31/10/2010 - 11:02

ليبرمان في أوروبا.. ولمَ لا؟../ نهلة الشهال

ليبرمان في أوروبا.. ولمَ لا؟../ نهلة الشهال
«محرج، ولكنه منتخب، وبقوة شعبية. ثم إنّ القاهرة ستستقبله». هذا ما تقوله وزارات الخارجية في البلدان ‏الأوروبية التي يزورها ليبرمان هذا الأسبوع، جواباً عن مطالبة حركات التضامن مع فلسطين بالامتناع ‏عن لقائه. فتجد نفسك ترتكب فعل خيانة: «ولكن فرنسا (حيث يحل اليوم بعد إيطاليا)، بلد حقوق الإنسان»! ‏يا الله، تمضي وقتك مشرِّحاً المكوّن الاستعماري أو الاستعلائي الذي كثيراً ما رافق الفكرة والممارسة، ثم ‏تعتدّ بما فككت.

أي بؤس هذا! وكم هو بائس الدخول في محاجة من قبيل أنك، وهنا بالذات، شرحت مراراً ‏أن حكومة حماس منتخبة وشعبية ـ ما دام ذلك هو المقياس ـ وأن مقاطعتها عمل ظالم، علاوة على أنه ‏خاطئ برغماتياً... ولكن الصلف الذي يواجهك ليس هو المسألة. وليس مهماً ملاحظة ـ للمرة الألف ـ ‏ازدواج المعايير، والمعاملة المميزة التي تحاط بها إسرائيل مهما فعلت.

كل هذه معطيات لا يمكن ‏مجابهتها «من داخلها»، وفق منطقها هي، وبأدوات المحاجة المرتبطة بها، حيث الأمر ليس التوصل إلى ‏الإفحام أو الإقناع، بل ليس حتى مرتبطاً بتوازن القوى الذي يُعتد به لتفسير عالم السياسة. فضلاً عن بؤس ‏‏(ثالث) هو انتهاء كل الموقف إلى الاكتفاء بتسجيل حركات التضامن تلك لاعتراضها، بالقيام بتظاهرة أو ‏اعتصام. ‏

العطب القائم: الانفصام بين معطيات الواقع بخصوص المسألة الفلسطينية وأدوات مقاربتها على كل ‏المستويات. ومن المدهش ـ والمعبّر في الآن نفسه ـ أننا نردد استنتاجاً سياسياً يقول إن العملية السلمية ‏انتهت، (وهو الذي جعل وصول ليبرمان إلى السلطة ممكناً)، ثم لا نبني عليه نتائج. والمقصود بالعملية ‏السلمية الحل المتفاوض عليه بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لا أي ترتيبات تُفرض كأمر واقع، وهو ‏ما يُعمل له، ولم يتوقف، ولم ينتهِ. ‏

يمكن بدايةً المغامرةُ بالقول إنّ أولى نتائج ذلك الاستنتاج هي توحيد عناصر المسألة الفلسطينية الأربعة: ‏الضفة، وغزة، ووضعية فلسطينيي 48، ومسألة اللاجئين. وربما ينبغي إضافة القدس عنصراً خامساً ‏يحوز قدراً مخصوصاً من الملامح. بات من الصعب فك هذه العناصر بعضها عن بعض، فهي حاضرة معاً ‏كاستعصاء تام، ومتفاعلة. مثال من بين عدة: تفكيك الضفة بالمستوطنات والسيطرة على فضائها، يعزل ‏القدس نهائياً، ويثير وضعية فلسطينيي 48 بفعل ما يقال له «تبادل أراضٍ». ‏

كما أن عجز الحركة الفلسطينية بكل مكوناتها، وبغض النظر عن انتماءاتها الفكرية والسياسية، عن بلورة ‏تصور لـ«اللحظة»، واستراتيجيات للتعامل معها، هو النتيجة الثانية للاستنتاج نفسه: فمردّ العجز أنه لم يعد ‏من الممكن تلمّس الطريق ذاتياً، أي داخل الدائرة المحددة لفلسطين، ومن داخل اشتراطات الحركة الوطنية ‏الفلسطينية.

فحلّ الدولتين، الذي نشأت السلطة على أساسه، لم يعد واقعياً، ومثله الكفاح المسلح الذي ‏يصعب تصور إمكانه محصوراً بفلسطين. يتطلّب ذلك مراجعة شاملة للنظرية الفلسطينية، هي انقلاب تام ‏على ما بُني في العقود الماضية، رؤيا وعلاقات وتنظيماً. ولا يمكن افتراض ولادة ذلك من داخل ‏الموجود، أي برضاه ومباركته، أو أقلّه وفق طاقاته: سيمسّ ذلك بالكثير من المصالح، وبالكثير من ‏المألوف. إنه فعل ثوري بحق، بغض النظر عن الايدولوجيا الذي يتخذها، وهو يدخل في حسابه معطيات ‏الوضعين العربي والعالمي، ليس كأبعاد للمساندة التقليدية، بل كميادين ضرورية للشراكة.‏

يقود الخيال السياسي إلى نتيجة ثالثة: ما دام لا حلّ عملياً قابلاً للوصول إليه بالتفاوض، ولا شروط ‏للكفاح المسلح، فلا وسيلة إلا بمغادرة الإطار ـ السجن العقيم القائم نحو أفق يأخذ في اعتباره مجمل ‏المعطيات كما تقدم نفسها، ومجمل الضرورات غير المستوفاة. لا بد أولاً، وقبل كل شيء، من ترميم ‏تصور كامل للمسألة الفلسطينية، ينقذها من عملية التفكيك والضبابية وفقدان المعنى الذي أدى إليه انحطاط ‏العملية السلمية (وانحطاط قواها بالمعنى الحرفي للكلمة، وتحوّل تلك القوى إلى ستائر فحسب للخطة ‏الإسرائيلية)، وينقذها من الاعتداد فحسب بالمحاجات المبدئية بشأن الحقوق، بما فيه الحق بالمقاومة ‏المسلحة.

كلاهما لا ينتج استراتيجيا تتكوّن حولها قوى فاعلة، وتحالفات متعددة الدوائر، وخطط عملية ‏تكتيكية في كل الميادين، أي دينامية الوجود السياسي. الحل التاريخي يفرض نفسه كمقترح للنضال وكأفق ‏للتحقق: دولة ديموقراطية لكل مواطنيها! وهي دولة تستوعب اليهود الإسرائيليين الراغبين في البقاء في ‏المشرق، كأبناء له، بلا استعلاء ولا تميّز، وإنما بلا اضطهاد.

تلك هي عناصر «الصفقة»! وذلك ما يسمح ‏باستشراف يوم ينتهي فيه الانشغال بإسرائيل، الحقيقي أو الكاذب، لا يهم، ولكنه انشغال معطّل لكل ما ‏عداه أو مفسد له. وذلك ما يجسد رفض الوقوع عبداً تحت أقدام ليبرمان! ‏

اقتراح غير واقعي؟ ولكن ما هو المطروح واقعياً، الذي يتجاهله الاقتراح؟ ‏
"الأخبار"

التعليقات