيه هذه العلاقات الوجهة الصحيحة، خاصة وأن دول الخليج رغم صداقتها مع أمريكا تنزع إلى تثبيت الاستقرار في المنطقة واستبعاد لغة القوة من دائرة الحلول المطروحة، باعتبار أن أي حرب قادمة سيكون لها كبير الأثر على زعزعة الاستقرار في هذه الدول، بغض النظر من هو الرابح في هذه الحرب.

إلا أنه في الجانب الآخر هناك تحريض دائم من قبل النظامين المصري والسعودي على إيران بأنها تشكل تهديدًا خطيرًا لأمن الخليج الذي هو عمق الأمن القومي المصري، كما يحلو لأبواب النظام وصفه صبح مساء.
(يقال إن هذين النظامين طلبا من أوباما تأجيل الحوار مع إيران إبان قمة الدوحة الأخيرة لربما يستطيعان اتخاذ موقف عربي موحد ضدها!!! ويعتقد أن النظام المصري لم يرسل تمثيلاً عاليًا للقمة لأنه وصل إلى قناعة بأن اقتراحاته بهذا الصدد وبأمور اخرى لن تقبل داخل القمة).

ومما لا لبس فيه أن كثافة التأليب الممنهج من قبل الأنظمة المذكورة تأتي بتوجيه من الإدارة الأمريكية التي ترغب باستعداء أكبر قدر ممكن من دول المنطقة ضد إيران لاستخدام ذلك ورقة في أية مفاوضات قادمة معها.
وباعتقادي أنه رغم أن المتغيرات العالمية، وبشكلٍ خاص تفاقم الأزمة الاقتصادية، تؤشر باستبعاد سيناريو الحرب ضد إيران، إلا أن هذا الخيار يبقى واردًا حتى في ظل الأزمة الاقتصادية لأن أكثر ما يؤرق الولايات المتحدة ويهدد مصالحها في المنطقة هو المشروع الإيراني، الذي تؤكد الجمهورية الإسلامية عدم مساومتها عليه تحت أي ظرف من الظروف. لذلك فإنّ استبعاد الحرب مرتبط بمدى جاهزية الولايات المتحدة لتقديم تنازلات جوهرية تسلم بدور إيران الإقليمي كدولة عظمى في المنطقة.

ويرى المراقبون للشأن الإيراني بأنّ الولايات المتحدة قد تستخدم نفس الاستراتيجية التي استخدمتها مع العراق إبان احتلاله للكويت، أي إيجاد مسوغ لضربها عسكريًا من خلال تأليب الرأي العام ضدها.
إلا أن هناك اعتقادًا سائدًا أيضًا بأنّ شعوب المنطقة تدرك بالفطرة، إن لم يكن بالوعي، بأن أي شيء يأتي من أمريكا لا يمكن أن يكون إلا بغير صالح الشعوب، وتدرك أيضًا أن الأمن القومي العربي مرتبط حتمًا ببعده الإسلامي وليس بالتبعية لأمريكا ومشتقاتها.

وإيران "نجاد" التي ما زالت تتمسك بمبادئ الثورة الخمينية، من المفترض أنها تغلب البعد الإسلامي على البعد القومي الفارسي، حيث يستدعي صراعها مع أمريكا والغرب نضجًا في عدم استعداء أمة العرب التي تشكل حليفًا طبيعيًا وعمقًا استراتيجيًا لها.

التعليقات