31/10/2010 - 11:02

سيناريو مصير اللاجئين الفلسطينيين في لبنان../ د.أسامة أبو نحل*

سيناريو مصير اللاجئين الفلسطينيين في لبنان../ د.أسامة أبو نحل*
إن اللاجئين الفلسطينيين الذين يقطنون المخيمات على طول الساحل اللبناني من شماله إلى جنوبه، هم بمثابة قب الميزان الذي من خلاله سيتحدد مصير حل قضية اللاجئين الفلسطينيين بشكلٍ عام؛ إذ لن تفلح أي جهود لحل قضية هؤلاء اللاجئين بدونهم.

ومن باب التذكير والعلم بالشيء؛ فقد كنتُ في مطلع صيف عام 2005م، وبعيد الانتخابات النيابية اللبنانية؛ قد كتبتُ مقالاً بعنوان لبنان مرة أخرى وبداية السقوط نحو الهاوية، قلتُ فيه بالحرف عن نتائج تلك الانتخابات: "وقد يكون السيناريو المقبل للحلول المقترحة لحل قضية اللاجئين في لبنان، هو إعادة جزء منهم إلى أراضي الدولة الفلسطينية المأمولة، ويتم توطين البقية منهم بعد تحجيم عددهم في المدن اللبنانية الداخلية المختلفة وعدم تجميعهم في منطقةٍ واحدة، خاصة في الشمال اللبناني ذو الكثافة السُنّية. ولا نعتقد أن التوطين سيكون داخل هذه المخيمات التي يقطنوها حالياً لأسبابٍ أمنية داخلية وكذلك إقليمية تتعلق بأمن إسرائيل، فالهدف هو إبعاد الثقل السكاني الفلسطيني من الجنوب والساحل وبيروت، تمهيداً لتسوية هذه المخيمات بالأرض، وبذلك تكون القوى الدولية المؤثرة على ساحة الشرق الأوسط قد أسدلت الستار نهائياً على فصلٍ درامي لمشكلةٍ أرقتها عل مدى أكثر من نصف قرن من الزمن".

ومن هنا يكون منطلقنا في المقال الذي بين أيدينا؛ فالتفاوض بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي حول مسألة حق العودة، لم يكن وليد أعوامنا الأخيرة، بل ثمة إرهاصات لها منذ بدايات القرن الحادي والعشرين؛ ولم يكن مؤتمر جنيف والوثيقة التي انبثقت عنها، إلاَّ البدايات الحقيقية لها، وما إيمان بعض الشخصيات الفلسطينية المعروفة بالاسم بعدم جدوى البحث عن حلٍ يؤدي إلى عودة كل اللاجئين إلى ديارهم التي شُردوا منها، إلاَّ تطبيق عملي لرؤيتهم بإمكانية التوصل إلى صيغة لحل تلك القضية، فلا هي بالمفعمة بالأمل بإمكانية إعادتهم جميعاً، ولا هي من وجهة نظرهم تصل لحد التفريط تماماً بحق عودة جزءٍ منهم إلى ديارهم، ولاهي تقف في موقف وسط بينهما، بل يبدو أنهم حزموا أمرهم واختاروا موقفاً قد يبدو للوهلة الأولى؛ أنه ليس فيه تفريط أو إنقاص من حق العودة؛ وذلك بإمكانية إعادة جزء من هؤلاء اللاجئين إلى أراضي الدولة الفلسطينية التي يحلمون باقتطاعها من بين فكي أنياب الأسد الإسرائيلي؛ أما بقية اللاجئين فيتم استيعابهم وتوطينهم بصورة نهائية في أماكن تشتتهم، من خلال أطروحات متوافقة بين البعض الفلسطيني والدول العربية، وأعتقد أن القوى الفلسطينية لا يوجد بها من يقف ضد هذا المخطط إلاَّ بالشكل النظري.

ولأن في علم السياسة لا تُحل جميع القضايا المصيرية دفعةً واحدة؛ وإنما تسبقها مقدمات، تؤدي في نهاية المطاف إلى صيغة حلٍ تُرضي طرف، وفي المقابل يضطر الطرف الأضعف في المعادلة للقبول بالحد الأدنى من مراميه وأهدافه؛ لذلك فما حدث من تدخلٍ عسكري للجيش اللبناني في مخيم نهر البارد، ما هو إلاَّ توطئة لتنفيذ هذا الحل، الذي سيحاول البعض الفلسطيني من خلاله إيهام الكل الفلسطيني؛ بأنه ليس بالإمكان أبدع مما كان، وإنه أفضل صيغة توافقية لحل تلك المشكلة العويصة التي تؤرق حل مجمل القضية الفلسطينية بصورة نهائية؛ وقد يسوّق ذلك البعض الفلسطيني مقولات من باب إننا لو رفضنا تلك الصيغة؛ فإننا بذلك إنما فرطنا بما هو أهم من مصير هؤلاء اللاجئين، ألاَ وهو إقامة الدولة الفلسطينية العتيدة، التي هي من وجهة نظرهم أهم من أي أمرٍ آخر.

إذن؛ ما حدث لمخيم نهر البارد من تدميرٍ كاملٍ وتسويته بالأرض، لم يكن بسبب وجود عناصر إرهابية فيه كما زعموا، وإنما عملاً مقصوداً ومدخلاً لمخططٍ أشمل، تعمل على تنفيذه عدة قوى، لا الجيش اللبناني بمفرده. وما عدم جدية الدولة اللبنانية والدول التي يفترض أن تقوم بإعادة ترميم ما خربه الجيش اللبناني، إلاَّ نوع من فرض أمر واقع جديد بتفريغ المخيمات من لاجئيها، توطئةً لتنفيذ بقية المخطط.

