31/10/2010 - 11:02

قراءة جانبية للانتخابات الفلسطينية/ مهند مصطفى

قراءة جانبية للانتخابات الفلسطينية/ مهند مصطفى
في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية يمكن اعتبار انتخابات المجلس التشريعي في العام 1996 الانتخابات الأولى في تاريخ الشعب الفلسطيني.

في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية كان هناك عدة هيئات تمثيلية عليا مثلت حالة من التعددية الفصائلية اكثر منها تعبيرا عن حالة تعددية حزبية ديموقراطية. بداية بالهيئة العربية العليا التي مثلت هيئة وطنية تمثيلية في سياق الاستعمار البريطاني، مرورا بالمجلس الوطني الفلسطيني غير المنتخب مباشرة معبرا عن هيئة تمثيلية وطنية لحركة تحرر وطني في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وانتهاء بالمجلس التشريعي الفلسطيني معبرا عن واقع سلطة في طريقها نحو الدولة.

تنبع أهمية الانتخابات الحالية في كونها تمثل انتخابات ذات مشاركة سياسية واسعة قياسا مع الانتخابات في العام 1996، ففي الانتخابات السابقة شاركت فيها حركة فتح وبعض الفصائل الهامشية، بينما يشارك في هذه الانتخابات كافة التيارات السياسية الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس والجبهتين الديمقراطية والشعبية ممن قاطعوا الانتخابات السابقة، هذه المشاركة تدل على مشاركة سياسية فعالة وفاعلة ورغبة في الانخراط في النظام السياسي.

ولا ننسى إجراء الانتخابات في ظل ثلاثة متغيرات هامة لا يمكن تفصيلها بشكل كبير في مقال مقتضب: غياب ياسر عرفات بما يمثله في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، انعقاد الانتخابات في ظل الاحتلال الإسرائيلي، وأخيرا غياب الدولة المستقلة. الانتخابات الفلسطينية جرت تحت الحصار الإسرائيلي وغياب مشاركة باقي قطاعات الشعب الفلسطيني في الشتات كنتيجة لحالة اللادولة وغياب السيادة.

مشاركة حركة حماس في الانتخابات اكسب لنتائجها أهمية قصوى ليس على الصعيد الفلسطيني فحسب، بل على المستوى الإسرائيلي والدولي، والضغط الدولي لمنع حماس من المشاركة في البداية ثم التهديد بعدم التعامل مع السلطة في حالة تشكيل حماس للحكومة دون الاعتراف بشرعية إسرائيل بالوجود، هو انسجام مع المطلب الإسرائيلي الذي انزلق إليه حتى الأوروبيون.

الحقيقة أن حماس لم تكن ترغب في الحكم من خلال السلطة، ولم تشارك في الانتخابات للوصول إلى الحكم، بل لتطرح بديلا سياسيا من خلال تواجدها في المجلس التشريعي، وتتحول إلى بديل سياسي شرعي على المستوى المحلي بعد هيمنة "فتحاوية" على الحركة الوطنية الفلسطينية دامت اكثر من 40 عاما، وشرعية على المستوى الدولي في ظل الرفض الدولي لمشاركة حماس في الحكم، ولتشكل عائقا سياسيا جديا أمام أية تنازلات من طرف السلطة بقيادة "فتح".

حماس خاضت انتخابات السلطة بدون نية في حكمها، ولا يجب أن ننسى أنها خاضت انتخابات لبنية سياسية تتبنى نهج التسوية السياسية الأمر الذي يتناقض مع نهجها السياسي.

وتعتقد حماس أن نموذج المقاومة الإسلامية اللبنانية هو النموذج الذي تعمل من خلاله، كما صرح ذلك الشيخ إسماعيل هنية "مكانة ودور حماس سيكون شبيهة لمكانة ودور حزب الله".

والمقارنة واضحة من ناحية عدم التناقض بين وجود استراتيجية مقاومة للحركة واستراتيجية سياسية في خوض الانتخابات وتشكيل بديل جدي. ورغم أن الحالة اللبنانية ليست شبيهة بالحالة الفلسطينية والمقارنة بينهما هو مقارنة بين سياقين مختلفين تماما. إلا أن حماس تحاول أن تجد الخيط الفاصل بين معارضتها لنهج البنية السياسية التي تخوض فيها الانتخابات وبين استراتيجيتها السياسية والجهادية.

في الانتخابات الرئاسية حماس لم تخض الانتخابات لانها لا تريد أن تحكم السلطة، ولم تخض الانتخابات للتشريعي عام 1996 لانها لم تعترف بسلطة نتجت عن اتفاق أوسلو، وفي الوقت الذي تشارك فيها حماس الانتخابات التشريعية إلا أنها لم تقرر بعد علاقتها مع منظمة التحرير الفلسطينية. والكل يتحدث الان عن أهمية منظمة التحرير كمرجعية وطنية وسياسية للحكومة القادمة في القضايا السياسية (صح النوم!!), لماذا تم الحديث عن تطوير منظمة التحرير فقط بعد فوز حماس، ولماذا لم يتم الحديث عن ذلك خلال هيمنة "فتح" على السلطة.

