31/10/2010 - 11:02

حماس" والسلطة: المعتقلون أمنيون وليسوا سياسيين../ مصطفى إبراهيم*

حماس
منذ قيام السلطة الفلسطينية دخل الفلسطينيون في حال من الخلاف والجدل والشك حول طبيعة النظام السياسي الفلسطيني، والرؤية التي كانت وما زالت تنطلق منها حركة "فتح" في إدارة شؤون الناس بناء على اتفاق أوسلو والتزامات السلطة الأمنية.

وكانت حركة "فتح" هي التي تدير الحكم في أراضي السلطة الفلسطينية، فهي صاحبة الاتفاق، وهي من فاز بالانتخابات التشريعية الأولى في العام 1996، بعد أن قاطعتها الفصائل الفلسطينية الوطنية منها والإسلامية.
واستمرت "فتح" في الحكم مدة 12 عاماً، لغاية إجراء الانتخابات التشريعية الثانية في العام 2006، وفوز حركة "حماس" بالأغلبية النيابية، وأصبح من حقها تسلم السلطة وإدارة شؤون الناس بناء على ما حصلت عليه من أغلبية في الانتخابات.

فوز "حماس" ترتب عليه تشكيلها للحكومة، و جرى ما جرى من تغيرات وتحولات في الساحة الفلسطينية خاصة في قطاع غزة من خلاف سياسي وصل إلى الصراع العسكري، إلى أن اتخذت الحركة "قرارها بـ"الحسم العسكري" مستغلة حال الضعف والوهن السياسي والعسكري لحركة "فتح" والخلافات التي كانت وما زالت تعصف بها.

وأصبحت حركة "حماس" تتحكم في شؤون الناس في قطاع غزة من خلال هذا "الحسم العسكري" الذي قامت به وأطلقت عليه "التطهير"، وتعني بذلك "تطهير" القطاع من الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي كانت تتهمها "حماس" بالتنسيق الأمني والتزامها بالاتفاقات الأمنية مع إسرائيل، وتنفيذ الاعتقالات السياسية بحق قيادتها وعناصرها وعناصر المقاومة الفلسطينية من باقي الفصائل الفلسطينية.

خلال الفترة التي حكمت فيها حركة "فتح" و مازالت في الأراضي الفلسطينية، ( الآن في الضفة الغربية) شنت حملات اعتقال متكررة ضد المئات من قيادات وأعضاء في الفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية، بمن فيهم أعضاء من حركة "فتح"، سواء على خلفية الرأي والتعبير والتجمع السلمي أو القيام بعمليات فدائية ضد قوات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين في الأراضي الفلسطينية أو داخل الخط الأخضر، واحتجزتهم من دون سند قانوني أو محاكمات عادلة، بل تم تقديم المئات منهم أيضاً إلى القضاء العسكري بحجة الإضرار بالمصلحة الوطنية الفلسطينية، على الرغم من صدور قرارات من المحكمة العليا الفلسطينية ببطلان عمليات الاعتقال.

وكانت السلطة الفلسطينية وما زالت ترفض الاعتراف بهؤلاء المعتقلين على أنهم معتقلون سياسيون، وتصنفهم على أنهم معتقلون أمنيون وتتعامل معهم على هذا الأساس وما زالت. وربما تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي ذهب إلى أكثر من ذلك، كانت أكثر وضوحاً في وصف المئات من معتقلي "حماس" في سجون السلطة على أنهم معتقلون جنائيون ارتكبوا مخالفات مالية وقانونية، ما يؤكد أن السلطة لا تعترف بوجود معتقلين سياسيين لديها.

وكذلك فعل رئيس الوزراء في حكومة رام الله الدكتور سلام فياض عندما شدد الشهر الماضي في لقاء مع مجموعة من الصحافيين على أنه "لا يوجد عندنا معتقلون على خلفية سياسية، لا "حماس" ولا غير" حماس".

وقال: "الاعتقال يتم على خلفية أمنية، بمعنى مخالفة قانون السلطة الوطنية الفلسطينية، وهي قضية لا نقاش فيها، وهي واضحة، أو مخالفة السياسة الـمعتمدة من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية بمعنى أن هناك سياسة معتمدة من قبل السلطة قائمة على عدم ممارسة العنف حالياً كوجه من أوجه نضال شعبنا، وصولاً إلى تحقيق أهداف الـمشروع الوطني، هناك قرار بهذا الشأن وهذه سياسة، وبالتالي عندما يتم اعتقال من هذا النوع فإنه اعتقال على خلفية أمنية وليس على خلفية سياسية، لأن الرؤية التي وضعت السياسة لها مبرر أمني".

وأضاف: "مخالفة القانون أو مخالفة السياسة من خلال السلاح أو الـمال هي مبرر للاعتقال على خلفية أمنية وليست سياسية. لا أنكر أن هناك معتقلين على خلفية أمنية، وهذا يؤسفني لكن هذا هو الواقع، وإلى أن ينتهي الانقسام وتعاد الوحدة إلى الوطن فإن هذا الوضع سيبقى قائماً، نحن مهددون أمنياً والذي يقول غير ذلك يكون مخطئاً".

