31/10/2010 - 11:02

دعوة للمصالحة أم لاستمرار الانقسام؟../ مصطفى إبراهيم*

دعوة للمصالحة أم لاستمرار الانقسام؟../ مصطفى إبراهيم*
الساحتان الفلسطينية والإسرائيلية في أزمة، لكن الأزمة لدى الفلسطينيين أعمق واشمل، هم تحت الاحتلال ومهددون في كل لحظة بالضرب والقتل ومصادرة أراضيهم وبناء المستوطنات عليها، وفجأة ومن دون مقدمات يعلن الرئيس محمود عباس عن موافقة على بدء الحوار الوطني الشامل. تلقف الفلسطينيون الدعوة بتفاؤل حذر، وترحيب من "حماس".

الاحتلال ما يزال قائماً والحصار على قطاع غزة طال كل مقومات الحياة، والرئيس عباس حسب الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية يؤكد أن رايس حصلت على تأكيد من الرئيس عباس انه لم يتراجع عن الشروط التي وضعتها الرباعية الدولية، التي تطالب "حماس" التراجع عن "انقلابها" والاعتراف بدولة الاحتلال والحكومة التي تديرها "فتح"، والاعتراف بالاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية.

الأزمة الإسرائيلية تتعلق برئيس الوزراء الإسرائيلي وائتلافه الحاكم الذي قد ينفرط عقده في كل لحظة، والساحة السياسية الإسرائيلية تشهد صراعاً وتوتراً داخلياً، ومع ذلك لم تحصل بينهم القطيعة والانقسام السياسي كما حصل لدى الفلسطينيين، فبمجرد عودة رئيس الوزراء إيهود أولمرت من واشنطن أصدر التهديد والوعيد بشن عمليات عسكرية ضد قطاع غزة، حيث قال: "إننا أمام مفترق طرق حاسم ضد قطاع غزة، وإسرائيل لا تتحفز لشن عملية ضد غزة لكنها لا ترتدع منها، شروط إسرائيل لم تنضج بعد، ولا اعرف في الوقت الحالي ما الذي تعرضه "حماس" علينا".

وكان وزير الأمن إيهود باراك قد سبق أولمرت في تصريحاته، والتي بدت أقل حدة من التصريحات التي أصدرها قبل يوم من مقتل إسرائيلي من مستوطنة "نير عوز" في النقب الغربي جراء سقوط صاروخ فلسطيني على المصنع الذي يعمل به وزاره باراك، حيث قال: " إن الضربة العسكرية على غزة أكثر من أي وقت مضى ويمكن أن تسبق التهدئة التي يتحدثون عنها"، وأضاف باراك "لا يدور عن عملية عسكرية واسعة التي يجري الحديث عنها منذ شهور، بل عملية تهدف إلى توجيه ضربة موجعة".

التصريحات الإسرائيلية التي اعتاد الفلسطينيون على سماعها منذ سنوات، يجب أخذها على محمل الجد إذ أن هذه المرة في ظل الأزمة السياسية الإسرائيلية والصراع والتوتر الحزبي الدائر في الساحة السياسية الإسرائيلية ربما تحمل معاني كثيرة، خاصة أن أولمرت المجروح بسبب فضيحة الرشى المتهم بها والمهدد بفقدانه منصبه وحياته السياسية، ويريد الخروج من أزمته بأقل الخسائر على حساب الفلسطينيين.

الدعوة للحوار الوطني الفلسطيني جاءت بعد سلسلة من الانتكاسات والضربات التي تلقاها الرئيس عباس من الرئيس بوش خاصة بعد زيارته للمنطقة وتصريحاته الخطيرة المؤيدة لدولة الاحتلال، وعدم جديته وإيفائه بالوعد بالتوصل لحل قبل نهاية العام الجاري، وكذلك الاستمرار في الاحتلال وبناء مزيد من المستوطنات، والاستمرار في حصار الضفة وخنقها عبر مئات الحواجز العسكرية، فتلقف حماس للدعوة للحوار جاء بسرعة كمن يريد الإثبات للشارع الفلسطيني المنهك أنها مستعدة للحوار لكن من دون شروط مسبقة كما جاء على لسان القيادي فيها محمود الزهار.

