31/10/2010 - 11:02

ظاهرة الجنرال عون.. والتحالف مع حزب الله../ عوض عبد الفتاح

ظاهرة الجنرال عون.. والتحالف مع حزب الله../ عوض عبد الفتاح
ليست هناك ساحة عربية توازي بتركيبتها وتعقيدها الساحة اللبنانية. ولم تفرز أية ساحة أخرى ما أفرزته هذه الساحة الزاخرة بالتناقضات والمفارقات ولكن ايضاً الظواهر اللافتة للأنظار والمثيرة للإعجاب والتفكر والمغرية للإقتداء بها، وذلك على مدار النصف قرن الماضي.

فمقابل الإصطفافات الطائفية والمذهبية والحروب الأهلية تجد مظاهر الديمقراطية وحرية التعبير وتشكيل الأحزاب. ومقابل التعصب الطائفي تجد الإتجاه العروبي الذي يتقاطع مع كل الطوائف. وإلى جانب ذلك شكل ويشكل لبنان تاريخياً وحاضراً أكثر الساحات العربية ازدهاراً على مستوى الثقافة والفكر وحرية ممارستهما. مع ذلك يطمح كل عربي، عروبي ومتنور الى رؤية تحقيق المواطنة أو دولة المواطنين كبديل للديمقراطية التوافقية (القائمة على الطائفة) وبديل للأحزاب ذات اللون الطائفي أو المذهبي الواحد في هذا البلد العربي.

من أهم الظواهر الملفتة في هذا البلد العربي الصغير والأحدث في تاريخ لبنان والتي تثير الإعجاب في عموم الساحة العربية، ظاهرة حزب الله، وهي ظاهرة ذات وجهين: الوجه الأول يتمثل في النموذج التنظيمي والكفاحي الذي قدمه على صعيد المواجهة مع إسرائيل وقدرته على توجيه ضربتين لقوة الردع الإسرائيلية في أقل من سبع سنوات في ظل عجز عربي رسمي وشعبي وتبعية شبه مطلقة.

الوجه الثاني: وهو لا يقل أهمية عن الوجه الأول ألا وهو تكيف الحزب مع تعقيدات الساحة اللبنانية المتنوعة دينياً وإثنياً وطائفياً ومذهبياً وسياسياً، وتخليه بعد أقل من عشر سنوات على قيامه عن مطلب الدولة الدينية في لبنان. ولا أدري إذا كان نموذج حزب الوسط الإسلامي في مصر بقيادة الأستاذ أبو العلا ماضي (إلتقيته الشتاء الماضي في القاهرة) الذي يطرح الدولة المدنية وقبول التعددية واعتبار الشعب مصدر السلطات، جاء متأثراً بحزب الله أم أنه اجتهادٌ في إطار الإجتهادات التي شهدتها بعض الأوساط الإسلامية الفكرية في بعض أقطار الوطن العربي منذ أواخر الثمانينات.

ومن الظواهر الأخرى أيضاً على الساحة اللبنانية اللافتة، هو ظاهرة الجنرال عون زعيم التيار الوطني الحرّ ذو التركيبة المسيحية الخالصة.. ولكنه علماني التوجه والذي فاز ممثله كميل خوري في الإنتخابات الفرعية في منطقة المتن على أحد أبرز رموز 14 آذار، الرئيس اللبناني السابق أمين الجميل.

إسم هذا الجنرال رسخ في ذهننا منذ صدامه مع السوريين في أواخر الثمانينيات على أنه شخصية غير وطنية. لقد فوجئ الكثيرون وأنا منهم بجرأة هذا الجنرال وصلابة موقفه الوطني بعد عودته من المنفى قبل حوالي ثلاثة أعوام. وتعرف الجميع على توجهاته الكاملة الفكرية والسياسية بعد إضطرار سوريا إلى إخراج قواتها من لبنان بقرار من مجلس الأمن عام 2005.

لقد غيّر عون موقفه من سوريا بعد خروج قواتها من لبنان وهذا ما أثار غضب وحقد قوى 14 آذار عليه. واتهموه بالإنتهازية وأنه يسعى الى رئاسة الدولة بأي ثمن. في حين أن الكثيرين من قادة 14 آذار كانوا متعاونين مع من كان مسؤولاً من القيادات السورية في لبنان مع سوريا وصامتين على الكثير من ممارساتها التي اتسمت بالفساد وسوء الإدارة.

غضبوا عليه لأنه لم يبقَ عدواً لسوريا ولأنه يرفض التحالف مع الأجنبي لضرب هذا البلد العربي المستهدف من أعداء الأمة العربية ولأنه وقف الى جانب المقاومة اللبنانية بدون تردد. وأشاع خصومه، ومنهم أمين الجميل الذي هزم أمام مرشح التيار الوطني الحرّ، لملء المقعد الشاغر بعد اغتيال نجله بيير الجميل العام الماضي. أشاعوا أنه لا يمثل إلا أقلية بين المسيحيين الموارنة، فإذا به هو الذي يمثل الأغلبية وإن كانت قوة الجميل لا تزال كبيرة.

كان من بين مواد الهجوم على الجنرال عون من جانب خصومه أنه جزء من محور "إيران سوريا حزب الله" لنزع صفة الوطنية عنه ومع ذلك فازعلى تيار الجميّل واتهمهم أنهم هم الذين يتعاونون مع أعداء لبنان والعرب أمريكا وإسرائيل وغيرهما. ماذا يعني هذا الفوز، يعني فوز الموقف الوطني على الموقف غير الوطني. يعني تصليب التحالف مع المقاومة ويعني إخفاقاً آخر لأعداء لبنان.

ليس هذا فحسب بل إن الأمر يعني أن فكرة التحالف مع حزب الله ذو اللون الشيعي، لها قاعدة شعبية وأن غالبية موارنة لبنان مع العروبة والموقف الوطني وهو ينسجم مع كبار رواد النهضة العروبيين التاريخيين والحاليين والمعتزين بحضارتهم العربية الإسلامية. لم تلعب لديهم "الأصولية" أو الطابع الديني لحزب الله دوراً في تشكيل موقفهم.. طالما هناك اتفاق بين حزب الله والتيار الوطني الحر على شكل الدولة اللبنانية.. دولة مدنية تحترم بها كل القوى والإتجاهات المذهبية والفكرية.
لقد انسجم موقف عون مع موقفه من استقلال لبنان وضرورة أن تكون علاقة طبيعية مع الشقيقة سوريا.

إنها ظاهرة يجدر التأمل بها من جانب كل رواد التغيير الساعين الى تغيير الواقع العربي، يجدر التأمل والتعامل الموضوعي – وبالتجرد من الدوغمائية القاتلة ونهج التكفير سواء كان من منطلقات علمانية أو دينية. أليس هذا نموذجاً ملائماً لكل الساحات العربية في مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني التفتيتي والتقسيمي ومواجهة التخلف الداخلي والغيبية القاتلة.

التعليقات