هذا موقف السلطة لا يوجد معتقلون سياسيون، بل هم معتقلون أمنيون متهمون بمخالفة السياسة من خلال حمل السلاح أو المال، والسلطة تعتبر نفسها مهددة أمنياً!!!. فالرؤية التي تحدث عنها فياض هي رؤية خطة "خارطة الطريق" والتزام السلطة والأجهزة الأمنية بها وتنفيذها، وكذلك التهديد الأمني ويقصد به أن "حماس" وغيرها من فصائل المقاومة تمثل تهديداً أمنياً ضد السلطة.

أما على الجانب الآخر من الوطن، وفيما يتعلق برؤية الحكومة المقالة في غزة التي تسيطر على القطاع، فهي من وجهة نظرها رؤية مختلفة، فهي حكومة المقاومة ولا تعترف بالتنسيق الأمني ولا التزامات "خارطة الطريق".
الا أن الحكومة المقالة أيضا لا تعترف بوجود معتقلين سياسيين، المرة الوحيدة التي اعترفت فيها الحكومة المقالة، وحركة "حماس" بوجود معتقلين سياسيين، عندما شنت الأجهزة الأمنية التابعة لها حملة اعتقالات شملت قيادات الأقاليم وأمناء السر في حركة "فتح" في قطاع غزة إثر تفجير الشاطئ العام الماضي، الذي أودى بحياة خمسة من مقاتلي كتائب القسام وطفلة، واتهمت عناصر من حركة "فتح" بتنفيذها.

ومع أن الحكومة المقالة شنت خلال العامين الماضيين حملات اعتقال طالت المئات من قيادات وأعضاء حركة "فتح" وأنصارها، وعلى خلفيات مختلفة، بدءاً من الصلوات في الساحات العامة أو بمناسبة إحياء ذكرى انطلاقة الحركة أو ذكرى الرئيس الراحل ياسر عرفات، ومنع المسيرات والتجمع السلمي، إلى الاعتقال على خلفية الرأي والتعبير، وكانت تتعامل مع هؤلاء على أنهم معتقلون أمنيون، ولم تعترف مرة واحدة بأنهم معتقلون سياسيون مع أنهم اعتقلوا على خلفية انتمائهم السياسي.

والقضية الأخطر من وجهة نظر الحكومة المقالة، وحركة حماس فيما يتعلق بالمعتقلين المحتجزين لديها من أعضاء حركة "فتح" خاصة أولئك الذين اعتقلوا على خلفية الاتصال بالحكومة في رام الله وتوجيه تهم مختلفة إليهم منها قطع الرواتب أو غيرها من القضايا، وكذلك معتقلين على خلفية قيامهم بتشكيل مجموعات مسلحة والقيام بعمليات عسكرية وتفجيرات ضد أهداف للحكومة المقالة وقيادات من حركة "حماس" كقضية محاولة إغتيال رئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية، أو موقوفين على قيامهم بعمليات قتل خلال فترة الاقتتال الداخلي بين الحركتين، هب أن الحكومة المقالة وحركة "حماس" ترفضان بشدة الاعتراف بهؤلاء على أنهم معتقلون سياسيون، بل تصنفهم على أنهم معتقلون أمنيون وأنهم معتقلون على خلفية قيامهم بارتكاب مخالفات ووجهت إليهم تهم بناء ارتكابهم جنايات وصلت حد الجرائم الخطيرة.

فطرفا الصراع لا يعترفان بأن المعتقلين لديهما معتقلون سياسيون، على رغم اختلاف الرؤية ووجهتي النظر، فالسلطة في رام الله الرؤية لديها تقاس من خلال البعد الأمني والالتزام بالاتفاقات الأمنية مع الجانب الإسرائيلي، والحكومة المقالة وحركة "حماس" تقولان أن الاعتقالات هي أمنية ومعظمها تمت بناء على خلفيات أمنية وارتكاب جرائم، مع أن الحكومة المقالة شنت أيضاً اعتقالات ضد عدد من المقاومين، من بينهم عدد من نشطاء الفصائل من حلفاء حركة "حماس"، الذين أطلقوا صواريخ محلية الصنع باتجاه البلدات الإسرائيلية، واعتبرتها تضر بالمصلحة الوطنية خاصة بعد وقف إطلاق النار على اثر العدوان الإسرائيلي، أو خلال فترة التهدئة التي سبقت العدوان الإسرائيلي على القطاع.

المعتقلون من الطرفين هم معتقلون على خلفية سياسية، فمؤسسات حقوق الإنسان تؤكد أن الاعتقالات التعسفية التي يقوم بها طرفا الصراع هي اعتقالات سياسية، والتهم الموجهة لهؤلاء والأعمال التي يقوم بها المعتقلون أو الخلفيات هي بناء على أرائهم السياسية، وإن اختلفت الرؤية خاصة المعتقلين من أبناء "حماس"، الذين اعتقل عدد كبير منهم بسبب مقاومتهم للاحتلال وتشكيل مجموعات مسلحة لتنفيذ عمليات فدائية ضد قوات الاحتلال، أو أولئك العاملين في جمعيات خيرية، وأصحاب مشاريع مالية أو الصحافيين فهؤلاء جميعا اعتقلوا بناء على أرائهم السياسية.

وأيضا المعتقلون من حركة "فتح" والمتهمون بالقيام بعمليات مسلحة انتقامية، وتشكيلهم مجموعات عسكرية والاتصال بالحكومة في رام الله، فهؤلاء معتقلون سياسيون حتى لو أصرت حركة "حماس" على أنهم معتقلون أمنيون.

التعليقات