31/10/2010 - 11:02

اسمعْ يا غلام: أمثولة عن حزب النازيّة اللبنانيّة../ د.أسعد أبو خليل*

اسمعْ يا غلام: أمثولة عن حزب النازيّة اللبنانيّة../ د.أسعد أبو خليل*
إذا كان أهل البيت يُطربون للذلّ فما نفع التنبيه؟ وإذا كان قسم كبير من أهل البلد يقاوم الاستقلال والحريّة، فما نفع عيد للاستقلال ـ ولو مرّة كلّ عشر سنين؟ ما نفع السيادة في بلد يصمت فيه السياديّون ـ ولا سيما البطريرك الماروني الذي لبس لباس العروبة ليوم واحد في 6 حزيران ــ عن الاكتشاف المتسلسل لشبكات تجسّس إسرائيليّة؟ ماذا كان سيكون موقف هؤلاء لو كانت تلك الشبكات سوريّة أو إيرانيّة؟ أسوأ من ذلك، هناك من يقول إنّ المتّهم بالعمالة لإسرائيل زياد حمصي نشط انتخابيّاً حتى لحظة توقيفه (كان «سياديّاً» هو الآخر).

وآل حزب عقيدة الأرزة باتوا من الثوابت في تاريخ لبنان المعاصر: ومنهم برز على مدى حقبة مظلمة في تاريخه المعاصر أسوأ لبناني في تاريخ البلد على الإطلاق: من سعى إلى تبوّؤ منصب رئاسة جمهوريّة إسرائيليّة على كل أرض لبنان. قُضي على المشروع بالضربة القاضية. ويأتي إلى مجلس مبعوثي الطوائف (المُنتخب حديثاً) في لبنان ممثلان اثنان عن عائلة حزب المؤسِّس.

ولكن إذا كان الجيلان الأول والثاني من العائلة مخيفين بقدرتهما على التأثير في وضع الكيان وروابطه الخارجيّة، فإن الجيل الثالث مهزلة «عن حق وحقيق». هم مثل إيلي ماروني (الذي يرصد نفقات وزارته الموقّرة لدعوة الجمهور اللبناني للتصويت على الإنترنت من أجل جعل مغارة من مغارات لبنان ـ ولا مغارات ولا حمّص إلا في لبنان طبعاً ـ عجيبة من عجائب الدنيا السبع. لو أن لنا قدرة على التصويت لجعلنا من فساد النظام اللبناني الذي يأتي بإيلي ماروني نائباً ووزيراً عجيبة من عجائب الدنيا السبع).

وماروني هذا يضع اللمسات الأخيرة على خطة لاقتحام مواقع حزب الله في لبنان ونزع سلاحه لطمأنة إسرائيل. لا ندري إذا كان ماروني سيستعين بكسّارات زحلة (وهي في قلب نقولا فتوش الذي ـ الحق يجب أن يُقال ـ كتب أبلغ الكلام في مديح آل الأسد حتى إن تقلّباته استحقّت هي الأخرى أن تُدرج في عجائب الدنيا السبع، وفي كسّاراته من الصخور أكثر مما في جعيتا).

لكنّ موضوعنا يتعلق بنائب لبناني جديد دخل الندوة النيابيّة مثله مثل والده: وراثة على النمط الإقطاعي التقليدي الذي يحظى باهتمام الأنثروبولوجيا لا علم السياسة. العصا كانت تفوز في قوائم أحمد الأسعد في الجنوب خلال زمن غابر، والعصي تفوز اليوم في قوائم زعماء الطوائف.

اسمع يا غلام، واسمع جيداً. شاهدتك قبل أسابيع وأنت تقرأ بعض الكلام العامّي المكتوب (وقراءة الكلام العامّي المكتوب باتت موضة سياسيّة مألوفة، لأن النطق والحديث يصعبان على أمثال سعد الدين (الحنيف) الحريري وميشال معوض ونديم الجميّل ونايلة التويني («الكاتبة» في جريدة «النهار» ـ عليك ان تصدّق أن جدّها استكتبها لمواهبها الكتابيّة في اللغة العربيّة) وغيرهم.

