31/10/2010 - 11:02

فك الحصار عن القدس ودور عرب الداخل../ عوض عبد الفتاح

فك الحصار عن القدس ودور عرب الداخل../ عوض عبد الفتاح
ينتظر أربعة مواطنين فلسطينيين من القدس هم أعضاء منتخبون للمجلس التشريعي الفلسطيني، انتهاء المهلة التي حددها لهم المحتل لمغادرة المدينة، بعد سحب مواطنتهم.

هؤلاء اعتقلتهم سلطات الاحتلال بعد فترة وجيزة من انتخابهم عام 2006 وزجّتهم في السجن لمدد تتراوح بين عامين وأربعة أعوام. أحدهم، هو الشيخ محمد أبو طير، قضى من عمره 29 عامًا في غياهب سجون الدولة الإحتلالية، على مرحلتين. وهو اليوم يقارب الستين. وعليه إذا لم ينجح الإستئناف للمحكمة الإسرائيلية، فسيكون التاسع عشر من هذا الشهر آخر يوم مسموح له في البقاء في بيته ومدينته. أما بقية الإخوة وهم: أحمد عطون ومحمد طوطح وخالد أبو عرفة، فالموعد الأخير هو الثالث من الشهر القادم.

تخضع مدينة القدس، بأهلها ومعالمها، مثلها مثل بقية الأراضي المحتلة، لمشروع استعماري وقمعي. ولكن في القدس سياسة إسرائيلية ذات أبعاد متعددة ولئيمة تتداخل فيها السياسة والأساطير التوراتية الخرافية، التي تجعل هذه المدينة مركزية في الفكر الصهيوني والمشروع الاستيطاني.

قوام هذا المخطط هو المصادرة للأرض وللبيوت، والاقتلاع الذي أتى على عشرات الآلاف من أهلها العرب منذ عام 67، والذي اتخذ أشكالاً مختلفة منها سحب بطاقات الهوية والتضييق على الحياة اليومية وأسباب المعيشة. وفي مقدمة هذه الإجراءات رفض منح رخص البناء، بهدف جعل الحياة غير محتملة بحيث لا يعود الأهالي قادرين على العيش في هذه المدينة.

في المقابل تقام المباني على الطراز الحديث حول القدس وفي قلب الأحياء العربية للمستوطنين الصهاينة. إنها سياسة حصار وخنق حقيقية.. إنها سياسة استعمارية بكل أبعادها الوحشية التي ربما تفوق بمستوياتها أي استعمار حديث. وربما لو سنحت الفرصة أمام الحركة الصهيونية قبل مائة وخمسين عامًا أن تقيم كيانها، وفي غياب المؤسسات الدولية وتطور وانتشار وسائل الإعلام، لارتكبت في القدس من الجرائم ما ارتكبه الصليبيون بحق القدس وأهلها في القرن الحادي عشر.

الوجه الآخر لهذه السياسة الاستعمارية، هو قمع كل نشاط سياسي له تأثير فعلي ضد هذه السياسات. فلا يوجد لديها أدنى درجات التساهل إزاء أي نوع من هذا النشاط. وقد تعرضت الحركة الوطنية ومناضلوها من كافة الفصائل في القدس، فتح والشعبية وغيرها منذ عام 67 لأقسى أشكال القمع والملاحقة والاعتقال. بموازاة ذلك، سعت الدولة العبرية إلى تحطيم النسيج الاجتماعي للمجتمع المقدسي عبر الإهمال المنهجي لأحيائها، وضرب مصادر الرزق، وضرب العملية التعليمية.

كل ذلك أدى إلى إحداث شلل عام في تطور الحياة الاجتماعية والسياسية. فازداد الجنوح الاجتماعي، وازداد التسرب من المدارس والإخفاق التعليمي، مما عرقل بلورة حركة وطنية متماسكة وقوية وفاعلة. والذي زاد الطين بلة هو إهمال القدس من السلطة الفلسطينية (رام الله) والصراع المعيب بين المراجع المتعددة والمتخاصمة فيما بينها.. الذي خفت حدته فقط مؤخرًا.. ولكنه لم ينته.

