31/10/2010 - 11:02

حول دعوة وزير الأوقاف المصري لزيارة القدس../ يونس العموري

حول دعوة وزير الأوقاف المصري لزيارة القدس../ يونس العموري
مرة أخرى يعود السجال لواحدة من أعقد وأخطر القضايا حول القدس، حيث تباين المواقف وتداخلها، وبالتالي اختلاط معايير الصواب والخطأ، بل اختلاط الحق بالباطل والباطل بالحق، في ظل غياب الرؤية الوطنية القومية العروبية السليمة عن الواقع الرسمي العربي بشكل عام. ومناسبة هذا القول هو ما جاء مؤخرا على لسان وزير الأوقاف المصري الدكتور محمود حمدى زقزوق، والذي طالب جمهور المسلمين بشد الرحال إلى المسجد الأقصى من أجل إلقاء الضوء على حق المسلمين فيه، معللا ذلك بأن إحجام المسلمين عن زيارة مقدساتهم في فلسطين لن ينفع القضية، بل سيضر بها أبلغ الضرر، ويسهم في استمرار الحفريات الإسرائيلية أسفل الأقصى. وكما هي العادة بدأ الشد والجذب ما بين علماء الدين ما بين مؤيد ومستنكر ورافض لهذه الدعوات، الأمر الذي نتج عنه حالة توتر شديدة كما أسلفنا في ظل غياب للرأي الإسلامي الواضح المعالم في قضية كهذه القضية... وهنا لا ادعي معرفتي بالرأي الإسلامي المستنبط من الشريعة والعقيدة الإسلامية بهكذا تصريحات وحتى لا أقحم ذاتي بأتون السجال الديني، لابد من تناول مسألة زيارة القدس والأقصى من زوايا أخرى غير تلك الدينية الشرعية على اعتبار أن الخلاف الشرعي بهكذا قضية سيد الموقف وهو الأمر الذي لا يستوي وإياه رأيا قاطعا مانعا معمما على الكل الإسلامي.

وهنا لابد من التذكير أن قضية القدس ليست قضية دينية فحسب على أهمية البعد الديني للقدس، ولا هي قضية إسلامية فقط، على أحقية المسلمين بالولاية على المقدسات الإسلامية في القدس وعلى رأسها المسجد الأقصى، بل إن قضية القدس لها أبعاد ودلالات إنسانية وشعبية ووطنية عروبية وتكاد تكون أممية، فهي واحدة من أعرق المدن بالعالم ولها ميزاتها الخاصة لدى كل الأديان السماوية ولدى كل شعوب العالم كونها واحدة من المدائن التي نُقشت فيها حضارة الإنسان على مختلف تنوعاته وأزمانه. هذا ناهيك على أن القدس تعتبر واحدة من أهم المعالم الإنسانية.. وتشكل موروثا حضاريا تاريخيا للفعل البشري وتأثيراته العملية والفعلية بالمكان... وبالتالي فهي تشكل أولا وقبل كل شيء مدينة عربية فلسطينية تحتضن كل الثقافات الإنسانية التاريخية والتوجهات الدينية السماوية بمختلف مشاربها وطوائفها وبالتالي لا خلاف حول قدسيتها لدى الكل الروحي ولا خلاف على مكانتها الحضارية لدى الكل الإنساني، ولا اعتقد أن احد ينازع القدس بمميزاتها ما بين المدن الأخرى ولا يمكن أن ترتقي مدينة أخرى غير القدس إلى المكانة الإجماعية حولها بكافة أبعادها كما أسلفنا، ولا اعتقد أن مكمن الخلاف على القدس ينحصر بالمسألة الدينية فقط مع العلم أن الحركة الصهيونية حاولت وما زالت تحاول تقويض أركان البعد الديني الإسلامي للقدس، وهو الأمر الذي لا شك يعتبر واحدا من أخطر قضايا الصراع على القدس بالظرف الراهن.

