31/10/2010 - 11:02

منظّمة التحرير الفلسطينيـة: أي برنامج وأي صيغة؟../ سعد الله مزرعاني*

منظّمة التحرير الفلسطينيـة: أي برنامج وأي صيغة؟../ سعد الله مزرعاني*
أعلن رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، خالد مشعل، في الأسبوع الماضي، اتجاه الحركة لتكوين "مرجعية فلسطينية جديدة". هذا ليس سبب الانقسام الفلسطيني. هذا تكريس له. والمسألة، بعد، مفتوحة على الأسوأ، إن لم يجر تدارك التدهور المتمادي في العلاقات الفلسطينية ــ الفلسطينية. الأطراف المعنية، جميعها، لا تفعل إلا ما يزيد من الانقسام ويفاقم من التدهور. ينطبق هذا على طرفي النزاع الأساسيين: حركة «فتح» ومعها «السلطة الفلسطينية»، وحركة «حماس» ومعها بعض الفصائل الفلسطينية المعارضة.

الموقف الرسمي العربي «المعتدل»، هو الأسوأ. اجتماع وزراء الخارجية لتسع دول «معتدلة» في العاصمة الإماراتية، أبو ظبي، قبل ثلاثة أيام، جاء ليصب الزيت على النار. «اللهفة» على «منظمة التحرير الفلسطينية»، ليست بريئة. القول اليوم بوحدانية تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني، هو عامل دعم للانقسام وليس عامل دعم لكفاح الشعب الفلسطيني.

بعض المتشبثين اليوم بتفرد المنظمة في التمثيل، صارعوا طويلاً في السابق لمصادرة قسم منه، إضعافاً للصفة التمثيلية للمنظمة عندما كانت تعتمد سياسات أكثر جذرية وأكثر استقلالية.

يكرر اجتماع أبو ظبي المذكور، السياسة التي تبلورت في السنوات الأخيرة (بعد احتلال العراق) لدول «محور الاعتدال» حيال الموضوع الفلسطيني. لا بأس من التذكير هنا، بأن هذا المحور قد نشأ برعاية مباشرة من الإدارة الأميركية السابقة، وتبنى مشروعها وسياساتها في المنطقة. ومن بين أبرز تلك السياسات، اعتبار أن الصراع في المنطقة قد تحوّل ضد «الإرهاب» لا ضد المحتلين. بموجب ذلك، أصبحت إسرائيل شريكاً لا عدواً.

هذا التحول اتخذ أشكالاً مباشرة أو غير مباشرة، سرية أو حتى علنية. ولقد «أجاد» وزير خارجية الإمارات، ناطقاً باسم المجتمعين، في تلخيص تلك السياسة بالقول «نعمل جميعاً على تجاوز هذا الوقت العصيب في مسيرة الأمة العربية، ولضمان عدم تدخل أي أطراف غير عرب وغير مرغوب فيهم في شؤوننا، وفي صورة غير ضرورية».

الإشارة هنا هي إلى إيران كطرف غير عربي. «الدقة» في تصريح الوزير الخطير، هي أيضاً في الإشارة الواضحة إلى أن ثمة أطرافاً «غير عرب»، مرغوباً في تدخلهم، خلافاً لإيران التي باتت أيضاً، هي أحد الأعداء الأساسيين بديلاً من إسرائيل.

إلا أن وظيفة اجتماع أبو ظبي، مع ذلك، ورغم خطورته الكبيرة، وخصوصاً بعد العدوان الصهيوني على غزة، تتخطى إصرار «محور الاعتدال» على سياساته نفسها. إنه، بشكل ما، تأكيد على أن سياسة المملكة العربية السعودية، وهي القوة الأساسية في «محور الاعتدال»، لم تتغير بعد مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة الكويت منذ أكثر من أسبوعين. والسؤال هنا: هل كان الملك يناور، محاولاً امتصاص الغضب الشعبي العارم والموجه ضد سياسة كل من القاهرة والرياض؟

وإذا كان الملك صادقاً في «صحوته» تلك، فهل الاتجاه الآخر، المعترض في مركز القرار السعودي على مبادرة الملك، قد سرّع في عقد اجتماع الدول التسع، من أجل التعامل مع موقف الملك السعودي، وكأنه موقف عاطفي أملاه ظرف طارئ، وليس، إطلاقاً، تحولاً في سياسة المملكة؟

في آخر الشهر الماضي، كرّر الملك موقفه. أضفى عليه المزيد من الطابع الوجداني والضميري. تحدث عن قراره بـ«نبذ الشيطان» بعد «الضغط على النفس وأنتم تعرفون النفس والشيطان يصعب التخلص منهما»... وقد نصح الملك، في موقفه الثاني هذا، الفلسطينيين بأن يحذوا حذوه و«يلتف بعضهم حول بعض، لأن تنافسهم خطأ كبير سيؤدي إلى تفريقهم أكثر مما عملته الصهيونية بهم».