لنعد إلى الوراء قليلاً لنستوثق مما ذكرناه ونرى وجهات نظر كل تلك القوى مما حدث لمخيم نهر البارد، فالحكومة الأمريكية ولأول مرة تُرسل إمدادات عسكرية ولوجستية إلى الجيش اللبناني لمساعدته في السيطرة على المخيم، الذي أخذ من وقت وجهد هذا الجيش أكثر من شهر، مع العلم بأن الجيش اللبناني من الناحية العملية هو في حالة عداء لإسرائيل، فكيف للإدارة الأمريكية أن تدعم جيشاً في حالة عداء لحليفتها إسرائيل، إلاَّ إذا كان الهدف مشتركاً بين الطرفين؟ وفيه منفعة لهما معاً؟

أما الموقف الفلسطيني برمته سواء أكان رسمياً أم من جانب الفصائل والتنظيمات فكان غاية في الطرافة والتفاهة على حدٍ سواء، وليس ثمة استثناء لطرفٍ عن الآخر، فالكل تواطأ والكل تآمر ضد المخيم وقاطنيه الآمنين؛ فوجدنا الموقف الرسمي الفلسطيني وقليل من الفصائل يُعلن دعمه للهدف الذي أعلنه الجيش اللبناني، أما بقية التنظيمات فلم تحرك ساكناً ولم تنطق ببنت شفة تبدي فيه اعتراضها على ما جرى للمخيم، ويبدو أن موقفها السلبي ذلك يعود للخشية من تعريض وجودها في لبنان للخطر؛ فإذا كان الأمر كذلك؛ فتلك إذن مصيبة، وما هي إلاَّ نوع من الجبن الذي ليس في محله، ولو كان الأمر كذلك فبئس إذن فصائل وتنظيمات، وبئس إذن مقاومة تعمل على دحر المحتل ورد الحق لأصحابه، ولتذهب إلى الجحيم.

إن ما ذكرناه في المقال الآنف الذكر عام 2005م، لم يكن من باب التنجيم، بل قراءة لمصير قضية تابعنا حلقاتها منذ نعومة أظافرنا، ونستطيع أن نقرر وأن نستشرف من خلال أحداث تلك الحلقات مستقبلها ليس على ساحتنا الفلسطينية، بل وفي غيرها من الساحات.

وما يحدث داخل المخيمات الفلسطينية الآن في لبنان من تسخينٍ يصل أحياناً إلى حد تراشق الرصاص أو عمليات التفخيخ، فما هو إلاَّ حلقة من حلقات المسلسل الذي نحن بصدده. فما نراه ونأمل ألاَّ يكون صحيحاً، أن المخطط المُعد فصوله بحبكة ووتيرة متسارعتين يعمل على إفراغ المخيمات الفلسطينية في لبنان من سكانها؛ وذلك تمهيداً للتالي:

أولاً: إعادة جزء من هؤلاء اللاجئين إلى أراضي الدولة الفلسطينية المنشودة إن اُقيمت. وثانياً: العمل على تشجيع جزء لا بأس به من هؤلاء اللاجئين على الهجرة إلى الدول الأجنبية؛ وذلك بتنسيقٍ مُسبق مع تلك الدول، ولن تأخذكم الدهشة أيها القراء الأعزاء؛ إذا ما ترامى إلى مسامعكم يوماً - لن يكون بالبعيد - عن مضايقات ومآسي قد يتعرض لها فلسطينيو لبنان؛ تضطرهم لنحى منحى فلسطيني العراق، الذين يضطرون الآن للهرب بأرواحهم من جحيم بعض الجهات العراقية. وثالثاً: إنهاء الوجود الفلسطيني من كامل الساحل اللبناني، من خلال نقل من تبقى من هؤلاء اللاجئين إلى الأماكن الداخلية اللبنانية، خاصةً التي يقطنها سُنِّة لبنان؛ وذلك لأسبابٍ أمنية لبنانية داخلية وكذلك إقليمية تتعلق بأمن إسرائيل – كما أسلفنا الإشارة؛ فالهدف إذن؛ هو إبعاد الثقل السكاني الفلسطيني من الجنوب والساحل اللبنانيين وبيروت، تمهيداً لتسوية هذه المخيمات بالأرض.

وفيما لو حُلت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين تحت أي صيغة أو مسمى؛ فإن اللاجئ الذي سيرفض العودة إلى أراضي الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ سوف يقع بين نارين أحلاهما مر علقم؛ فإما أن يعود إلى تلك الدولة ويتنازل عن أرضه وأرض آبائه وأجداده مرغماً، أو أن يسقط حقه تماماً بحق العودة بعد مضي عامين من توقيع أي اتفاق على حل مشكلة اللاجئين.

وبالمجمل؛ فإن أي حل لمسألة اللاجئين الفلسطينيين في كافة أرجاء المعمورة منوطٌ بما يقرره هؤلاء بأنفسهم؛ فإما أن يقبلوا التوطن خارج ديارهم طواعيةً ودون ترهيب؛ فإنهم بذلك يفقدون حقهم نهائياً بالعودة مهما طال الزمان أو قَصُرْ، أو يعودوا إلى جزءٍ من أرض فلسطين التاريخية كالدولة المنشودة؛ فإنهم بذلك أيضاً يفقدون حقهم كشأن الفريق الأول، أما الفريق الثالث؛ فهم من سيرفضون التوطين في المنافي، أو اعتبار أن إقامتهم في الدولة المنشودة هو غاية المبتغى، ولسوف يصرون على حقهم بالعودة وقتما تشاء العناية الإلهية، ومن وجهة نظرنا المتواضعة فذلك أشرف وأزكى لهم من العيش على أطلال ذكريات وديار يفرطون بها بمحض إرادتهم لقاء دراهم معدودة.

التعليقات