31/10/2010 - 11:02

حكومة الوحدة: "فتح وحماس" /هاني المصري

حكومة الوحدة:
لا تزال مسألة تشكيل حكومة وحدة وطنية عالقة. فالسلطة وفتح تتمنيان موافقة الفصائل خصوصا حماس على المشاركة فيها. وحماس تجدد رفضها يوميا وتطالب بايجاد مرجعية وطنية تتولى مهمة الاشراف على غزة اثناء وبعد تنفيذ خطة فك الارتباط.

موضوع حكومة الوحدة وتّر الاجواء الفلسطينية لدرجة دفعت محمود الزهار احد ابرز قادة حماس الى اعلان عدم ثقة حماس بالرئيس ابو مازن، لانه لم يلتزم بالعديد من القضايا التي تم الاتفاق عليها ثنائيا، أو عبر حوار القاهرة مثل الاتفاق على المرجعية الوطنية والجولة الثالثة من الانتخابات المحلية، واجراء الانتخابات التشريعية في موعدها المحدد في السابع عشر من تموز.

ولم يقتصر الأمر، على اهميته وخطورته، على ثقة او عدم ثقة حماس بالرئيس الفلسطيني، وانما تضمنت تصريحات الزهار نوعا من التهديد من خلال القول: "اذا ظن البعض ان الانسحاب او التصرف بالاراضي الفلسطينية، سيرفع من اسهم جهة ما، فهذه الارض حررت بالمقاومة ولم تتحرر بالمفاوضات. وهذه الارض حررت بالدماء ولن يسمح لاحد بسرقة دماء الشعب الفلسطيني ومقدراته في المرحلة المقبلة".

ولولا مسارعة الشيخ حسن يوسف احد قادة حماس الى انتقاد وجود المبالغة في تصريحات الزهار، لأدت هذه المواقف الى تفاقم العلاقات الداخلية الفلسطينية الى ما لا تحمد عقباه. لقد أكد يوسف أن علاقات حماس على المستويين الرسمي والشخصي مع الرئيس هي علاقات طيبة، وجدد التأكيد على الثقة التي توليها حركته للرئيس ابو مازن، وأن أحداً لا يستطيع نزع الثقة منه كونه انتخب من الشعب الفلسطيني، ودعا الجميع الى احترام هذا الاختيار.

ولكن رغم اهمية تصريحات يوسف كونها تزيل الاحتقان الذي ولدته تصريحات الزهار، إلا ان القضايا التي فجرت الخلاف لا تزال مستمرة، وهي حكومة الوحدة الوطنية، والمرجعية الوطنية، والانتخابات المحلية والتشريعية، وكيفية التعامل مع تطبيق خطة فك الارتباط.

حماس في البداية رحبت بفكرة تشكيل حكومة وحدة، وقالت انها ستدرسها بجدية وايجابية، ثم سارعت الى رفضها. وأعتقد ان هذا الرفض جاء لان الدعوة جاءت متأخرة، ولخشية حماس ان يؤدي تشكيل حكومة الوحدة الى تأجيل مفتوح لاجراء الانتخابات التشريعية ما يجعل اشتراك حماس فيها نوعا من الالتحاق بسلطة اوسلو او تغطيتها أو تحمل المسؤولية عن اوضاعها ومشكلاتها وازماتها، او عن الاوضاع ما بعد تطبيق خطة فك الارتباط، ومن خلال المشاركة بحصة قليلة، في حين تأمل ان تشارك من موقع الشراكة الكاملة او الهيمنة بحصولها على حصبة كبيرة او اغلبية من مقاعد المجلس التشريعي القادم.

والأهم ان مشاركة حماس الان، ستظهرها كحركة سياسية تسعى للحكم، وليست كما قدمت نفسها وتحب ان تقدم نفسها كحركة مقاومة تسعى للتحرير، وتحرير كل فلسطين. لذلك اعتبر الزهار ان غزة بعد تطبيق خطة فك الارتباط تكون قد تحررت بسبب المقاومة. والمقاومة قادتها حماس. لذا هي الاولى من غيرها بقطف ثمار التحرير. ولكن ما يجب ان يعرفه الزهار وحماس والجميع، ان خطة فك الارتباط اذا طبقت كما هي، وهذا ما سيحصل على الارجح، لن تكون تحريراً وانما تمويه للاحتلال ومحاولة جدية جدا من حكومة شارون لتحقيق مزايا استراتيجية كبرى لاسرائيل لا داعي لتكرارها الان، لاننا مللنا من الكتابة عنها والقراءة لها والاستماع اليها طوال الفترة الماضية، ومنذ لحظة طرح خطة فك الارتباط من قبل شارون في مؤتمر هرتسليا في كانون اول العام 3002 وحتى الان.

لا يعني ما سبق ان الصمود الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية لم يساهما في اقناع شارون بالاقدام على اعادة الانتشار في غزة واخلاء المستوطنات فيها، ولكن ذلك لم يحدث تحريراً وانما ادى او يمكن ان يؤدي الى حدوث شيء هو اشبه بالتراجع خطوة الى الوراء في غزة وتحويلها الى سجن كبير، مقابل التقدم عشر خطوات في الضفة. هذه هي الحقيقة التي يوجد بها قليل من الدسم والكثير الكثير من السم ويجب ان يعرفها الجميع.

