31/10/2010 - 11:02

السياسة وخطة "تطفيش" العاطلين/ عوض عبد الفتاح

السياسة وخطة
منذ عدة سنوات لم تشهد مدينة الناصرة غضباً شعبياً، ولو محدوداً، حول قضايا يومية وهموم حياتية كما شهدت هذا الأسبوع. لقد جاء هذا التعبير الشعبي، سواء بجانبه المنظم أو العفوي، فور بدء تطبيق خطة ويسكونسون التي تستهدف لقمة عيش أكثر من 4500 مواطن نصراوي، يتقاضون مخصصات بطالة وتأمين دخل هي ليست إلا نزراً يسيراً من ريع الأراضي والأملاك التي نهبتها ولا تزال، الدولة العبرية، من الحاضرين والغائبين من المواطنين العرب الفلسطينيين.

الخطة ليست مقتصرة على مدينة الناصرة، إذ يجري تجريبها ايضاً في أربعة مواقع أخرى، بعضها في مدن يهودية، بعد أن جُُرّبت وفشلت في بعض المدن في أمريكا وأوروبا. غير أن أكبر تجمع من العاطلين المستهدفين من هذه الخطة هو في مدينة الناصرة المحاصرة والمستهدفة مثل بقية المدن العربية في البلاد.

لن أتطرق الى الذين غابوا عن الوعي منذ فترة وتحوّلوا الى جهاز بيرقراطي متكلس فقد صلته مع المبادئ التي رفعها وناضل من أجلها مدة من الزمن سوى قلة قليلة منه، والذي بدل أن يراجع نفسه ويعترف بالخطأ عبر إعلان موقف حازم والإندماج الكامل في الجهود لإفشال الخطة، يقوم بالهجوم على من أعاد إطلاق شرارة النضال ضد الخطة بالإحتماء بالماضي شأنه شأن أي أصولي. ورغم ذلك علينا في ضوء الخطر الداهم أن لا يفقد بعض العمال العاطلين عن العمل البوصلة وأن يبقى العمل الوحدوي هو الركيزة الأساسية في النضال وأن تبقي نصال نضالهم موجهة الى السياسة الحكومية.
نحن أمام جمهور كبير من العاطلين عن العمل، في المدينة، وهو جزء من عشرات الآلاف من المواطنين العرب الفقراء والعاطلين في بقية المدن والقرى، معرض أن يفقد ما يسدّ رمق العيش، وأن يتحول أكثر فأكثر الى هامش الحياة المادية والنفسية والمعنوية وبالتالي السياسية.

البعض لا يعرف كيف يعيش هؤلاء العاطلون عن العمل، وكيف يتدبرون أمورهم اليومية، ويتدبرون قوتهم اليومي، وكيف يواجهون حاجات أطفالهم الأساسية ولا يجدون في جيوبهم ما يسدّ هذه الحاجات في معظم الأحيان.

لقد أدركوا وبحسّهم الفطري، انهم عبر هذه الخطة مستهدفون بلقمة عيشهم وبكرامتهم الإنسانية. أن تشطب أسماء هؤلاء من قوائم المستحقين للمخصصات، لتوفير الأموال على الدولة وجهاز قمعها وصرفها على الإحتلال في الضفة الغربية والقدس وتعزيز المستوطنات في الجليل والنقب، يعني المزيد من الفقر، المزيد من الإغتراب، المزيد من الإحباط والمزيد من العنف والإنحراف الإجتماعي والتمزق الأسري والإجتماعي.

لا يصح النظر الى هذه المسألة باعتبارها قضية عمالية صرفة، أو مسألة توفير ميزانيات على الدولة، أو تدريب العاطلين عن العمل.

دافع هذه الخطة في الخارج (أمريكا وأوروبا) هو مواجهة نتائج السياسة الرأسمالية المنفلتة والمعادية لقيم المساواة والعدالة الإجتماعية ولرفاهية الإنسان. وقد دلت الإحصائيات والدراسات خاصة في ولاية ويسكونسن الأمريكية على فشل هذه الخطة.

أما في إسرائيل فإضافة الى وجود هذا الدافع فإن التجربة مع المؤسسة الإسرائيلية تقول أن العرب مستهدفون ومتضررون أكثر من غيرهم.