أنت طالبتَ بيوم حداد وطني لتكريم عمّك ـ النازي اللبناني الصغير، وأضفت كلاماً مُتعاطفاً عن عملاء جيش لحد وجزّاريه. وعند إعلان لائحتكم الانتخابيّة بزعامة رفيق رستم غزالة ونديمه في مرحلة سابقة، سخرتَ من أهل غزة، وقارنتَ بين غزة و«حضاريّة» لبنان، وعدت لتكرّر كلامك أثناء حملتك الانتخابيّة التي نصّبتك بإرادة سعوديّة ممثّلاً لأمة (حرّاس) الأرز. انصتْ يا غلام، وانصتْ جيداً. أيامُكم وسنوات مجدكم الميليشياوي الفاشي ومجد راعيكم في إسرائيل ولّت ولن تعود. لَوّح لتلك الأيام المظلمة من تاريخ لبنان بالمناديل لأنك لن تراها ما حييت، ولن يراها أولادك وأحفادك من بعدك.

اسمع يا غلام، يا من نطق أول كلامه فيما كان ضباط العدو وجنوده يجولون في قصر بعبدا: مسخ الوطن تغيّر، وتغيّر كثيراً عن أيام كانت تستقبل فيها عائلتك أرييل شارون في قصر العائلة في بكفيا. يوم كانت زوجة النازي اللبناني الصغير تقوم بإعداد أطباق الطعام بيديها لأن شارون يستذوق طعامها، كما روى في مذكراته. وقد روى أيضاً أن الرجل الذي تريد أنت أن يُعلن لبنان الحداد عليه سنوياً كان يتلذّذ بأداء دور سائق لشارون خلال تجواله السرّي في لبنان أيام الحقبة الإسرائيليّة. أسوأ لبناني يستحق أن يُدرج على رأس قائمة العار في التاريخ اللبناني. هذا ما يستحقّه، لا أكثر.

أما اليوم، فلا يجرؤ جنود إسرائيل على الاقتراب من الحدود مع لبنان. الجندي الإسرائيلي بات يخاف المقاوم اللبناني يا غلام. أوَتدري عمق التغيّر في الصراع مع العدو الإسرائيلي؟ أوَتدري حجم المتغيّرات في مسخ الوطن الذي لخّصتموه في تلك الأرزة المستوحاة من الأعلام النازيّة التي بهرت جدّك؟ هاك أمثولة في التاريخ، لعلك تتعلم وتتعظ. أنت تحتاج إلى درس في التاريخ والجغرافيا والآداب العامة حتى لا نتحدّث عن الديموغرافيا واللغة الرسميّة للبلاد.

جدّك يا فتى كان أول ناقل للنازية إلى ربوعنا العربيّة، يا فينيقي (أنت الذي لم يدخل الحلبة السياسية إلا بأمر من الأمير مقرن وموافقته، لا تزال تؤكّد للوفود الأجنبيّة التي اجتمعتَ بها أخيراً ـ كما أخبرني واحد من تلك الوفود ـ أنك فينيقي ولست عربيّاً). شاهد الألعاب الأولمبيّة في برلين وفُتن بالنازيّة وبتنظيمها وعقيدتها العنصريّة. لم يخف إعجابه بالتجربة النازنية عندما صرّح لعدد مجلّة «العمل» السنوي بأن تجواله في ألمانيا وإيطاليا والنمسا دفعه لإنشاء الكتائب: «... فشاهدت بأم عيني تلك الشبيبة المنظمة، وهداني ذلك إلى التفكير في تنظيم شبيبتنا اللبنانيّة على مثالها». (بيار الجميل، «العمل» السنوي لعام 1966) سلبت عقله الفاشيّة ونظريّة تراتبيّة الأعراق والجماجم والسلالات البشريّة، وعاد إلى لبنان لينشئ حركة فاشيّة.