معطيات الوضع الداخلي السعودي، تشير إلى أنه، بدءاً من الموقف وصولاً إلى الخلافة، يدور صراع خفي (وأحياناً شبه معلن) بين مراكز القوى السعودية. ذلك يرجح فرضية أن وزير خارجية السعودية الذي هو طرف أساسي في المحور الأكثر ارتباطاً بالسياسة الأميركية، قد تحرك بسرعة لتطويق مفاعيل موقف «سيده» الملك، ولمنع أي ترجمة عملية لمبادرة الملك السعودي في القمة، وللقاء الملك نفسه مع الرئيس السوري بشار الأسد في مشروع مصالحة مفاجئة.

يعزّز من هذا التقدير، أن الملك «تفرد» بإعلان ما أعلن. وكان هذا الأمر مباغتاً للوزير السعودي نفسه، وكذلك لحليف السعودية الأول الرئيس حسني مبارك الذي كان قد زار المملكة بعد وقت قصير من موعد القمة، وتحادث مع الملك السعودي، دون أن يطلعه هذا الأخير على نواياه بإعلان ما أعلن.

ويعزز من ذلك أيضاً، ما أعلنه الرئيس السوري، من أن المبادرة لم تستكملها المملكة، معرباً في الوقت نفسه، عن ترحيبه بإيجاد صيغة تنفيذية لها. وبالعودة إلى المبادرة نفسها، فإنها قد انطوت على نقد ذاتي، واضح وصريح. وهي أيضاً، قد تضمنت وعوداً قاطعة بالتحرك من جانب مطلقها وسلطات بلاده، في سبيل تبديل المواقف والأحوال...

لا جدال بأن المحور الأكثر التزاماً بما خططته الإدارة الأميركية السابقة، هو الأكثر نفوذاً في المملكة. لكن لا جدال أيضاً، في أن الصراع في الرياض سيستمر لحسم بعض التباينات ولضمان التحكم في موضوع الخلافة (في مرحلة الجيل الثالث، أي أحفاد المؤسس عبد العزيز). لن يكون انتخاب باراك أوباما بدون تأثير على ذلك، إلا أن المقدمات تشير إلى محدودية التغيير في السياسة الخارجية الأميركية. وهو، على كل حال، تغيير يتناول الوسائل (ليس كلها طبعاً) دون الأهداف الأساسية التي تقررها، قبل الرئيس الأميركي الجديد وبعده، مصالح الاحتكارات الأميركية الكبرى.

إن الموقف من الوحدة الوطنية الفلسطينية عموماً، ومن منظمة التحرير الفلسطينية خصوصاً، هو، إذاً، امتداد، في سياسة «محور الاعتدال»، للموقف من الصراع المستمر في المنطقة الذي كانت محطته المتفجرة الأخيرة، العدوان الصهيوني على غزة.

وفي هذا الصدد، يمكن القول، ببساطة: عبثاً البحث عن دعم الحقوق الفلسطينية في سياسات القوى المقررة في الموقف الرسمي العربي. ويقودنا ذلك للعودة إلى الوضع الفلسطيني. وههنا يجب السعي لمحاولة إحداث اختراق، تقرره بالدرجة الأولى المصلحة الوطنية الفلسطينية. وطبيعي بل بديهي، أن ينطلق هذا الاختراق من عدم تشبث طرفي النزاع، «فتح» و«حماس»، بمواقفهما المعروفة حتى هذه اللحظة.

إنّ مراجعة المواقف هي مسألة مطروحة بالحدة والمسؤولية نفسيهما على فريقي غزة ورام الله. وفي مجرى ذلك، يصبح الموقف الفلسطيني من منظمة التحرير الفلسطينية موقفاً مركباً لا تبسيطياً ولا بالتأكيد فئوياً.

إن منظمة التحرير في هذه المرحلة، هي صيغة تنظيمية تحتاج إلى إعادة نظر في مسألتين جوهريتين (وهما الأساس): الصيغة، لكي تكون شاملة لـ«حماس» و«الجهاد» و... ووفق توازن واقعي يعكس موازين الفعل والحضور والتأثير. والبرنامج، بحيث يجب الجمع، على نحو خلاق، ما بين العمل المقاوم والعمل الدبلوماسي وما بين الهدف المرحلي بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، والهدف الأبعد في إقامة دولة مساواة وديموقراطية على كل أرض فلسطين التاريخية.

هذا الأمر ليس سهلاً، لكنه يجب ألا يكون مستحيلاً أيضاً. ويتوقف على التعامل مع هذا الأمر، وإلى حد كبير، الحكم على مدى جدية طرفي الصراع الأساسيين ومسؤوليتهما، أي «فتح» و«حماس». ويسري هذا الأمر أيضاً على القوى الأخرى المنخرطة في محوري النزاع، أو تلك التي تتمتع مواقفها وعلاقاتها بالحد الأدنى من الاستقلالية.
"الأخبار"

التعليقات