31/10/2010 - 11:02

بعد انتهاء العدوان الأولوية للوحدة والإعمار../ راسم عبيدات*

بعد انتهاء العدوان الأولوية للوحدة والإعمار../ راسم عبيدات*
... يبدو أن العدوان عل غزة بالوسائل العسكرية قد انتهى، ولكن لم ينته سياسياً ولا لجهة رفع الحصار وإعادة الأعمار. كما ويبدو لأي متابع سياسي أن يلحظ بأن مسألة استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية رغم شلال الدم الفلسطيني والذي وصل سبعة الآف شهيد وجريح ليست قريبة المنال، وما شاهدناه وما سمعناه من مقابلات متلفزة وتصريحات صحفية لقيادات فتح وحماس يعكس هذه الحقيقة، وهذا سيعكس نفسه سلباً على استمرار حالة الانقسام وتعمقه بشقيه الجغرافي والسياسي، وفتح المجال أمام الكثير من الاحتمالات والتوقعات فيما يتعلق بالمشروع الوطني والحقوق المشروعة لشعبنا الفلسطيني، وحالة التعاطف الشعبي العربي والعالمي غير المسبوق مع شعبنا الفلسطيني على خلفية المجازر التي ارتكبتها إسرائيل في عدوانها على شعبنا الفلسطيني في القطاع، وكذلك المبالغ التي رصدت وتبرعت بها الكثير من الدول للمساهمة والمشاركة في إعمار قطاع غزة، حيث أن الخلاف الفلسطيني المحتدم حول الجهة التي ستتولى الإعمار والإشراف على المعابر قد تدفع بالدول التي تبرعت إلى تجميد تبرعاتها أو سحبها أو تقليل حجمها، وكذلك الإصرار على أن الإشراف على معبر رفح مسؤولية هذا الطرف أو ذاك قد يطيل أمد الحصار ويكون مبرراً لعدم رفعه وإنهائه، حيث هناك إصرار عند كل من طرفي الصراع (السلطة وحماس) بأن تكون عملية الإعمار والإشراف على معبر رفح حصرياً ومن خلاله.

وواضح أن إسرائيل ومعها أمريكا وأوروبا الغربية ودول معسكر الاعتدال العربي معنية بأن تجري عملية الإعمار والإشراف على معبر رفح من خلال السلطة في رام الله، وإذا ما تعذر ذلك لجهة الإعمار تناط العملية بالبنك الدولي. أما إذا استمر الخلاف في الإشراف على معبر رفح فيبقى مغلقاً ويستمر الحصار، وذلك لكي تمنع حماس من استثمار الصمود الفلسطيني لمصلحتها وأهدافها. وهناك طرح آخر يرى بأن تكون عملية الإعمار من خلال لجنة وطنية فلسطينية مستقلة تمثل فيها كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني ومؤسسات العمل الأهلي والمجتمعي، وأعتقد أن هذا الخيار الأقرب للواقعية والصحة.

العدوان الإسرائيلي المتواصل على شعبنا الفلسطيني بكل الوسائل والطرق، يثبت بشكل قاطع ويدلل على أهمية الوحدة وإنهاء التشرذم والانقسام، والتي بدونها يستحيل التقدم نحو تحقيق أهداف شعبنا في الحرية والاستقلال، وهذا ما أكدت عليه كل القمم والمؤتمرات والتصريحات الصحفية العربية والدولية والتي عقدت أو جاءت على خلفية العدوان الإسرائيلي على شعبنا الفلسطيني في القطاع.

ولا نريد أن نجتر المعاني والمفردات بأن المستفيد الأول والأخير من هذه الحالة هو الاحتلال الإسرائيلي، والذي يحلو له دائماً القول بأن ما يقوم به من إجراءات قمعية وإذلالية بحق شعبنا الفلسطيني، هو لخدمة قوى الاعتدال الفلسطيني، وهذا ما تكذبه الوقائع والحقائق، حيث أن الاحتلال يواصل ويكثف عمليات الاستيطان والأسرلة والتهويد، بل ويتعمد إذلال السلطة الفلسطينية القائمة والتي شعبيتها آخذة في التآكل والتراجع، ويسعى أن يظهرها دائماً على أنها حكومة مأجورة على غرار حكومة كرازي أو المالكي، فالتاريخ الفلسطيني لم يشهد ولم يعرف وأظنه لن يعرف مستقبلاً لا رئيساً ولا حكومة فلسطينية بهذا الاعتدال. وهذا الرئيس وهذه الحكومة المعتدلة ماذا منحها الاحتلال على مدار كل السنوات التفاوضية العبثية غير الوعود البراقة والشعارات الجوفاء؟