لم يجهد حتى لتغيير الاسم: أخذه من حركة فرانكو. وكما تنادى اليسار العالمي لمحاربة فاشية فرانكو، تنادى اليسار العربي لمحاربة فاشية آل الجميّل ـ وفي هذا فخر لليسار العربي (فخر اليسار والشيوعيّة العالميّة أنهما كانا أول من تنبّه إلى خطر الفاشيّة والنازيّة عندما كانت الليبراليّة الغربيّة واليمين متصالحين معهما. ولكن يبقى اتفاق ستالين مع هتلر وصمة عار).

حزب النازيّة اللبنانيّة الذي أسّسه جدّك لم يخض انتخابات نيابيّة منذ 1951، معتمداً على نفسه وعلى أموال المحازبين. تقول المراجع العبريّة إن حزب الكتائب ـ يُسأل عن ذلك الياس ربابي الذي كان سفيراً للدولة اللبنانيّة وسفيراً للصهيونيّة في لبنان ـ بدأ بتلقّي المعونات النقديّة من أجل تحسين التمثيل النيابي للحزب منذ 1951 ـ فيما كان يصيح بشعارات السيادة الفارغة.

وكان يُطلب منه تنفيذ الأوامر، لا أكثر، وإن كان يتذرّع (مثله مثل مُتلقّي الرشى في العرش الهاشمي) بأنه من الصعب نشر فكرة الصلح مع إسرائيل، وإن كان حزب الكتائب تقدّم عام 1967 بسؤال للحكومة اللبنانيّة مُطالباً فيه بوقف مقاطعة إسرائيل، متذرّعاً بعدم الجدوى وضرورات الاقتصاد. لعلّ ذلك كان دفعة أولى على الحساب. وفي سنوات الحرب الباردة، استفاد الحزب من العون الغربي والسعودي، لأنه كان رأس الحربة في مواجهة الشيوعيّة. لهذا، فإن الجد كان يكثر من التصريحات المندّدة بـ«اليسار العالمي». تسديد فواتير، ليس إلا. كانت جريدة «المحرّر» تنشر صوراً لأسلحة سعوديّة تستعملها ميليشيات الكتائب في حروبها في لبنان، فيما كانت حواجز الكتائب تقوم بحرق شاحنات سعوديّة محمّلة بالمصاحف. لكنّ خادم المصالح الأميركيّة الأمين يغفر دون الشيوعيّة والمقاومة.

جدّك يا فتى كان من أدخل من الباب العريض العامل الإسرائيلي إلى لبنان، قبل عقود من رواية جوزف أبو خليل المضحكة عن رحلة في عرض البحر إبان الحرب الأهليّة. بيار الجميّل الجد كان على علم بدور إلياس ربابي (كان سفيراً للدولة اللبنانيّة لعقود مثلما كان أديب العلم المُتهم بالتجسّس لحساب العدو يتبوّأ منصباً رفيعاً في جهاز الأمن العام ـ قل إنها الدول المدنيّة) في تلقّي الأموال من إسرائيل لدعم حملات حزب النازيّة الانتخابيّة منذ الخسمينيات.

الخمسينيات، يا فتى: أي قبل عقود من اندلاع الحرب الأهلية. اندرج جد العائلة في مشروع أميركي ـ إسرائيلي لمحاصرة النظام المصري من كل الجهات بعد فشل العدوان الثلاثي. لم يستطع كتائبيّو المرحلة آنذاك الزعم أنهم يحاربون ضد «الغرباء» من الفلسطينيّين. كان العامل الفلسطيني منعدماً، لأن المكتب الثاني كان يفرض حكماً بوليسياً في مخيّمات اللاجئين (فات نقولا ناصيف ملاحظة ذلك في كتابه الموسوعي عن المكتب الثاني). كانوا يحاربون أبناء وبنات لهم في الوطن، ويزعمون أنهم يحاربون مؤامرة مصريّة.

