31/10/2010 - 11:02

نحو مؤتمر شعبي لمواجهة سياسة هدم المنازل في القدس../ راسم عبيدات*

نحو مؤتمر شعبي لمواجهة  سياسة هدم المنازل في القدس../ راسم عبيدات*
..عمليات هدم المنازل في القدس تتكثف وتتصاعد يوماً بعد يوم، وفي الفترة الأخيرة هذه القضية أخذت بعداً نوعياً وخطيراً، في إطار وسياق عملية التطهير العرقي والترحيل القسري التي تنفذها الحكومة الإسرائيلية وعلى أعلى المستويات الرسمية بحق المقدسيين، وانتقلت من عمليات الهدم الفردية للمنازل والبيوت لما يسمى بالبناء غير المرخص إلى عملية هدم وطرد وترحيل أحياء بكاملها، في خطوة من شأنها تغير طابع وحضارة وتراث وهوية ووجه المدينة المقدسة.

وهذه العملية بدأت في سلوان على اعتبار أنها حسب معتقداتهم وزعمهم التوراتي "مدينة داود"، ومن أجل خلق تواصل بين الأبنية الاستيطانية التي استولت عليها المؤسسات والجمعيات الاستيطانية في سلوان. وفي هذا السياق سلمت إخطارات وأوامر هدم لتسعين بيتا فلسطينيا في حي البستان يقطنها أكثر من 1500 فلسطيني، ومن ثم سلمت أوامر مماثله لخمسة وخمسين عائلة فلسطينية من حي رأس خميس في شعفاط لهدم منازلها، واتجهت بنفس السياسة والأوامر صوب أحياء الشيخ جراح والطور والمكبر والعيسوية وبيت حنينا وبيت صفافا وأم طوبا وصورباهر وسلمت العشرات من أهاليها أوامر وإخطارات لهدم بيوتهم.

وفي ظل هذا التصاعد الخطير لعمليات هدم المنازل العربية والطرد والترحيل الجماعي للعرب، فعمليات المواجهة السابقة والقائمة على الجهد الفردي، أو بعض أشكال المواجهة والتصدي البسيطة من استنكار واعتصامات وعمليات تضامن معنوية، هذه الأشكال لم تعد مجدية وقادرة على لجم هذا التطور النوعي والخطير في السياسات والممارسات الإسرائيلية، وأصبحت الحالة تستدعي من كل المقدسيين أحزاب ومؤسسات مجتمع مدني وفعاليات وأصحاب بيوت مهددة بالهدم والذين هدمت بيوتهم سابقاً، العمل على وضع خطط وبرامج وآليات جديدة لمواجهة هذا التصعيد الإسرائيلي الخطير.

وهذه المواجهة بالأساس يجب أن تعتمد على المشاركة الشعبية والجماهيرية الواسعة للسكان أنفسهم، وعلى العناوين والمرجعيات المختلفة أن تشكل حاضنة ومنظمة ومؤطرة للفعل والحركة الجماهيرية والناس وفق آليات جديدة تركز على البعد الشعبي في المواجهة، من خلال دعوة أصحاب المنازل المهددة بالهدم والذين هدمت بيوتهم لعقد مؤتمر شعبي خاص بذلك، يعمل على صياغة خطط وبرامج ووضع آليات جديدة للمواجهة، وهذا المؤتمر عليه أن ينتخب جسما تمثيليا يأخذ على عاتقه العمل على تأطير وتنظيم وصهر وتوحيد كل الجهود في بوتقة واحدة، واللجان المنبثقة عن هذا المؤتمر، وبما تحمله من مهام ومسؤوليات في جزئها الأساسي ميداني وعملي، وفي جزء آخر حشد الدعم والتأييد المحلي والعربي والإسلامي والدولي لفضح وتعرية هذه السياسات الإسرائيلية والعمل على منعها ووقفها.

إن مؤتمرا شعبيا يعبر عن أفكار وقناعات وتصورات الناس وهمهم المباشر، كفيل بتفجير طاقات وإبداعات الجماهير، ويخلق حالة واسعة من الحراك والمشاركة الواسعة من قبل المقدسيين أنفسهم للتصدي لمثل هذه السياسة الإسرائيلية، فالمرجعيات والعناوين المعين منها وكذلك التي جرى انتخابها بمعزل عن أهل القدس لم تقم بدورها ومهامها ومسؤولياتها تجاه هموم المقدسيين المباشرة الاقتصادية والاجتماعية، وهذا ليس بالسبب الوحيد والمسؤول عن مأساة وهموم المقدسيين، بل إن حجم الهجمة التي تشنها إسرائيل على المدينة المقدسة كبيرة جداً وتمتاز بالشمولية.