ولكن هذا الوضع لم يكن حال حماس فقط بل القوى الوطنية المعارضة أيضا، ونقصد تحديدا الجبهتين الشعبية والديموقراطية فقد رفضت هذه القوى المشاركة أيضا في الانتخابات التشريعية عام 1996 وفي الانتخابات الرئاسية، وكان النقد الأساسي لهذه الفصائل، غير النقد السياسي المعروف، هو أن الحركة الوطنية الفلسطينية يجب أن تعيد بناء منظمة التحرير الفلسطينية وفصل عملية التماهي التي أحدثها اتفاق أوسلو بين المنظمة والسلطة.

أرادت هذه القوى تحديدا أن تعيد الروح إلى المنظمة كمؤسسة شرعية للشعب الفلسطيني في ظل السلطة، لكنها نسيت أن المنظمة هي التي وقعت اتفاق أوسلو وليست السلطة التي قامت على أثره. رغم طرح هذه المعارضة لأهمية الفصل بين السلطة والمنظمة وإصلاح الأخيرة، إلا أنها لم تطرح نفسها بديلا خلال انتخابات الرئاسة داخل المنظمة أمام مرشح حركة فتح. وقامت بتهميش نفسها سياسيا كما كانت في الحركة الوطنية الفلسطينية، حسب المنطق السياسي لهذا القوى كان عليها أن تخوض بالأساس الانتخابات داخل هيئات منظمة التحرير وليس السلطة إلا أنها فضلت انتخابات تخوضها في ظل السلطة. ازداد التهميش لهذه القوى والتي اعتبرت "التيار الثالث" بين قطبي حماس وفتح، إلا أنها كما يبدو لم تطرح برنامجا سياسيا يقنع الجمهور الفلسطيني بخطابها السياسي وحتى الإصلاحي. ورغم الدور النضالي الذي لعبته هذه القوى في الحركة الوطنية الفلسطينية إلا أنها اختارت لعبة السلطة على إصلاح المنظمة كمرجعية، فهمشت المنظمة وهمشت نفسها.

وتعيش حركة فتح حالة معقدة من نوع آخر، وهي حالة شبيهة لحركات التحرر الوطني في "العالم الثالث". فبعد العودة إلى الداخل الفلسطيني، كما درج الفكر السياسي الفلسطيني تسمية ذلك كتمييز عن الشتات، دخلت حركة فتح أزمتها الأساسية وهو التناقض الواضح بين طابعها كحركة تحرر وطني وبين كونها حزب السلطة بعد اتفاق أوسلو. وهي حالة رافقت الكثير من حركات التحرر التي تحولت لحزب السلطة، رغم أن بذور هذه الأزمة بدأت تنخر في جسد فتح في مرحلة تونس وبعد خروج قوات الثورة الفلسطينية من لبنان. والقوات التي عادت إلى السلطة من تونس وقيادات "فتح" معها كانت قوات متعطشة للسلطة وقوتها. ولكن في الحالة الفلسطينية كان الوضع اكثر تعقيدا كون السلطة لم تكن شكلاً من أشكال الدولة، يتم من خلالها ممارسة السيادة والعمل السياسي والتعددية الحزبية.

تماهت حركة "فتح" مع السلطة وتشوهت بها، وراوحت مكانها سياسيا ولم تنتج خطابا سياسيا يعبر عن رؤيتها لتطور الصراع، ومعلوم أن التحول نحو التسوية في مطلع السبعينيات داخل الحركة الوطنية الفلسطينية لم يكن نتيجة تحول في الخطاب السياسي لحركة فتح ولم يتم هذا التحول نحو التسوية واتفاق أوسلو من خلال هيئاتها وقواعدها.

الخلاف أو الانقسام الذي أصاب فتح بعد خروج القوات الفلسطينية من لبنان حول قبول مبادرة "ريغان" ووزير خارجيته "شولتز"، أو الاستمرار بنهج المقاومة، ليست شبيهة بالأزمة الحالية، وخصوصا في ظل غياب متغير هام في الحركة وهو ياسر عرفات، فالخلاف اليوم غير محسوب بحسابات سياسية أو حركية وانما متعلق بعوامل خارجية. تتصرف حركة فتح كحزب سلطة في دولة مستقلة (خذ مثلا، إجراء انتخابات "برايمرز" داخلية) وليس كحركة تحرر وطني في الطريق إلى الدولة.

تبقى الإشارة انه بالرغم كل الإشكاليات في الانتخابات الفلسطينية وما سيعقبها فان الشعب الفلسطيني سجل انتصارا كبيرا ضد المشروع الأمريكي والهيمنة الأمريكية والاجندة الأمريكية لمشروع دمقرطة العالم العربي. وانتخب ثوابته الوطنية التي لا يزال يصر عليها.

التعليقات