لكنّ ابنَيْ الجد المؤسّس ورثا المهمّة من والدهما. واحد تعامل مع السياسة كالتجارة: يحافظ على صلات وعلاقات ليبيّة بفتحاويّة بسعودية وقت كان يصول ويجول أثناء المجازر الكتائبيّة في مخيّمات تل الزعتر وضبيّة، وآخر رأى في نفسه (ورأت فيه إسرائيل) النازي اللبناني الصغير الذي ارتهن لإسرائيل (كما ارتهن لجهاز أميركي على ما جاء في كتاب «إرث الرماد» لتوم ووينر). جاء العنيد بعد أخيه: اثنان نصّبتهما إسرائيل في رئاسة جمهوريّة إسرائيل في لبنان خلال أسابيع، وإن كانت حملة الأولى مكلفة ـ من جيب إسرائيل وعرّاب المراحل اللبناني.

سارع إلى عقد اتفاق مع العدو: كان ذلك من أولويّاته. حتى بعض الدبلوماسيّين الأميركيّين رأوا فيه حماسة فائضة للصلح مع إسرائيل. كان يظن أنه يستطيع أن يستهين بمشاعر اللبنانيّين واللبنانيّات. لكنه لم يهمل جوانب أخرى في الحكم: واظب سامي مارون على الاهتمام بالصفقات والاقتصاد... الوطني طبعاً. بدأ العنيد حكمه بالتهديد بقصف دمشق وأنهاه باستجداء الارتماء على أعتاب قصر المهاجرين. لم يزر رئيس لبناني دمشق كما زارها هذا الحريص على السيادة: لو سُمح له، لنقل قصر بعبدا إلى دمشق في آخر سنوات حكمه، لعلّ عبد الحليم خدّام يعطف عليه بتمديد. تقرأ نصوص اجتماعات جنيف ولوزان ونرى كم بدا العنيد ذليلاً بعدما قلبت ميليشيات في بيروت الغربيّة حكمه نتيجة الضيق المتنامي بممارسات ميليشياته (التي تنعّمت بوصف «الجيش اللبناني» آنذاك). كان جيش الرئيس المُنصّب من إسرائيل يدخل إلى بيوت الآمنين ويخطف النساء والرجال. وبرعت أجهزة سيمون قسّيس في التعذيب والتفجيرات ـ على ما يُقال.

ولكن أن تطالب بيوم حداد لأسوأ لبناني فهذا أكثر من كثير. هناك من سيطالب بيوم حداد على ضحايا النازي اللبناني الصغير في السبت الأسود، أو ضحاياه في حارة الغوارنة أو في النبعة أو في تل الزعتر أو في ضبية أو في أماكن أخرى من لبنان حيث بدأت ميليشياته بممارسة الخطف والقتل على الهويّة. لا، لن يمرّ قرار كهذا حتى لو زاد تمثيل حزب الكتائب اللبنانيّة من ثلاثة إلى خمسة في مجلس التمثيل الطائفي، وبكرم من آل الحريري الذين يأتون بهم نوّاباً ـ إلا إذا أقنعتنا بأن أهل طرابلس اعتنقوا العقيدة الكتائبيّة الطائفيّة دون أن ندري.

تريد يوماً للحداد على من كان ينقل جماجم لضحايا من الفلسطينيّين العزّل (على ما روى شفيق الحوت في مذكّرات وكما روى مراسل «ليبراسيون»)؟ تريد يوم حداد لمن لم يأتمر يوماً بإرادة لبنانيّة أو حتى عربيّة؟ لمن كان يودّ أن يحوّل المخيّمات الفلسطينيّة حدائق للحيوانات أو ملاعب كرة المضرب، على ما روت مجلة «تايم» آنذاك؟ تريد لشعب لبنان أن يحتفل بذكرى من أسهم في إشعال الحرب الأهليّة وإطالة أمدها؟