ومن هنا على الجميع أن يغادر خانة وعقلية الأنا والفئوية لصالح خانة وعقلية المصالح الوطنية الفلسطينية العليا، ففتح غير قادرة على هزيمة حماس وحماس غير قادرة على هزيمة فتح، فكلاهما مكون أساسي من مكونات الحركة السياسية والمجتمعية الفلسطينية، وكلاهما له رؤيته وبرنامجه، ولكن نحن الآن في مرحلة تحرر وطني، والاحتلال بكل تمظهراته العسكرية والأمنية والاقتصادية يتحكم في كل مناحي حياتنا، ولا بديل عن حالة من التوافق على برنامج وطني أساسه وثيقة الوفاق الوطني وبما يفضي إلى تشكيل حكومة وحدة أو توافق وطني انتقالي، مع تأكيدنا على أن أي برنامج أو وحدة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار متطلبات الشرعية الدولية، ومتطلبات الشرعية الدولية لا تعني الاستجابة لشروط الرباعية وإسرائيل من حيث الاعتراف بإسرائيل ونبذ"الإرهاب" أي التخلي عن المقاومة قبل التحرير والاعتراف بالاتفاقيات السابقة، وهذا يعني بالأساس أن ترفع السلطة سقف مطالبها وشروطها نحو الالتزام ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية لعام 1988واحترام القانون الأساسي، فالشروط المطروحة للتسوية عدا أنها لا تلبي ولا تستجيب إلى الحد الأدنى من حقوق شعبنا الفلسطيني، فهي ليست محط موافقة حماس بل والفصائل الفلسطينية الأخرى والكثير من منظمات ومؤسسات العمل الأهلي والمجتمعي الفلسطيني.

من الواضح جداً أنه في ظل تواصل عملية الانقسام وتعذر عملية التوافق الفلسطيني، فإن الدوائر المعادية لشعبنا الفلسطيني، تقوم بوضع حلول منفردة ورسم سيناريوهات لما سيكون عليه الوضع الفلسطيني مستقبلاً، ولعل الجميع يدرك ويعي أن الحرب على غزة في أهدافها المنظورة والمرئية، كانت إضعاف قوى المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس إلى أكبر حد، وكذلك اجتثاث فكر وثقافة المقاومة وخلق أجواء شعبية معادية لها من خلال ما قامت به آلة الحرب الإسرائيلية من عمليات دمار واسعة طالت البشر والحجر والشجر، وهناك أهداف أخرى كان يجري الإعداد والتخطيط لها، ألا وهي إحياء الخيارات المصرية والأردنية وقضية الوطن البديل، وهي التي دفعت بالملك الأردني للحديث عن أن هناك مؤامرة على الشعب والقضية الفلسطينية. وإذا ما استمرت حالة الشرذمة والانقسام والتي معني باستمرارها الاحتلال، لكي يستمر في تنفيذ مخططاته ويتهرب من أية ضغوط دولية وإقليمية تلزمه بالانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، وهنا قد تكون إحدى الخيارات الممكنة هو رمي غزة في حضن مصر، وضم ما تبقى من الضفة الغربية بدون القدس إلى الأردن، أو العمل على إقامة سلطتين بلديتين في غزة ورام الله، على أن تأخذ كل منهما مسمى دولة أو إمارة، أو تقوم حكومة الاحتلال بفرض أمر واقع من خلال سياسات أحادية الجانب كما حصل في الانسحاب من غزة وإقامة جدار الفصل العنصري خطة شارون "الإنطواء".

إن حجم المؤامرات المحيطة بالقضية الفلسطينية، وما يحاك من خطط وسيناريوهات دولية وإقليمية والمجازر الرهيبة التي تعرض لها شعبنا في القطاع، تستدعي وتتطلب الشروع في حوار وطني جاد، يؤدي إلى إنهاء الانقسام بشقيه السياسي والجغرافي ويصلب الجبهة الداخلية، ويقود إلى استراتيجية موحدة حول المقاومة والتفاوض ملزمة لكل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني.

ولكن بالمقابل مع انتهاء العدوان العسكري الإسرائيلي على شعبنا الفلسطيني في القطاع، شهدنا عودة للمفردات والعبارات والشعارات القديمة، حيث النفس الفئوي وعبارات القدح والتشهير والتخوين والتكفير والتحريض والتحريض المضاد، وبما ينبئ بأن الوحدة الوطنية الفلسطينية وإنهاء حالة الانقسام ليست قريبة، وبما ينذر بمخاطر عالية الجدية والخطورة على المشروع الوطني الفلسطيني وقضيته والتي تصل حد التفكك والتصفية.

ومن هنا نقول إنه بعد انتهاء العدوان العسكري على شعبنا في القطاع، فإنه لا أولوية إلا للوحدة على أسس ثابتة وراسخة وبما يحمي المشروع الوطني من مخاطر التبدد والضياع، وكذلك العمل على تشكيل لجنة وطنية فلسطينية تمثل فيها مختلف ألوان الطيف السياسي الفلسطيني تتولى مسؤولية إعادة الإعمار، وبما يمنع من التفرد والفئوية والمحسوبية، أو ما ينتج عن غياب ذلك من مخاطر سحب أو تقليص أو تراجع الدول والهيئات عن المبالغ والمساعدات التي تبرعت بها، أو يفتح المجال لفرض إعادة الإعمار من خلال المؤسسات الدولية.

التعليقات