31/10/2010 - 11:02

غضبة أميركية من نتنياهو أم عسكرة الاعتدال العربي بوجه إيران؟../ ناصر السهلي

غضبة أميركية من نتنياهو أم عسكرة الاعتدال العربي بوجه إيران؟../ ناصر السهلي
كان ملفتا ما ذكره كراولي، المتحدث باسم الخارجية الأميركية، عقب زيارة جو بايدن الأخيرة، إذ أنه لم يتردد في اعتبار الخطوة الإسرائيلية "إشارة سلبية للغاية بشأن نهج إسرائيل تجاه العلاقات الثنائية ... وقوضت الثقة في عملية السلام"!..

وفي شرحه لمجريات اتصال هيلاري كلينتون بنتنياهو أضاف كراولي: "قالت الوزيرة إنها لم تفهم كيف حدث ذلك، لا سيما في ضوء التزام الولايات المتحدة القوي تجاه أمن إسرائيل. مضيفا "أوضحت أنه ينبغي للحكومة الإسرائيلية أن تظهر من خلال أفعال محددة، وليس الأقوال فقط، أنها ملتزمة تجاه هذه العلاقة وتجاه عملية السلام"!

حقيقة الأمر أن الإدعاء "الإعلامي" بأن كلينتون وبّخت نتنياهو يحتاج للكثير لتصديقه، ولتصديق الصحف العبرية التي أعلنت أن نتنياهو أيضا تكلم بلغة حازمة معها.. و لأننا أمام مشهد " التزام قوي تجاه أمن إسرائيل"، كلام أعادت كلينتون لتكرره يوم 16 آذار/مارس يعني تجاوزا لما عول عليه البعض من "تأزم في العلاقات"، وهو أمر بدت مقدماته واضحة في قبول كراولي لتفسير نتنياهو: "نقبل ما قاله رئيس الوزراء نتنياهو، ولكن في نفس الوقت فإنه رئيس الحكومة الإسرائيلية ومسؤول في نهاية الأمر عن أعمال تلك الحكومة."..

منذ البداية، بدا الترويج والتعويل على"غضب" أميركي بحاجة لكثير من التمحيص..
قد يكون هناك ارتباك بسبب إدعاء محمود عباس بأنه تلقى "ضمانات أميركية".. لكن بايدن لم يتحدث ولا مرة واحدة سوى عبر التسريبات عن مسألة توقيت الإعلان عن بناء المزيد من المستوطنات، وذهب أكثر ليحدد ما على الفلسطينيين فعله.. البعض المعول على "الغضب" الأميركي اعتقد أن المقصود هو وقف الممارسات الإسرائيلية.. التي ورغم الإدعاء الكاذب بأنه " لن يتم البناء قبل سنوات"، تابعنا الاندفاع نحو مزيد من العطاءات لأكثر من 50 ألف وحدة استيطانية ثم ما يزيد على 426 أخرى.. والاحتفال الصاخب بتدشين الكنيس في القدس المحتلة الذي هب فلسطينيو القدس وعرب 48 في محاولات جادة لوقف تهويد الأقصى لمصلحة ما يسمى "الهيكل".

الإرباك الذي تسببه نتنياهو للخطة الأميركية لا تتعلق في جوهرها بمحاولات تجميل "العودة إلى المفاوضات غير المباشرة"، ولا بسبب الادعاء بأن العرب الذين منحوا التغطية قد يسحبوها..

في عام 1991 قال جيمس بيكر لشامير كلاما أقسى مما نقله كراولي عن كلينتون التي عادت على كل لتعلن عن العلاقة الراسخة مع دولة الاحتلال.. وبنظرة متفحصة لما جرى منذ مدريد إلى يومنا هذا نكتشف واقعا مريرا: ظل الفلسطينيون، والعرب عموما، أسرى تصديق إمكانية خلق شرخ في العلاقة بين الطرفين الأميركي والإسرائيلي.. وما حصده الفلسطينيون تحديدا سوى زيادة الاستيطان ونهب الأرض وتسارع وتيرة تهويد القدس..

