31/10/2010 - 11:02

لينين.. التقديس، الانكار، وشجرة الحياة؟../ بسام الهلسه

لينين.. التقديس، الانكار، وشجرة الحياة؟../ بسام الهلسه
الرجل الذي شغل القرن العشرين وكان الشخصية الأكثر نفوذا وانتشارا فيه، لم يعد يذكره سوى أتباعه في البلدان والأحزاب التي احتفظت بعقيدتها الشيوعية ولم تنقلب على ماضيها.

انه فلاديمير ايليتش لينين باني الحزب البلشفي وقائد الثورة الاشتراكية في روسيا ومؤسس الاتحاد السوفييتي وأحد الكبار الذين يتعدى تأثيرهم فترة أعمارهم (ولد في العام 1870وتوفي في العام 1924)، ويتجاوز نطاق أممهم ولغاتهم وبلدانهم.

فحتى تفكك الاتحاد السوفييتي وانهيار الأنظمة الاشتراكية في أوروبا الشرقية في أواخر القرن الماضي، ظل لينين حاضرا بقوة هائلة، ليس في وطنه روسيا فحسب، ولا في الدول الاشتراكية فقط،بل في عموم قارات وبلدان العالم التي ترجم تراثه الضخم إلى لغاتها أو قرأته بلغات وسيطة. ولم يشمل تأثيره المنتمين إلى الدول والإطارات الشيوعية فقط،وإنما امتد ليطال حتى المختلفين مع الشيوعية الذين اطلعوا على هذا الجانب أو ذاك من تجربته العملية أو من تنظيره في الشؤون المختلفة: السياسية، الاقتصادية، التنظيمية والإدارية، الاستراتيجية والتكتيكية، الثقافية، الثورية والفلسفية…

لكن هذا الحضور المهيمن في العالم، يبدو اليوم كذكرى بعيدة من زمن غابر.. فحتى في الدول والأحزاب التي ما تزال ترفع راية الشيوعية، جرى إقصاء تعاليم لينين أو معظمها، ولم يعد ينظر إليها بوصفها المرجع الأول ـ إلى جانب تعاليم كارل ماركس ـ الذي تحتكم إليه في صياغة رؤيتها وبرامجها ومواقفها وإجراءاتها.

أما في صفوف القوى الاشتراكية واليسارية غير الشيوعية، فلا أثر يبدو اليوم للرجل الذي كانت ظلاله تمتد إليها فيما مضى بهذا القدر أو ذاك. وإذا ما جرى تذكُره في مناسبة ما، فانه يواجه بالنقد سواء فيما يتعلق بأطروحاته النظرية أو بتجربته التطبيقية. وبشكل أساسي أخذت عليه نزعته المثالية التي أحلت الوعي والإرادة الذاتية محلَ معطيات الواقع الموضوعي وممكناته، مما قاده إلى استباق المراحل والتعجيل بالثورة الاشتراكية في بلد غير ناضج لها هو روسيا، الأمر الذي أدى إلى إتباع العنف في بناء النظام الجديد وتأمين احتفاظه بالسلطة. واخذ عليه فهمه وتطبيقه للديمقراطية الاجتماعية (الاشتراكية) كنقيض للديمقراطية السياسية التي حققتها الأنظمة الرأسمالية المتطورة، وليس كمطور ومتتم لها. كما اخذ عليه إحلاله للحزب وللقائد محل الطبقات والجماهير الكادحة، مما أدى ـ خصوصا في الحقبة الستالينية ـ إلى بناء دولة شديدة المركزية تقرر مختلف جوانب الحياة، والى تكريس نمط القائد ذي السلطات الكلية، وهيمنة طبقة الموظفين البيروقراطيين على المنتجين بدلا من أن يعملوا في خدمتهم.

