31/10/2010 - 11:02

ملاحظات سريعة حول انتخابات بلدية شفاعمرو../ خالد خليل

ملاحظات سريعة حول انتخابات بلدية شفاعمرو../ خالد خليل
لا يختلف اثنان على أن إسقاط عرسان ياسين في الانتخابات البلدية الاخيرة شكل الإنجاز الأهم على مستوى الجماهير العربية قاطبة، وليس على مستوى مدينة شفاعمرو تحديدا.

ذلك أن هذا النمط من القيادات العربية لم يكن مجرد قيادة تقليدية مرتبطة بالسلطة، وإنما مثل نهجا خطيرا عنوانه السقوط والإسقاط الوطني لقسم لا بأس به من الجمهور. وأخطر ما في هذه العملية أنها كانت تتم عن دراية تامة للدور الذي يقوم به هذا النمط المشوه (بفتح الواو وكسرها) خدمة للمشروع الإسرائيلي الرسمي في أسرلة مجتمعنا وتدميره منهجيا، وإلا ما معنى ان يتصل نتانياهو بعرسان عشية سقوطه، ليعده بمكان مضمون في قائمة الليكود للكنيست القادمة وحقيبة وزارية لشؤون المواطنين العرب؟!

بالطبع لا تأتي هذه الوعود تقديرا للقدرات الفذة التي يتحلى بها الرئيس المخلوع (فهو يتقن العبرية كما يتقن أطفالنا اللغة الصينية!!)، وإنما هي تقدير للدور الهام الذي يلعبه هو وأمثاله في تسويق وتنفيذ مخططات المؤسسة الإسرائيلية، التي لم يكن أولها الانسحاب من لجنة المتابعة ولجنة الرؤساء، ولا تجنيد مئات الشبان والشابات للخدمة المدنية، ولم يكن آخرها مشروع الإسكان المكثف للعملاء في مدينة شفاعمرو. فقائمة الممارسات التي تدلل على صحة ما ذهبنا اليه طويلة جدا وباتت بمعظمها مكشوفة للقاصي والداني.

بناء على هذا الفهم فقد تحولت شفاعمرو في الجولة الاولى للانتخابات، إلى حلبة صراع ملتهبة بين الحركة الوطنية (التجمع وابناء البلد) وحلفائها من أجل التغيير من جهة، وبين السلطة وحلفائها من جهة اخرى، حيث شهدت الساحة استقطابا حادا بين هذين الطرفين تميز بحدة الهجوم المتبادل مع وضوح تام للخطاب الوطني والفرز السياسي،
علما بأن القوى الوطنية هي التي تحكمت بهذا التسييس وفرضت قواعد اللعبة في كل مرحلة من مراحل الجولة الأولى، وهي بذلك تستحق أن تكون صاحبة هذا الإنجاز(إسقاط عرسان) بامتياز دون غيرها من القوى التي ادعت التغيير.

وفي المقابل لم يكن خافيا على أحد مدى انتهازية التحالف بين الجبهة الديمقراطية وناهض خازم المبني أصلا على مقايضة الاصوات والمصالح الفئوية الضيقة. وهذا ما أكده رئيس الجبهة في اجتماع افتتاحي للمعركة الانتخابية حينما قال "إن تحالفنا ليس ضد أحد"، ولم يتحدث عن التغيير إلا بعبارات خجولة طوال الجولة الأولى للانتخابات، هذا ناهيك عن الدسائس والصفقات المشبوهة التي مارسها هذا المعسكر على غرار صفقة الأصوات التي وجهها أحد العملاء لدعم قائمة الجبهة التي كانت مهددة بالسقوط قبل إبرام الصفقات المعيبة.

ومن المفيد التذكير بأن الجبهة وقعت في الجولة الاولى على وثقية أنها مع تحالف التغيير قبل اختيار أمين عنبتاوي مرشحا له، لكنها عادت وانسحبت بعد ذلك وسحبت مرشحها للرئاسة أحمد حمدي عندما استشعرت وجود أغلبية داخل التحالف داعمة لعنبتاوي المدعوم من التحالف الوطني (التجمع وأبناء البلد)، لتدعم فيما بعد ناهض خازم على الرغم من أنها كانت تتهمه بعدم الوطنية، كما جاء على لسان مرشحها الاول بحضور ممثلي القوى السياسية في اجتماع تنسيقي قبل الانتخابات. فما الذي جرى لتنقلب الآية ويصبح ناهض خازم "مرشح الجبهة"، وأين المصداقية الشخصية والوطنية لهؤلاء الناس؟!