ورغم هذه الهجمة فالمقدسيون يواصلون قدر إمكانياتهم وطاقاتهم الصمود والمواجهة، ولكنهم ليسوا قادرين لوحدهم على مواجهة هذا الطوفان، وعلى المرجعية السياسية أن تتخلى عن أوهامها، وتدرك جيداً أن التأجيل المستمر لقضية القدس لما يسمى بالمرحلة النهائية، هو ليس خطيئة بل خطايا كبرى، فإسرائيل لم تحترم ولم تلتزم بأية اتفاقيات لا بشأن القدس ولا غيرها، وما يجري على الأرض وفي القدس من ممارسات وإجراءات احتلالية تطال كل شيء فيها من بشر وحجر وشجر، تثبت بالملموس أن الحياة ليست مفاوضات، فهذه المفاوضات العبثية والعقيمة أصبحت غطاء ومبررا للاحتلال لمواصلة إجراءاته وممارساته بغطاء فلسطيني، وعلى دعاة وحملة هذا النهج أن لا تأخذهم العزة بالإثم، وأن يصارحوا شعبهم ويقولوا له بالفم المليان أخطأنا، وهذا النهج لم يعد مجديا وليس الطريق الصحيح لنيل الحقوق، وليجرب الشعب وفصائله وأحزابه ومؤسساته خيارات أخرى، جربتها كل الشعوب التي سعت لنيل حقوقها وحريتها وانتصرت بها.

المعركة على القدس والهجمة عليها جداً خطيرة، ومع قدوم حكومة إسرائيلية مغرقة في اليمينية والتطرف، مرشحة للتفاقم والهجوم الشامل، ومن هنا فالمواجهة على ضوء ذلك تحتاج إلى وسائل وأدوات واليات جديدة، ودائم وبالأساس يجب أن يكون عمادها ودعامتها الأساسية هو البعد الشعبي، المرفود والمسنود بالدعم المحلي والعربي والإسلامي. وصحيح جداً أن أهل القدس هم رأس الحربة في التصدي لسياسات الاحتلال القمعية والاذلالية والتدميرية في مدينة القدس، ولكن هذا ليس بالكافي لوحده، فحجم الهجمة أكبر من طاقاتهم وقدراتهم، ومسؤولية حماية والدفاع عن القدس ليس مسؤوليتهم وحدهم، بل هي مسؤولية جمعية تخص كل العرب والمسلمين، كان وما زال قدر المقدسيين وشعبنا الفلسطيني أن يكونوا رأس حربة فيها.

إن تنشيط وتفعيل المشاركة الشعبية والجماهيرية في مدينة القدس، ليس قصراً على هدم المنازل، بل يجب العمل بهذه الوضعية والآلية في كل القطاعات الأخرى، فهناك قطاع التعليم والذي تشرف بلدية الاحتلال ودائرة معارفها على حوالي 50% من مدارسه بشكل مباشر وما يصل إلى 30% من المدارس الخاصة والأهلية بطريقة غير مباشرة، فهذا القطاع الهام والحيوي، يتعرض إلى عملية تخريب وتدمير ممنهجة، حيث النقص الحاد في الأبنية المدرسية، والتي تزيد عن نقص يقدر ب1300 غرفة صفية باعترافات الجهاز الإداري الإسرائيلي نفسه، وكذلك منع المدارس الخاصة من التوسع وإقامة أية إضافات أو أبنية مدرسية جديدة، وهذا كله بقصد دفع الطلبة للتسرب من المدارس، أي فرض سياسة تجهيل وتخلف على أهلنا وشعبنا في مدينة القدس، وتحقيق الهدف الأكبر بالطرد والترحيل القسري من مدينة القدس.

إن معركة القدس من المعارك الكبرى، والتي تحتاج منا إلى تضافر وتوحيد وتكامل كل الجهود الشعبية والرسمية من أجل الدفاع عنها وحمايتها وتعزيز وجود وصمود أهلها فيها وعليها.

التعليقات