31/10/2010 - 11:02

لنجاح المصالحة: الاعتراف بوجود أزمة وطنية../ مصطفى إبراهيم*

لنجاح المصالحة: الاعتراف بوجود أزمة وطنية../ مصطفى إبراهيم*
في قطاع غزة تصدق ما تسمعه وما تراه، الطفل محمد في الصف الثاني الابتدائي، اختلف مع زميله في الصف ذاته، وعندما سألته المعلمة عن السبب، رد عليها ولم يذكر اسم زميله، بل قال لها: هذا "الفتحاوي المعفن" يقول لي والدك يقتل الناس!

هذه هي الحال التي وصل إليها الفلسطينيون، حال من التدهور الأخلاقي والسياسي والسوء والتعقيد والتشابك، والشك وعدم قبول الآخر وعدم التسامح والاختلاف على كل شيء.

فالانقسام أدخل الكل الفلسطيني في قطاع غزة في حال اشتباك دائم على جميع المستويات، وبين جميع فئات المجتمع، ولم يسلم منه الصغار قبل الكبار، فحال الفلسطينيين السيئة، خاصة حركتي "فتح" و "حماس" لا تبشر بخير وهي مستمرة، والهوة تزداد بينهما يوماً بعد يوم، على رغم أجواء التفاؤل التي سيطرت على جولات الحوار الثنائية التي جرت بين الطرفين في القاهرة، وتشكيل اللجان التي تم الاتفاق عليها بعد إنتهاء الجولة الأولى من الحوار بدء اجتماعاتها في العاشر من الجاري في القاهرة.

فذهاب الطرفين للحوار يعتبر بادرة خير، ويمكن أن يؤسس عليها الفلسطينيون بايجابية، إلا أن ما يرشح من معلومات من طرفي الصراع لا يبشر بخير ولا يمنح الفلسطينيين الأمل في التقدم بالحوار للوصول للمصالحة الفلسطينية.

فكل طرف ذهب للحوار من خلال قناعاته أن الآخر يعيش أزمة، والخطوة الأولى لنجاح الحوار والوصول للمصالحة الوطنية التي تعتمد على الحقيقة أي الاعتراف بالذنوب والجرائم التي ارتكبها الطرفان بحق الفلسطينيين، والقضية والضحايا الذين ما زالوا يسقطون جراء حال الانقسام، وكذلك الاعتراف بأن الفلسطينيين يعيشون أزمة ومأزقاً خطيراً يهدد وجودهم وقضيتهم، وأن تكون لديهم الإرادة السياسية والأخلاقية والقانونية للوصول بالشعب الفلسطيني، وقضيته إلى المصالحة الوطنية الشاملة القائمة على المكاشفة والحقيقة.

بدأ الطرفان الحوار وقدما ورقة مشتركة حول مجمل قضايا الخلاف، وستتوجه الفصائل إلى القاهرة للبدء في مناقشة قضايا الخلاف من خلال اللجان الخمسة التي تم الاتفاق عليها، وجميع القضايا التي ستتناولها اللجان معقدة وشائكة، ولا تكفي المدة التي ستقوم اللجان بمناقشتها في القاهرة، بل هي بحاجة إلى عمل وجهد كبير ومضن وصبر طويل.

والعمل في كل اللجان مهم وضروري العمل عليه بجد وصبر، ومن اللجان التي يقع على عاتقها قضية المصالحة والتي ستعمل على معالجة كل القضايا المتعلقة بحقوق المواطنين من أشخاص وأملاك وقضايا الدماء والخلافات العائلية والعشائرية، هي لجنة المصالحة الوطنية، التي ستعمل أيضاَ على وضع ميثاق شرف يتضمن الأسس والضوابط لتجنيب المجتمع الفلسطيني تكرار اللجوء للسلاح والعنف لحل الخلافات، ووضع الآليات لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه.