وأنت كنت صريحاً في تقليد العم، وقد يكون في ذلك جرح لمشاعر الأب. يُقال إنك تحفظ عن ظهر قلب خطب العم، ومن الواضح أنك تقلّده في اللهجة والصوت والحدّة، ولكن في زمن آخر، مما يضفي لمسة هزليّة على محاولة التقليد. وإمعاناً في التقليد، تمرّد الحفيد على حزب الجدّ وأنشأ حركة طالبيّة صغيرة تعنى بالانفصال الطائفي عن مسخ الوطن. وعقد ندوات، لكنّ الحرب الأهليّة لم تكن مستعرة، وقد أراد أن يبرز ميليشياويّاً مثل العم. فكان يخوض بطولات ـ زعرنات في شوارع العاصمة ـ واختلق لنفسه ذات مرّة مواجهة بطوليّة ضد هجمة من الضاحية، مع أن وزير الداخليّة آنذاك (حليف والده) كذّبه رسميّاً ومن فوق السطوح. ظهر الحفيد على شاشة التلفزيون يتأوّه من الألم نتيجة اعتداء غاشم تعرّض له من الغزاة الشيعة في الضاحية. أما أن تسخر من شعب غزة وتقول إن على شعب لبنان أن يختار بين غزة والمستعمرات الإسرائيليّة التي حاولت عائلتك أن تقيمها في لبنان، فهذا كثير كثير.

شعب غزة يمثّل الصمود والعزة والصبر والتصميم والثبات والعزم (وهو غير شعار العزم الذي يرفعه الوسطي نجيب ميقاتي من أجل أن يحصل على مقعديْن لا غير في المجلس النيابي)، أما سلالة مؤسّس حزب النازية اللبنانيّة فهي تمثّل الارتهان والكذب والانتهازيّة والشوفينيّة العنصريّة والطائفيّة الهدّامة.

شعب غزة يعاني حصاراً وتجويعاً ولا يركع، أما العنيد فكان يمارس ركعاته دوريّاً على أعتاب قصر المهاجرين حفاظاً على موقع رئاسة حصل عليه من المحتل، وطمعاً بتمديد فاته. شعب غزة يؤمن بثوابت النضال الفلسطيني ضد الاحتلال، والمؤسِّس كان يريد من لبنان أن يغضّ الطرف عن احتلال إسرائيل للبنان، وكان وراء دعوة الجيش السوري للتدخل في لبنان عام 1976 وإسباغ الشرعيّة عليه. أنت تسخر من شعب غزة؟ الأعز على القلب من جيران شعب لبنان غير العظيم؟ شعب غزة يعطي دروساً في البطولة، أما أنتم فتعطون دروساً في تطبيق نظريّة «كويزلنغ» في التعامل مع المحتل. يشرّفك التمثّل بشعب غزة، أنت الذي يساوي بين الكانتون الطائفي والاستقلاليّة.

شعب غزة هو الأمانة والعزة في الفقر، وأنتم صفقات سامي مارون والبوما ومصافحة أنطوان فتال ـ هذا الذي اختاره نظام حزب النازيّة اللبنانيّة لتمثيل لبنان في مفاوضات 17 أيار لأنه وضع كتاباً عنصريّاً بالفرنسيّة ضد الإسلام، مما سرّّ خاطر الراعي الصهيوني لقصر بعبدا آنذاك. أهلنا في غزة هم الرحابة والانطلاق في البحر وفي الجو، وأنتم الانعزال والكانتونيّة الطائفيّة ولبنان العائلة (السياسيّة) المنقرضة.

شعب غزة هو المبدئيّة، وأنتم التقلّب والتلوّن وفق أهواء وطموحات شخصيّة وماليّة. شعب غزة هو التكافل والتعاون على مقاومة العدو، وأنتم الأنانيّة والتقوقع الطائفي البغيض. شعب غزة أطفال يقارعون الاحتلال بالحجارة والصدور، وأنتم الطأطأة أمام المحتل. هم الوقوف في وجه دبابات العدو ضاحكي الوجه، وأنتم استقبال جيش العدو الإسرائيلي بوجوهكم الكالحة.