وهذا السؤال موجه أيضا إلى الحركة الإسلامية الجناح الشمالي بقيادة الشيخ منير ابو الهيجا الذي أوعز لممثلي الحركة بالانسحاب من تحالف التغيير. ينضاف إلى ذلك بث الإشاعات المغرضة حول أمين عنبتاوي كاتهامه بالتحريض ضد الحجاب، والنية بفصل موظفين مسلمين واستبدالهم بمسيحيين، أو العمل على منع آذان الفجر..الخ من الافتراءات التي نسجت وأخرجت بالتنسيق مع أحد الأكاديميين من أبناء المؤسسة الرسمية.

أليس حراما بث الإشاعات الكاذبة وتسخيرها باسم الدين من منطلقات طائفية ضيقة؟ ولماذا اعتبار ناهض خازم أقل ضررا على الطائفة الإسلامية!! ودعمه خفية رغم قرار الحركة الإسلامية القطرية بعدم التدخل في المعركة الانتخابية؟ مع العلم اننا كنا نرجوها أن تتدخل وأن تعلن موقفا واضحا من إسقاط عرسان ياسين والتحالف مع القوى السياسية من أجل ذلك.

إلا أن الحركة الإسلامية، مثلها مثل الجبهة، رفضت التحالف مع القوى السياسية قبل الانتخابات وتشكيل قائمة مشتركة ودعم مرشح مشترك، كما جاء في الاقتراح الذي قدمته أبناء البلد ووافق عليه التجمع بدون تحفظات.

كان بإمكاننا تفهم الجبهة في موضوع مقايضة الأصوات في الجولة الأولى مع ناهض خازم كي تفوز بتمثيل داخل المجلس البلدي، لكن لا يمكن أن نفهم هذة المقايضة مع العملاء. ولا يمكن أن نفهم تحالف الجبهة و الحركة الإسلامية مع عرسان ياسين في الجولة الثانية، والمبني على صفقة وظائف رخيصة تم توقيعها قبل الانتخابات بأسبوع ولم يعلن عنها إلا يوم الانتخابات بطلب من الجبهة التي لم تجد تبريرا لهذا التحالف أمام كوادرها هي نفسها.

لقد رفعت الجبهة أثناء الانتخابات شعار "قل لي من تعاشر أقل لك من أنت" في إشارة إلى أن تحالف التغيير بقيادة أمين عنبتاوي ضم في صفوفه قوائم لها ارتباطات سلطوية.

قد يكون صحيحا أن قلة من أعضاء بعض هذه القوائم لهم ارتباطات سلطوية، لكن الصحيح أيضا أن القوى الوطنية لم تساوم على موقفها ايا من هؤلاء المرتبطين مع السلطة، وهي كانت أول من دعم أمين عنبتاوي ليس في الانتخابات الأخيرة، وإنما في الانتخابات السابقة أيضا.

والقوائم المشار اليها كانت في تحالف في المرة السابقة مع الجبهة التي "عاشرتها" دون تردد لأنها لم تكن بالمعسكر الذي تواجد فيه التجمع آنذاك. فهل هذه المعاشرة كانت مسموحة في حينه؟!

أخيرا لا بد من الإشارة إلى أن هذه الملاحظات السريعة لا تغني عن قراءة مفصلة لنتائج الانتخابات في شفاعمرو وهذا ما سنقوم به لاحقا، لكنها كافية لكشف حقيقة ما حدث، وإذا كنا قد حققنا هذا الإنجاز الكبير بإسقاط عرسان وإخراجه من الباب فإنهم حاولوا إعادته من الشباك، إلا أننا وجماهيرنا لن ندعهم ينعمون بذلك.

التعليقات