اللافت للنظر في تصريحات الزهار ومواقف حماس انها لا تلتفت كثيراً الى ابعاد وخطورة خطة فك الارتباط، كونها باكورة وسابقة لتطبيق المشروع الاسرائيلي الذي اسمه الحل الانفرادي الانتقالي طويل الامد متعدد المراحل، الذي تهدف اسرائيل من خلاله الى تصفية القضية الفلسطينية تصفية شاملة ومن كل جوانبها، عبر فرض حلها على الارض وعدم انتظار اقتناع الفلسطينيين به. وهذا الحل يستهدف الكل الفلسطيني ويجب ان يتوحد الكل الفلسطيني في مواجهته لاسقاطه، لا ان يتسابق الجميع على قطف الثمار التي لم تنضج حتى الآن.

واذا انتقلنا للسلطة، وتحديدا الى حركة فتح لفهم ابعاد طرح فكرة حكومة الوحدة الوطنية، سنجد ان فتح لا تريد تطبيق فكرة تشكيل المرجعية الوطنية للاشراف على غزة بعد اعادة الانتشار رغم موافقتها عليها في حوار القاهرة وغيرها من اللقاءات الفلسطينية، لانها بذلك تمس وحدانية السلطة، وتجعل تطبيق خطة فك الارتباط بداية مرحلة من شأنها ان تمس بوحدة الارض المحتلة ووحدة الشعب ووحدة التمثيل ووحدة السلطة، ما يجعلنا عمليا امام عدة سلطات واحدة (المركزية) في غزة والاخرى في الضفة. فاذا وافقت الفصائل وحماس يكون جيدا، واذا لم توافق تتخلص فتح من فكرة تشكيل المرجعية بأقل الاضرار ومن دون تحمل المسؤولي

ولا يخفى على أحد ان تشكيل حكومة وحدة وطنية يجعل فتح في وضع مريح، لانها الان تحت وطأة ضغوط الخلافات الداخلية وعدم الاتفاق على عقد المؤتمر السادس وكيفية اختيار قوائمها للانتخابات التشريعية، اما اذا شكلت حكومة الوحدة، فانها تستطيع ان تخوض الانتخابات على اساس (لا يوجد حدا احسن من حدا) او تدفع مسألة اجراء الانتخابات الى الوراء، ولحين توفر ظروف مناسبة لحركة فتح لاجرائها، فلا احد يعرف ما يجري في فلسطين بعمق، ويصدق حقا الدكتور صائب عريقات عندما يصرح بأن ما يمنع تحديد موعد لإجراء الانتخابات هو مسألة قانونية وهي ضرورة تحديد هذا الموعد بعد بدء سريان تطبيق قانون الانتخابات. السياسة الفلسطينية غريبة عجيبة. فمثلما وجدنا من يدعو الى عدم اجراء الانتخابات لأنه تذكر فجأة اننا نعيش تحت الاحتلال وكوننا نمر في مرحلة انتقالية، رغم ان اصحاب الدعوة هذه المرة من دعاة اوسلو واعضاء المجلس التشريعي وانصار احياء عملية السلام والمفاوضات، نجد الان ما يبرر عدم تحديد موعد الانتخابات لأن القانون لم يبدأ سريان تطبيقه. اذا كان الامر كذلك، اذاً ليتفق الجميع على الموعد واعلانه، ولينتظر صدور المرسوم الرئاسي لحين بدء سريان القانون.

المسألة أعقد من ذلك بكثير، حيث تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. فمثلما لم ترحب واشنطن وتل ابيب وعواصم عربية واقليمية باجراء الانتخابات دون سحب سلاح المقاومة وحل الاجهزة العسكرية للفصائل الوطنية والاعراب عن استعدادها للاعتراف باسرائيل، لن ترحب نفس هذه الاوساط الاقليمية والدولية بمشاركة حركتي حماس والجهاد في الحكومة، لأن هذه المشاركة ستضفي الشرعية عليهما وهما لا تزالان في قائمة المنظمات "الارهابية".

اذا كانت السلطة جادة فعلا في تشكيل حكومة وحدة وطنية عليها ان تطرح مسودة لبرنامجها وتحرص على ان يكون برنامجاً قادراً على جذب الجميع ويجيب على التحديات التي تواجه الفلسطينيين حالياً، خصوصا ما بعد تطبيق خطة فك الارتباط، وعليها ايضا ان تلتزم باجراء الانتخابات التشريعية بموعد محدد ومعروف وبأسرع وقت ممكن. عندها اذا استمرت حماس وغير حماس برفض المشاركة ستتحمل المسؤولية عن عدم الوحدة والنتائج التي يمكن ان تحصل. واذا لم يحدث ذلك سيتحمل كل طرف نصيبه من المسؤولية.

من دون انتخابات تشريعية بأسرع وقت لن يعبر الشعب عن ارادته الحرة، ولن تتجدد شرعية السلطة ولن تتحقق الوحدة، ولن تتوسع قاعدة السلطة السياسية والشعبية والوطنية، وسيصبح الظهر الفلسطيني مكشوفاً أكثر وأكثر لكل انواع التدخلات الخارجية، ولكل انواع الشرذمة الداخلية.

التعليقات