* * *

لسنا هنا في مجال مراجعة اللينينية التي كانت تذكر في العادة مقرونة بالماركسية بصفتها الشرح الصحيح والتطوير الخلاق لها في عصر الامبريالية والثورة الاشتراكية. فبعض أهم المآخذ عليها تعود إلى ماركسية ماركس بالذات، التي صاغت منظورا للتاريخ البشري مستمدا من استقراء التجربة الأوروبية، قامت بتعميمه على كل العالم. واشتقت من هذا المنظور فهما مغلقا لسيرورة وتعاقب مراحل التاريخ الذي رأت انه يجري بطريقة حتمية ضمن اطوار خمسة (المشاعية البدائية، العبودية، الإقطاع، الرأسمالية، الشيوعية).

هذا المنظور المعروف باسم " المادية التاريخية" كان بمثابة قانون الإيمان بالنسبة لماركسيي القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، الذين اعتقدوا بصورة جازمة أن تطور الرأسمالية سيفضي بشكل محتوم لا مرد له إلى اندلاع الثورة الاجتماعية (الاشتراكية) في دول الغرب الرأسمالية المتقدمة).

وما دمنا بصدد لينين، فإن الإنصاف يقتضينا أن نذكِر بأنه كان الوحيد من بين الماركسيين الذي تجاوز هذا المنظور وقدَر أن الثورة قد خبت في أوروبا التي تتشارك طبقاتها العاملة مع امبريالياتها في نهب ثروات الأمم، ورأى أن وعود الثورة قد انتقلت إلى البلدان والأمم المستعمرة وشبه المستعمرة والتابعة. وقد ثابر على تأييد كفاحها ضد الاستعمار وضد مخلفات العصور الوسطى، وحقها في تقرير المصير وبناء دولها القومية المستقلة، فيما كانت أغلبية الماركسيين ـ إن لم يكن جميعهم ـ تنظر إلى كفاح وحقوق هذه الأمم بشكل سلبي أو لا تعيره التفاتا.

من جانب آخر، كان لينين أول ماركسي يلتفت إلى الفلاحين المعدمين ويدرك أهمية تحالف العمال معهم. وهذه المسألة التي تبدو اليوم مألوفة، كانت في حينها إحدى أهم مسائل الإستراتيجية فيما يخص تحديد القوى المكونة والمحركة للثورة، فقد كان الماركسيون يعلقون آمالهم على الطبقة العاملة فقط كقوة حاملة للثورة الآتية غدا أو بعد غد!
إذا، بأفكاره ومفاهيمه، وبقيادته للثورة الاشتراكية وبناء دولتها الأولى في التاريخ في روسيا المتخلفة، نصف الأوروبية ونصف الآسيوية، نزع لينين الرداء الأوروبي عن الماركسية، وفتح أمامها الباب لترتحل في العالم غير الأوروبي حيث اصطبغت بألوان البيئات الجديدة التي حلت فيها.

* * *

ربما لم يحن الوقت بعد لتقديم إجابة نهائية للسؤال عما تبقى من لينين واللينينية.. فإذا كان لينين قد ظلم مرتين: ( بتقديسه في الأولى، ثم إنكاره وتجاهله فيما بعد)، فإن تجربته ودوره وارثه ينبغي أن يكون موضوعا للمراجعة والتقييم كواحد من كبار صانعي التاريخ، سواء نظر إليه من زاوية منجزاته، أو من زاوية جناياته. وفي كل الأحوال يتعيَن على المنشغلين من الرجال والنساء، بمواجهة الاستعمار والعنصرية والعولمة الامبريالية وكل أشكال اضطهاد واستغلال البشر، أن يقترحوا الإجابات على الأسئلة المتعلقة بمظالم عصرنا وخلل بنيته، وان يتقدموا برؤاهم لسبل خلاص المستضعفين في الأرض. وهي اقتراحات ورؤى مطلوبة بإلحاح كبير، ويفترض ــ ويجب ـ أن تستمدَ نسغها من التجربة الواقعية المعاشة التي هي اصدق، واعقد، وأغنى من كل النظريات والنصوص إذا ما استعدنا عبارة "غوته" المجازية عن شجرة الحياة الخضراء.

ومن البديهي أن الأحياء أدرى من الأموات بهمومهم وبشؤون دنياهم، فهم من يتألمون.. وهم من يأملون..

التعليقات