*غضب أم عسكرة للعرب باتجاه إيران؟

بالعودة إلى الغضب الأميركي المروج له، وأنا أسميه إرباكا سببه نتنياهو، فلأن الحديث يدور في فلسطين المحتلة بينما العيون باتجاه آخر.. تزامنا مع بايدن وعودة ميتشل يجري ما يمكن وصفه الضغط والبحث في الخليج وعموم المنطقة العربية عن حالة فرز أميركية تمهيدا لاستهداف إيران بمشاركة عربية تحت حالة من التخويف والتهويل بالخطر الإيراني.. أضف إلى الأمر تصاعد وتيرة الاستفزاز العملي واللفظي لقوى المقاومة في غزة ولبنان.. ما يريده الأميركيون وحلفاؤهم في تل أبيب والمنطقة حالة ما من الوعود التي تهدئ الأمر على الجبهة الفلسطينية لإبراز الاصطفاف المطلوب لمحاصرة إيران وضرب المقاومة.. إنها بكل تأكيد عسكرة بعض العرب في معركة ليست من مصلحتهم بشيء..

يصر الأميركيون على الجانب الفلسطيني الانتقال فورا إلى مفاوضات مباشرة.. ونتنياهو من جانبه لا يجد مشكلة في الجلوس على طاولة مفاوضات تفرض حالة أميركية مطلوبة.. إنها فيما يبدو عملية تسريع وتسابق مع الزمن لترتيب الاستعصاءات على عدد من الجبهات للتفرغ للجبهة الأساسية. لا يخفي المحللون والكتاب الإسرائيليون بأن كل الذي يجري هو تحت سقف التفرغ لإيران وسوريا وقوى المقاومة والممانعة العربية.

أشار المفكر العربي د.عزمي بشارة مساء 16 آذار/مارس إلى طبيعة هذه الترتيبات الأميركية التي يتدخل فيها كبار القادة العسكريين الأميركيين في المنطقة، فالجيش الأميركي يجد نفسه في ورطة كبيرة بالمنطقة، وهي دلالة على أن كل الكلام الذي يتحدث عن خلافات عميقة بين تل أبيب وواشنطن هي مجرد سجال داخلي وضع العسكريون الأمريكيون بصمتهم فيه.. سجال لا يتعلق إلا بمأزق وثمن فادح للقوات الأميركية التي تحاول تنفيذ إستراتيجية واضحة المعالم في منطقة الخليج وامتدادا إلى لبنان وسوريا وغزة..

البعض العربي والأوروبي مستعد لتذييل عقبات تنفيذ ما هو مطلوب.. تخفيف ورفع لبعض الحواجز في الضفة، استجابة للطلب الأميركي بخطوات فيها حسن نية تجاه السلطة الفلسطينية، تعزيز وضع عباس على الصعيدين الداخلي والإقليمي. ومن الملفت أن ننتبه إلى ما كشفته صحيفة "الديار" اللبنانية في عددها الصادر يوم الثلاثاء (16-3) عن وجود مفاوضات سرية بين دولة الاحتلال وسلطة محمود عباس منذ نحو شهرين، مؤكدة أن هذه المفاوضات تجرى في إحدى العواصم الأوروبية بإشراف الإدارة الأمريكية.

إن الهبة الشعبية التي امتدت من القدس إلى النقب ويافا ومخيمات اللاجئين، كانت إشارة إرباك حقيقي لمجموعة من الخطوات التي يجري الإعداد لها لمساعدة الإدارة الأميركية في معالجة التخبط الذي تعانيه في إستراتيجيتها في الخليج العربي..

وقد تكون الأيام والأسابيع الفلسطينية، وربما بعض العربية أيضا، حبلى بما سيفاجئ الجميع ويعيد خلط الأوراق من جديد.. ويظل واهما من يعتقد أن أوباما قادر على ممارسة الضغط على دولة الاحتلال أو تغيير في النمط السائد للعلاقة بين تل أبيب وواشنطن. لكن من المثير الانتباه إلى أن أي تغيير عربي أو فلسطيني في السلوك النمطي للعلاقة بواشنطن ربما يؤدي إلى حالة ليست بحسبان كل تلك الإستراتيجيات التي يدفع بها البنتاغون، لا جنوب لبنان ولا قطاع غزة سيبقيان في الظل!

التعليقات