31/10/2010 - 11:02

نحو بناء مؤسسات اقتصادية../ مطانس شحادة*

نحو بناء مؤسسات اقتصادية../ مطانس شحادة*
تشهد الساحة الاقتصادية في الآونة الأخيرة حراكًا من أجل تطوير وإنماء الاقتصاد العربي في إسرائيل.

قامت الحكومة الحالية والسابقة باتخاذ بعض الخطوات المتواضعة للتعامل مع الضائقة الاقتصادية للسكان الفلسطينيين، منها على سبيل المثال، إقامة هيئة حكومية خاصة لتطوير الاقتصاد العربي وإنشاء شركة للاستثمار في الاقتصاد العربي برأس مال 40 مليون دولار وضعت الحكومة منهم مبلغ 20 مليون دولار، وقد فازت شركة خاصة بمناقصة ادارة الصندوق والاستثمار به بمبلغ 20 مليون دولار.

كما بدأ عدد من المؤسسات الإسرائيلية بالعمل في السنوات الأخيرة على دمج العرب في الشركات الإسرائيلية الخاصة وفي الصناعات المتطوّرة وصناعات المعلوماتية.

وهناك مبادرات من رجال السياسة وصنّاع القرار للقاء رجال أعمال عرب وشركات عربية، مثل لقاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بمجموعة من رجال الأعمال العرب، بغية مشاركة مندوبي المجتمع العربي، ولو شكليا، في تحديد احتياجات الاقتصاد العربي واتخاذ القرارات لتطوير الاقتصاد العربي.

لكن لماذا هذه الحراك، ما هي أهدافه ولماذا الآن؟ وهل تكفي هذه الخطوات للتعامل مع ضائقة الاقتصاد العربي وتحقيق تطوير وإنماء اقتصادي؟ هل يمكن أن تقوم الدولة فعلا بالسماح للاقتصاد العربي بأن يتطور؟ وإلى أي حد؟ والأهم، هل الآليات المطروحة كافية وشافية؟ هل يمكن تطوير الاقتصاد دون تطوير التعليم والبنى التحتية وإرجاع الأراضي وإقامة مناطق صناعية وحل أزمة السلطات المحلية العربية؟ وماذا عن الزراعة العربية والسياحة في البلدات العربية؟ هل يمكن تطوير الاقتصاد دون تغيير المكانة السياسية والقانونية للمجموعة العربية؟ وهل يمكن حل المشاكل الاقتصادية والتطوير الاقتصادي دون إشراك القيادات السياسية العربية في اتخاذ القرارات؟ وهل يمكن فصل الاقتصاد عن السياسية؟

قبل الخوض في تلك الأسئلة لا بدَّ أن نورد القليل من المعطيات عن حال السكان العرب الاقتصادي، إذ نشرت مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية في كانون ثاني المنصرم تقرير الفقر السنوي الذي بيّن أن معدل الفقر العام في إسرائيل بلغ قرابة 25% من مجمل السكان في الدولة وأن عدد العائلات الفقيرة هو 420,000 عائلة تقريبًا.

حسب المعطيات لم يتفاقم وضع الفقر في عام 2008 قياسا بالعام 2007. وتشير المعطيات أن العائلات العربية هي الأكثر فقرًا، إذ بلغت نسبة العائلات العربية الفقيرة قرابة %50 من مجمل العائلات العربية (وتشكل 30% من مجمل العائلات الفقيرة في إسرائيل)، بينما تصل نسبتها الى 15% لدى الأسر اليهودية (وتتمركز بالاساس لدى العائلات اليهودية المتدينة). معطيات الفقر لدى الأسر العربية تضاف إلى معطيات أخرى حول الوضع الاقتصادي للمواطنين العرب مفادها:

يصل دخل العائلة العربية إلى 50% من دخل العائلة اليهودية.
يصل معدل الدخل السنوي للفرد في أوساط الأقلية العربية إلى 8000 $ مقارنة مع 28000$ كمعدل في الدولة.
يصل مستوى المشاركة في قوى العمل لدى الفلسطينيين إلى 40% مقارنة مع 60% في الأوساط اليهودية.
نسبة مشاركة النساء العربيات في أسواق العمل تصل إلى 20% مقارنة مع 50% لدى النساء اليهوديات.
يصل مستوى البطالة لدى الفلسطينيين إلى 10% مقارنةً مع 6% في الأوساط اليهودية.

هذا التناقض في الواقع الاقتصادي للفلسطينيين في الداخل، الدونية الاقتصادية الدائمة وبوادر التغيير في السياسات الحكومية الحالية، تدفعنا لمحاولة البحث عن تفسير للسياسات الاقتصادية الحالية المنتهجة من قبل إسرائيل تجاه المواطنين العرب.

التغيّر الأساسي في هذه الفترة هو أن مؤسسات الدولة باتت تعي أنه لا يمكن للاقتصاد الإسرائيلي أن يتطور دون تطوير الاقتصاد العربي. من هذا المنطلق لم تعد تتعامل الدولة مع الاقتصاد على أنه لعبة فيها الغالب والمغلوب والدولة تتقبّل أن يكون الطرفان رابحين ( win win game)، لكن بشرط أن يفوق ربحها ربح الطرف الآخر وأن تضمن مصالحها القومية أولا.

وهذا ما يفسر السياسات الاقتصادية الحالية تجاه الفلسطينيين في الداخل. بمعنى أن الحكومة الإسرائيلية تقبل بتطوير الاقتصاد الفلسطيني في الداخل، لكن بشرط أن يكون ذلك تحت سقف احتياجات الاقتصاد الإسرائلي وبما فيه من مصلحة الاقتصاد الإسرائيلي الكلي ويساعد على تحقيق الأهداف القومية الإسرائيلية.