منذ أشهر، وفي ظل التغوّل الإسرائيلي الإحتلالي، سواء بالنسبة للحفريات تحت الأقصى، أو بالنسبة لإجراءات طرد عائلات من بيوتها وإسكان مستوطنين، أو بالنسبة لمخططات استيطانية في سلوان، وما تبع ذلك من ردات شعبية محدودة في الأشهر الأخيرة، أعاد القدس إلى محل اهتمام، الأمر الذي فرض على سلطة رام الله أن تأخذ موقفًا من هذه الإجراءات الاستيطانية وتتشدد في شروط استئناف المفاوضات قبل أن تعود وتلحس هذا الموقف. هذا كله أحدث ثغرة في جدار التعتيم والإهمال. كما أثارت هذه المستجدات اهتمام قوى أهلية محلية وقوى إسرائيلية يسارية، وقيامها بالاحتجاج في قلب القدس. ولكن لا يمكن التعويل على هذه القوى لإيقاف المشروع الاستيطاني التهويدي في هذه المدينة.

وفي ظل هذا الواقع الصعب، جاءت مبادرات أخرى من عرب الداخل، كالمظاهرة التي اختار التجمع الوطني الديمقراطي أن ينظمها في المدينة في ذكرى النكبة ليذكر أيضًا بنكبة القدس المستمرة على كافة الصعد وليساهم في تحفيز أهالي القدس وكل المعنيين بهذه المدينة وبالقضية الفلسطينية. وكانت الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد قد سبقت الجميع في إثارة قضية الأقصى وموضوع القدس.

لهذا الغرض يجدر التأكيد على دور عرب الداخل، ودور وواجب هيئاتهم التمثيلية في هذه المعركة السياسية الوطنية. فالقدس ببعدها السياسي والثقافي والإنساني والديني هي ثابت من ثوابت القضية الفلسطينية. وإذا كان الوجود التمثيلي على أسطول الحرية لعرب الداخل قد ساهم في إعادة الاهتمام إلى حصار غزة الإجرامي، وألقى الضوء مجددًا على واقعهم وموقعهم ودورهم في الصراع، فإن دورهم أيضًا، وبالاعتماد على الرصيد الذي راكموه على مدار عقود من البقاء في الوطن، والذي أيضًا حصدوه على ظهر أسطول الحرية، يمكن أن يساهم في الكفاح في فك الحصار والخناق، أو إحداث ثغرة أخرى في هذا الحصار على المدينة.

بناءً على ذلك، فإن الحاجة الوطنية تقتضي أن تعقد لجنة المتابعة لشؤون المواطنين العرب، التي هي الموازي للقيادة الوطنية الموحدة لعرب الداخل، اجتماعًا خاصًا في مدينة القدس للتداول في كيفية مواجهة إجراءات الطرد للشخصيات الوطنية الأربع، ومواجهة مجمل سياسات إسرائيل في المدينة.

إن من شأن ذلك أن يساهم في إعادة تسليط الضوء على واقع القدس، وظروف أهلها العرب تحت الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته الوحشية. كما أن هذه الخطوة من شأنها أن تمهد الأرضية للتفاعل الدائم مع القوى الأهلية والسياسية المقدسية التي تسعى إلى القيام بدورها رغم الحصار والملاحقة والمراقبة المشددة. في نهاية المطاف، لا يوجد بديل عن دور أهل القدس الفاعل في الدفاع عن بيوتهم وحياتهم، وعن دفع ثمن مجابهة المشروع الاستعماري الصهيوني في هذه المدينة ولا يعني هذا أن يتحمل أهلها كل العبء. والمعركة على القدس مرشحة لو أحدثنا اختراق على مستوى الاهتمام الدولي، أن تطلق تداعيات وأصداء شعبية في فلسطين وخارجها.

هناك مناخ جديد نجم بفضل أسطول الحرية، وبسبب الهجوم الدامي عليه، وهو مناخ موات لإعادة ترتيب الأوراق – أوراق القوى المعنية في النضال والمعنية في استعادة زمام المبادرة. ليست قضية فلسطين متمحورة في غزة، بل أيضًا في القدس ورام الله ونابلس والجليل وجنين وفي الشتات، وفي الجليل والمثلث والنقب. باختصار مطلوب وضع المقدمات الضرورية لمواصلة محاصرة إسرائيل في العالم.

وأخيرًا لا يجوز أن يمرّ قرار طرد النواب الأربعة من المدينة مرّ الكرام. يجب منع ذلك، ويجب استنهاض أهالي القدس مجددًا وكل الشعب الفلسطيني.

التعليقات