يوم حداد وطني للنازي اللبناني الصغير؟ «طويلة على رقبتك» كما يُقال في المشرق العربي. هذه لن تمرّ حتى لو زاد عدد نواب الحزب من خمسة إلى ستة. قد يُقام في لبنان يوماً ما تمثال مرمريّ لـ«الرجل الخطير»، لكنّ تكريم النازي اللبناني الصغير يقتصر وسيقتصر على فئة صغيرة من اللبنانيّين ممن سيقضون العمر في حنين دافق إلى حقبة السيطرة الإسرائيليّة في لبنان.

يوم حداد وطني لمن أقام مستعمرة إسرائيليّة في قلب بلد بات يُرمّز به حول العالم لمقاومة إسرائيل؟ لا، لن يمرّ، مهما سايركم غلام تلك العائلة الخاضعة لأوامر الأمير مقرن. النازي اللبناني الصغير يمثّل لقطاع كبير من اللبنانيّين نموذجاً لكل ما هو بشع وحقير وذليل في تاريخ لبنان المعاصر. ولهذا فهو لن ينال يوم الحداد ذاك. ربما يستحق يوماً من التنديد مرّة في السنة (أو 365 يوماً في السنة) لما ارتكبه من جرائم حرب فظيعة، لا ضد الشعب الفلسطيني وحده (لنقضِ على كذبة أن القوات اللبنانيّة خاضت حرباً ضد «الغريب» فقط) بل ضد غيره من اللبنانيّين. ولنتذكّر أن صعود النازي اللبناني الصغير ما بدأ إلا بعدما أثبت تفوّقه الكتائبي في جرائم السبت الأسود.

واعلم يا غلام أننا لن نسمح بتحويل الوطن إلى مستعمرة إسرائيليّة من جديد. إياد نور الدين المدوّر (الذي لم تسمع به وأنت طفل جالس في حضن أرييل شارون في بكفيا) الذي دشّن أول عمليّة للمقاومة الوطنيّة في الجنوب، قضى في أيار 1978، وقد عاهده رفاقه آنذاك على أنهم لن يمكثوا مكتوفين إزاء المستعمرة النازيّة ـ الإسرائيليّة التي أقامها عمك ـ النازي الصغير ـ في ربوعنا.

وهناك من يعاهدك يا غلام ويعاهد آل المؤسِّس: أن اللبنانيّين في المهاجر والمنافي سيبيعون منازلهم وحليّهم وسيلقون بدكاكينهم وكراسيهم الجامعيّة في سلّة المهملات وسينقضّون كالصقور على الوطن لمنع أية محاولة لصهينة البلد من جديد. سيبيعون أطفالهم المساكين لئلا «يصبحوا في الشقق الحمراء خدامين مأبونين مأجورين» كما قال أمل دنقل، ويعودون إلى الوطن عندها مهما كان. بالأظافر سينقضّون يا غلام على الوطن ـ بهدوء وسلم وسكينة، طبعاً، ولن يمنعهم في ذلك عائلة أو عائلتان حتى لو كانتا موغلتين في الارتباط بالعدو وبمصالحه السياسيّة عبر التاريخ. تغيّر لبنان يا فتى وأصبح حزب النازيّة اللبنانيّة من التاريخ المشين ولن تنقذه مبادرات آل الحريري أو آل سعود.

لكنّ المستقبل قد لا يعجبك. لن يستقيم بناء الوطن على مقاس الأمير مقرن أو على مقاس الراعي الإسرائيلي. ومقاومة المقاومة ستبوء بالفشل، حتى لو تدخّلت جحافل وزير السياحة الذي تجذب أحاديثه ملايين السيّاح. ولكن يمكنك أن تربّي كانتونك الخاص بك: يمكن أن تجد قطعة أرض في عرض البحر تناسب مشروعك الطائفي، ويمكن طاهية شاورن الخاصّة أن تعدّ لك لذيذ الطعام، ويمكن وزير السياحة أن يستعين بالشرطة السياحيّة لحماية الكانتون. يمكن.
"الأخبار"

التعليقات