ومنبع هذه الخطورة يتأتى من المحاولات الإسرائيلية اختصار الصراع بمسألة الولاية الدينية على الأماكن المقدسة وبذات الوقت تجاهل السيادة الوطنية العربية على القدس، الأمر الذي خلق ويخلق حالة تشرذمية بالوسط العربي والإسلامي بمعنى أن المحاولات الإسرائيلية الراهنة والمتزامنة مع تقويض أركان البعد الإسلامي للقدس من خلال الإستمرار بسياسة إعادة أسطورة الهيكل اليهودي المزعوم إلى الذاكرة الإنسانية، وذلك بهدف إثبات الأحقية اليهودية للأقصى الأمر الذي يتزامن بذات الوقت والمحاولات الإسرائيلية الهادفة إلى خلق حلول مرحلية فيما يخص الولايات الدينية على الأقصى، وهو ما بدا واضحا من خلال مسار ما يسمى بالمفاوضات السلمية الدائرة رحاها منذ فترة على المسرح الإقليمي، بل إن هذا ما يتضح أكثر من خلال السيناريوهات التي تعدها مؤسسات بحثية ودراسية إسرائيلية حيث تضع من خلال تصوراتها حلول مقترحة لقضية القدس والتي لا ترتقي بأحسن أحوالها إلى منح سيادة إسلامية بولاية عربية ما للأماكن المقدسة الإسلامية بالقدس والمقصود بالأماكن المقدسة الإسلامية فقط المسجد الأقصى... والأكثر سخرية بالطرح الإسرائيلي بهذا المجال هو ما يسمى بالسيادة الإسلامية على الأقصى ظاهريا بمعنى السيادة الفوقية على مبنى الحرم القدسي فقط أما ما تحت الأرض فيخضع للسيادة الإسرائيلية وهو ما تم طرحه من خلال مباحثات كامب ديفيد بصيف عام 2000.

وبالعودة إلى تصريحات وزير الأوقاف المصري نلاحظ أن ثمة تناقض واضح المعالم بالدعوة ذاتها، فهو يدعو إلى إثبات الحق الإسلامي على الأقصى أمام العالم ككل من خلال زيارة الأقصى من قبل جموع المسلمين له ولإعماره، ويتناسى بذات الوقت أن أقرب المقربين من الأقصى من الممنوع عليهم زيارة الأقصى (مواطني الضفة الغربية وقطاع غزة) كما يعلم السيد وزير الأوقاف أن دخول القدس من قبل العرب والمسلمين لا يمكن أن يكون إلا من خلال التأشيرة الإسرائيلية ذاتها، وهو الأمر المرحب به من قبل الحكومة الإسرائيلية بل والتي تسعى إليه وتحاول جاهدة أن تروج لنفسها من خلال تشجيع العرب وحتى المسلمين لزيارة (إسرائيل) بل وتضمن لهم ممارسة شعائرهم الدينية في الأقصى وكنيسة القيامة للمسيحيين.

ولاشك أن هكذا زيارات ستصب أولا وآخرا في الإستثمار السياسي الإسرائيلي أمام العالم والتي ستتمظهر من خلاله أنها الراعية المؤتمنة على الأماكن الدينية في القدس إسلامية كانت أم مسيحية. وستعبر إسرائيل ومن خلال هذه البوابة إلى المسرح الشعبي العربي برمته وبالتالي ستصبح الدولة العبرية واحدة من دول المنطقة المقبولة لدى رجل الشارع العربي حيث من الممكن زيارتها بذريعة إعمار الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية. وعندئذ ستكون الزيارة للأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في (إسرائيل) لا في فلسطين وهنا برأي مكمن الخطر الأكبر والمتمثل أن تتحول الأماكن المقدسة إلى التسمية الجديدة (الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في إسرائيل) والتي ستلقى بالنهاية الرواج لها في ظل فعل تلبية دعوات وزير الأوقاف المصري وهو ما تحاول إسرائيل وعبر حكوماتها ومؤسساتها الرسمية وغير الرسمية تثبيته على خارطة الفعل الإنساني الحضاري العالمي.