والمدخل إلى ذلك يتم عبر الاتفاق على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، التي سيقع على عاتقها ليس رفع الحصار المالي والاقتصادي وإعادة إعمار غزة فحسب، بل العمل مع الكل الفلسطيني من أجل توحيد الشعب وليس توحيد حركتي "فتح" و"حماس" فقط.

فحال حقوق الإنسان في فلسطين وصلت إلى درجة من السوء لم يسبق لها مثيل في أكثر الدول ديكتاتورية، فالتعدي الخطير على حياة المدنيين أدى إلى تراجع وانتكاسة حقيقية ومخيفة في مفاهيم سيادة القانون، وهددت وما تزال السلم الأهلي والاجتماعي الفلسطيني، فالمطلوب من الفلسطينيين بذل الكثير من الجهد في وضع الأسس لبناء النظام السياسي الفلسطيني الديمقراطي ليس في مؤسسات السلطة بل مؤسسات منظمة التحرير التي يجب أن تدب الحياة فيها من جديد على أساس ديمقراطي لأن الخلاف طاول أيضاَ الكل الفلسطيني في أماكن شتاته.

فالحكومة القادمة عليها مهام شاقة أولها بناء المجتمع الفلسطيني على أسس ديمقراطية وتعزيز سيادة القانون واحترام القضاء والفصل بين السلطات وتعزيز احترام حقوق الإنسان والمساواة بين المواطنين ومحاربة كل أشكال التفرقة والتمييز وحماية الحريات العامة وصون حرية الصحافة والتعبير.

فالوصول إلى المصالحة الوطنية بحاجة أولا: إلى التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت وما تزال بين طرفي الصراع، والتأكيد على احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، ووضع حد للتعدي على حياة المدنيين وتعويض الضحايا.

ولا تكفي التصريحات حول احترام حقوق الإنسان و سيادة القانون ودفع الديات للضحايا الذين سقطوا نتيجة حال الانقسام وسيطرة "حماس" على قطاع غزة، وما تلاها من ردود فعل في الضفة الغربية.

فالمصالحة الوطنية الشاملة تتطلب جهداً حقيقياً وقوة القانون لإقناع المواطنين بالجهد التي يقوم به طرفا الصراع والحكومة المنوي تشكيلها، خاصة أن ما حدث في السنوات الثلاث الماضية خطير جداً وكان وقعه قاسياً ومؤلماً على جميع شرائح المجتمع الفلسطيني ودمر النسيج الاجتماعي الفلسطيني عامة، وذوي الضحايا خاصة.

لذا على الفلسطينيين أن يتساموا على الجراح، وأن يعملوا بكل جد من أجل إنجاح الحوار الفلسطيني وتشكيل حكومة الوحدة وتوحيد كل الجهود، فالاحتلال لا يزال جاثما على صدورهم ومستمرا في سياساته القمعية وكذلك الحصار والعدوان، وبناء المستوطنات والجدار وسياسة هدم المنازل وتهجير المقدسيين.

فالعقبات التي تنتظر الفلسطينيين كثيرة سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، وعلى حركتي "فتح" و"حماس" أن تستمرا في الحوار الوطني الشامل مع كل الفصائل الوطنية والإسلامية، والعمل على تذليل كل الصعاب في جميع قضايا الخلاف، وعليهم إقناع الفلسطينيين غير المتفائلين وغير المتحمسين لما يجري من حوار لإدراكهم أن حجم الهوة كبير، ومع ذلك فهم يتمنون أن يستمر الطرفان في الحوار والوصول إلى نزع فتيل الحقد والكراهية بينهم.

وعلى طرفي الصراع أن يعملا بصبر وتأن وعليهم نيل ثقة الفلسطينيين وذوي الضحايا، من خلال الاعتراف أن هناك أزمة ومذنبين وضحايا، وعقد المصالحة الوطنية الشاملة بين جميع فئات الشعب الفلسطيني يتطلب منهم الاعتراف بذلك قبل كل شيء، وضرورة أن يأتي ذلك ضمن الأطر القانونية التي تحفظ للضحايا حقوقهم.

التعليقات