فحركة حماس التي مازالت تراهن على عامل الوقت لحلحلة الأمور، تعاني أيضا من أزمة حادة في قطاع غزة، والتهديدات الإسرائيلية القائمة بتحطيمها وإعادة احتلال القطاع، كل ذلك وغيره من الأسباب يدفع الحركة للدخول في حوار وطني يخرجها من الأزمة التي تعانيها وتورطت فيها بسيطرتها على قطاع غزة التي قاربت على السنة ولم تظهر ملامح النتائج حتى في موضوع التهدئة وفتح المعابر وفرض شروط إسرائيلية مفاجئة.

وبسرعة انتقل الفلسطينيون من حالة انتظار الحوار إلى الترحيب به، والاستعداد للحوار إلا انه صدرت عدة تصريحات من الطرفين بالتأكيد على الشروط ذاتها من قبل كل طرف للعودة للحوار الوطني، وبدت الأمور تشير إلا أن الإرادة والنوايا غير ناضجة بعد للبدء في حوار وطني شامل يجمع الكل الفلسطيني، والبدء في الالتقاء على نقاط الالتقاء وليس على نقاط الخلاف، والتأسيس عليها فالمصلحة الوطنية تتطلب البدء في حوار وطني من دون تأخير والتنازل عن المصالح الضيقة التي تخدم مصالح ومشاريع ورؤى حزبية ضيقة.

الفلسطينيون تطلعوا للبنانيين وما توصلوا إليه بدعم عربي، إلا أن الأمور هناك مختلفة، صحيح أن اللاعبين الخارجيين سواء دوليين أو إقليميين هم اللاعبون أنفسهم في الساحة الفلسطينية، فالأراضي الفلسطينية مازالت محتلة والسلطة الفلسطينية لا تملك من نفسها على الأرض إلا أن تبقى سلطة حكم ذاتي ومطلوب منها أن تنفذ مشروع أمني لحماية إسرائيل، و"حماس" محاصرة ومنبوذة دوليا وعربيا ولم يتم تقديم الحل لها على طبق من ذهب.

يتضح أن الطرفين المتصارعين فتح وحماس كل يناور من جانبه، وما تزال الطريق مزروعة بالألغام وفتيل الأزمة لم ينزع بعد، والطرفان كلٌ يتربص بالأخر ويريد كسب مزيد من الوقت لتمرير مشروعه، خاصة الرئيس عباس وفريقه الذي مازال يتحدث بلسانين، ويرهن نفسه بجدية بوش ووعده، وتصريحات رئيس طاقم المفاوضات الفلسطينية احمد قريع حول التوصل إلى صياغة مسودة مكتوبة لاتفاق مع الإسرائيليين، خاصة وان رايس سوف تزور المنطقة خلال الأيام القادمة، والمراهنة على التوصل لاتفاق مع أولمرت الذي يحاول أيضاً كسب الوقت لإثبات براءته والخروج من أزمته على حساب الفلسطينيين الذين ما يزالوا لا يملكون قرار الحوار بينهم، بل تملكه أطراف إقليمية ودولية.

وعلى رغم من كل ذلك فعلى حركة "حماس" خاصة، التقاط الدعوة للحوار وعدم وضع الشروط للعودة له، ويكفي ما يجري في الساحة الفلسطينية من تفسخ للنسيج الاجتماعي، والفصل بين شطري الوطن، والجرائم التي ارتكبها طرفا الصراع في حق القضية والشعب الفلسطيني، فإن على الفلسطينيين ان يستغلوا الفرصة رغم كل الشكوك والنوايا غير الواضحة والناضجة، والانطلاق بحوار وطني شامل أساسه الحقيقة والمصالحة والمكاشفة، والعمل من خلال المشروع الوطني العادل في ظل حال الاستقطاب الدولي والإقليمي، والنوايا الإسرائيلية التي تثبت يوما بعد يوم عدم جديتها في السير في المفاوضات، وعمليات الاستيطان المستمرة في القدس وأنحاء الضفة الغربية، والقتل اليومي الذي تمارسه دولة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، والتهديد الجدي بتوجيه ضربة قاتلة لغزة من خلال عمليات عسكرية قادمة قبل البدء في التهدئة بشروط إسرائيلية، وربما عملية كبيرة واسعة تعيد احتلال قطاع غزة.

التعليقات