الخطة تقرّه كجزء من ميزانية الحكومة، والقرار بتشغيل شركات خاصة لتطفيش العاطلين عن العمل وتجريدهم من الفتات عبر طرق ملتوية، هو قرار المؤسسة الرسمية، وكما هو معروف فإن مبنى الميزانية الإسرائيلية هو عنصري، أي أنه لا يأخذ بالإعتبار مع سبق الإصرار حاجات وحقوق المواطن العربي، كفرد وكجماعة. وهذا بطبيعة الحال مستمد من المبنى العنصري للدولة.

لقد أقدمت الحكومات الإسرائيلية في العقدين الأخيرين على مخططات اكثر عداء ضد الناصرة. وهذه المخططات تندرج ضمن مجمل السياسة الإسرائيلية الرسمية ضد العرب. إذ تحولت مدينة الناصرة القائمة منذ قرون طويلة مثل بقية المدن العربية العريقة في فلسطين، الى هوامش وملحقات للتجمعات اليهودية التي أقيمت حولها أو في داخلها ولتتحول مع الزمن الى أحياء مهمشة وكئيبة تلوح منها مظاهر وقشور تبدو حديثة ولكنها مشوهة وغير أصيلة.

لا يمكن فهم هذه الخطة والإجراءات الأخرى في المجال الإجتماعي، بعد أن أعادت اسرائيل الرسمية إنتاج العدو العربي الداخلي (الخطر الديمغرافي) عبر سلسلة من القوانين والإجراءات بمعزل عن السياسة. هي تهدف أولاً الى الحدّ من التكاثر العربي، وثانياً إلى إشغالهم كلياً في الحصول على رمق العيش حتى لا يبقى لديهم الوقت والقدرة على التفكير بالقضايا القومية أو بالمصدر الحقيقي للظلم الذي يعيشونه.

الهدف الثاني ينطوي على قصر نظر تميّز به كل الظالمين على مدى التاريخ، الا وهو تجاهل حقيقة أن هذه السياسة الظالمة تراكم الإحباط الذي أثبتت تجارب حركات الشعوب أنه ينفجر في لحظة ما على شكل هبات جماهيرية، وأحياناً يأخذ هذا الإنفجار شكل ممارسات فردية عنيفة.

المفارقة أن بعض أهل المدينة، ومن أصحاب الحل والعقد، غابوا عن الوعي في الفترة الأخيرة ولم يدركوا الخطورة الحقيقية ما يجري لهذا التجمع العربي والأبعاد المهولة لكل المخطط الذي يجري ضد الناصرة، وليست خطة وسكونسن الا فصلاً فاضحاً وما جرى في الناصرة يومي الإثنين والثلاثاء، على أبواب مراكز التشغيل الوهمية، الا تعبيراً مكثفاً عن تراكمات من الغضب والشعور بالحرمان.

وقد تحول الإحباط الى عنف، وبهذه السرعة، لأنه لأول مرة تمس السياسات شريحة واسعة من الناس مباشرة وفي فترة قصيرة. إذ عادة عندما يجري التحول والإنتقال بهذه الصورة الفجائية الى تنفيذ قرار ظالم ومجحف، وأن تتهدد المعدة والكرامة الإنسانية بهذه الصورة فمن الطبيعي أن تنفطر القلوب وينطلق الغضب.

وفي ظل الفراغ في المسؤولية عن مواجهة هذه الخطة كان من الطبيعي أن تتحرك جمعية نقابية معروفة هي "صوت العامل" التي يرأسها المناضل النقابي وهبة بدارنة ومجموعة كبيرة من العمال المناضلين وأن تتشكل لجنة شعبية تشمل قوى سياسية واجتماعية في المدينة لمواجهة هذه الخطة الظالمة.

كل ما يحصل الآن هو نتاج سياسة رسمية هدفها تحويل المدن العربية الى مجرد فنادق للنوم، عبر نزع مصادر الدخل الأساسية، الا وهي الأرض، وعدم تصنيعها، والإبقاء على القوة العربية ايدي عاملة تعتاش على المجمعات الإقتصادية والمصانع في المناطق اليهودية.

إذاً المسألة ليست نقابية صرفة. إنها مسألة سياسية، إنها مسألة قومية. تستهدف العامل العربي، وتستهدف الفلاح العربي، والمعلم والموظف والتاجر الصغير، ومجمل الوجود العربي في هذه البلاد. إنها سياسة مخططة، شاملة، ولذلك علينا أن ندرج ردنا على المخطط الحالي كجزء من ردّ شامل، وهنا يأتي دور المسؤولية الشامل للقوى العربية وهيئاتها التمثيلية.

التعليقات