ومن المرجّح أن هذا التغيّر حصل نتيجة لضروريات الإندماج الكامل بالاقتصاد العالمي وبالأساس بسبب حاجة اسرائيل لاستجابة لشروط عدد من المنظمات الدولية. منها على سبيل المثال لا الحصر:
تسعى الحكومات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة للانضمام إلى منظمة التعاون والتطوير الاقتصادي OECD وقد خطى الاقتصاد الإسرائيلي عدة خطوات بهذا الاتجاه واستجاب لعدد من شروط المنظمة. لكنه ما زال بحاجة لعدة خطوات، منها رفع معدل الناتج المحلي السنوي للفرد الواحد، رفع المشاركة في أسواق العمل وتخفيض البطالة والفقر.

يبلغ المعدل العام للناتج المحلي القومي للفرد الواحد في اسرائيل قرابة 28 الف دولار سنويا، مقابل 8 آلاف تقريبا للسكان العرب. ووصلت الحكومات الإسرائيلية، باعتراف مدراء سابقين لوزارة المالية ومحللين اقتصاديين بارزين في إسرائيل، الى قناعة بأنه لا يمكن رفع معدل الناتج المحلي السنوي للفرد ليصل إلى 33-34 ألف دولار -ليقترب من معدلات الدول الصناعية- دون رفع معدّل الإنتاج لدى الفلسطينيين في الداخل. وهذا لكون الاقتصاد الإسرائيلي استنفذ الطاقات الكامنة في المجتمع اليهودي من حيث الإنتاجية ومستويات التعليم والتشغيل.

لا يمكن تخفيض معدلات الفقر والبطالة دون خفضها لدى الفلسطينيين، أي دون تطوير الاقتصاد الفلسطيني. كما لا يمكن رفع معدلات المشاركة العامة في أسواق العمل ما لم يتم رفع معدل مشاركة النساء الفلسطينيات في أسواق العمل.

أي أن دولة إسرائيل تحتاج اليوم، بغية تحقيق مصالحها الاقتصادية والقومية والتي من ضمنها الانضمام إلى منظمة OECD، إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين في الداخل ليكون هذا التحسين رافعة لتحسين مؤشرات اقتصادية أساسية. لكن بشرط أن لا يرفع التطور الاقتصادي من سقف الأهداف والمطالب الاقتصادية للفلسطينيين في الداخل. لذلك تقوم الدولة على محاولة تطوير القطاع الخاص العربي وتفاوض رجال أعمال عرب، دون إشراك القيادة السياسية للعرب، وتعمل على فصل الاقتصادي عن السياسي.

هذا ما تحاول الدولة فعله، فما هو موقف ودور العرب من كل هذا؟ التصرف الجماعي المنظم إلى جانب اقامة مؤسسات تعمل على تخطيط علمي ومدروس وشامل لتطوير الاقتصاد العربي، بمشاركة القيادة العربية ورجال الأعمال العرب (القطاع الخاص) والأخصائيين هو الحل.

لذا لا بد من رد فعل جماعي على مبادرة الدولة وعلى تغيير السياسات. في الشأن الاقتصادي ايضا لا بد أن نتصرف تصرفًا جماعيًا مدروسًا يرتكز على الحاجة لتطوير وإنماء الاقتصاد بصورة شاملة. ومن هنا أهمية بناء مؤسسات اقتصادية جماعية كجزء من لجنة المتابعة العليا لتفاوض الدولة وتصل إلى حلول. إذ أن بوادر تغير السياسة الاقتصادية المنتهجة حاليا تجاه السكان العرب نابعة عن حاجة وليس عن قناعة أو تغير في مكانة المواطنين العرب.

اهتمام الدولة بالانضمام في المنظمات الدولة يفوق اهتمامها بمصلحة الجماهير العربية. ومن هذا المنطلق، علينا استغلال حاجة الدولة ورفع سقف المطالب الاقتصادية لتشمل كافة محاور التنمية المستدامة، منها إدارة ذاتية للتعليم العربي ليكون رافعة أساسية في تطوير الاقتصاد؛ وتطوير رأس المال البشري ومناهج التعليم لتوفر للمواطن العربي أدوات للالتحاق بأسواق العمل الحديثة؛ يجب المطالبة بإرجاع أراض عربية، وتطوير السلطات المحلية، وإقامة مناطق صناعية مشتركة للبلدات العربية وفق طاقاتها واحتياجاتها؛ والاهتمام بالزراعة العربية والسياحة في البلدات العربية؛ ويجب أن نخجل من ربط المحور الاقتصادي مع مطلب تغيير مكانة العرب السياسية والقانونية.

والأهم من كل هذا يجب أن نكون شركاء في رسم السياسات ووضع الخطط الإنمائية والاقتصادية، وأن تقوم مؤسسة تمثيلية تشمل كافة مركبات المجتمع العربي، بضمنها متخصصون ومهنييون في المجال الاقتصادي، ورجال أعمال العرب والأحزاب العربية، تعمل إلى جانب لجنة المتابعة، لتقوم في مفاوضة الدولة. يجب علينا ان نحول حاجة الدولة في تطوير الاقتصاد العربي الى فرصة لتطوير اقتصادي مستدام غير مرتبط حصريا بنوايا الحكومات، وأن تكون مناسبة لبناء المؤسسات العربية الاقتصادية، ومناسبة للضغط على الدولة في مجالات سياسية ومطالب قومية أخرى.

التعليقات