إن الواقع الحالي يؤكد أن فتح باب الزيارة أمام المسلمين لن يقدم دعما للفلسطينيين بقدر ما يقدم دعما سياسيا وماليا ودعائيا للجانب الإسرائيلي على مختلف الصعد والمستويات، وتأكيدا لسيطرتهم على القدس ومقدساتها.. وبمرور الوقت تتحول الزيارة إلى أمر طبيعي متعارف عليه، وبالتالي تأتي الذريعة الإسرائيلية التي لطالما تغنت بها لتؤكدها من جديد حيث القول (أن إسرائيل تسمح للمسلمين وللعرب بزيارة مقدساتهم فلا يحق لهم المطالبة بأن تكون تحت ولايتهم).

هذا ناهيك عن أن الزيارة في ظل الظروف الحالية تعنى تكريس الاحتلال الإسرائيلي، واعترافا صريحا من المسلمين والعرب بالأمر الواقع وبالسيطرة الإحتلالية على القدس والأقصى وكل فلسطين، لأن جواز سفر كل مسلم سيتوجه لزيارة الأقصى سيختم بخاتم إسرائيل، مما يعنى اعترافا ضمنيا بشرعية الاحتلال. والتعاطي والتعامل معه بشكل طبيعي.

كما أن هذه الدعوة تمثل خرقا لثوابت المقاطعة الشعبية التي التزمت بها الشعوب العربية والإسلامية طويلا، كما أن الزيارة بتلك الطريقة تقدم فائدة ضخمة للحكومة الإسرائيلية التي أعلنت سابقا عن افتتاحها ما يسمى " كنيس يهودي " أسفل الأقصى، فهل يكون رد المسلمين على هذا بالتودد إليهم والطلب بسماح زيارة المقدسات....؟؟؟

من خلال ما تقدم فلا يمكن أن ترتقي دعوة السيد وزير الأوقاف المصري لإعمار الأقصى إلى فعل من الممكن بالفعل أن يخدم قضية القدس والأقصى... بل حتما سيصب في خدمة فعل التهويد والأسرلة من قبل الدولة العبرية وعليه فلا بد من رفض هذه الدعوات والتي اعتقد أنها مشبوه التوجه والطابع ولا يمكن قبولها على أنها مجرد دعوة عابرة بل يجب التوقف أمامها والإلتفاف حول رفضها....

ولابد من عودة الأشياء إلى مسمياتها والى طبائعها الحقيقية والفعلية حيث أن القدس مدينة محتلة ولا يمكن التسليم بسياسة الأمر الواقع والتعاطي مع قوانينه الجديدة المفروضة بقوة الاحتلال وسطوته وبالتالي التسليم بما يفرضه الاحتلال من حقائق ومعطيات تخدم مساره الاحتلالي أولا وأخيرا... وعلى هذا الأساس يأتي رفض دعوات وزير الأوقاف المصري وغيرها المغلفة بغلاف إعمار الأقصى من خلال زيارة المسلمين للأقصى وللقدس.

وإذا كان هناك دعما لا بد أن يسهم فيه العرب اتجاه القدس فأبواب دعم القدس مشرعة ومفتوحة لهذا الدعم وعلى مختلف المستويات والصعد للإسهام في معركة مجابهة التهويد والأسرلة للقدس. واعتقد أن كافة الحكومات العربية والإسلامية تعي تماما ماهية المطلوب للقدس بالظرف الراهن سواء أكانت تلك الإحتياجات سياسية أو اقتصادية وتعي تلك الحكومات ووزراؤها أن قضية القدس تشكل جوهر الصراع العربي الإسرائيلي برمته كقضية لها أبعادها السيادية والسياسية والدينية الروحية....

التعليقات