31/10/2010 - 11:02

هل الوضع القائم في غزة عائق أمام حل الدولتين؟../ مصطفى إبراهيم*

هل الوضع القائم في غزة عائق أمام حل الدولتين؟../ مصطفى إبراهيم*
"الوضع في قطاع غزة أصبح عائقا أمام إقامة الدولة الفلسطينية وحماس يجب أن تعرف أن تطلعنا للسلام لا يعني أن إسرائيل ستقبل بعد الآن هذا الوضع، كفى يعني كفى.. والوضع سيتغير".

هذا بعض ما قالته تسيفي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية في القاهرة قبل يومين من بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، وهي ليست الوحيدة التي جاهرت بقولها هذا، بل رأي غالبية المسؤولين الإسرائيليين سواء في الحكومة الإسرائيلية المنصرفة، أو حزب ليكود ومعسكر اليمين الذي سيقوم بتشكيل الحكومة القادمة والتي ستكون الأكثر تطرفا من سابقاتها.
فمنذ سيطرة "حماس" على قطاع غزة، وهي تشكل عائقا أمام الجهود التي تبذلها الدولة العبرية مع شركائها الفلسطينيين المعتدلين لإقامة الدولة الفلسطينية، ويشاركها الرأي في ذلك الرباعية الدولية التي تطالب "حماس" بقبول شروطها.

في حينه أوهمت ليفني فريق السلطة بالحلم والتوصل إلى حل على أساس الدولتين! فقد حلموا بالدولة أيضاً مع الرئيس الأمريكي المنصرف بوش! عندما وعدهم بحل الدولتين من خلال رؤيته التي أطلقها في العام 2002، وهي قيام الدولة الفلسطينية خلال ثلاث سنوات أي في العام 2005، وتم تأجيل قيامها إلى نهاية العام 2008، وبقيت آمال الفلسطينيين معلقة حتى نهاية العام المنصرف، وستظل معلقة إلى ما شاء الله.

وخلال الأعوام الثلاثة الماضية مر الفلسطينيون بأحداث ومفاجآت كبيرة كان أبرزها فوز "حماس" بالانتخابات التشريعية، وما تلا ذلك من اقتتال داخلي بين "فتح" و"حماس"، أفضى إلى سيطرتها على قطاع غزة بالقوة، الأمر الذي اعتبرته الدولة العبرية فرصة ذهبية لها في تعزيز الفصل بين الفلسطينيين، والاستمرار كذلك في عزل الحركة من جهة، ومن جهة أخرى الادعاء بالتقدم على المسار السياسي مع الرئيس محمود عباس ودعمه وتقويته.

ولم تنتظر الدولة العبرية كثيراَ فدعت إلى لقاء رباعي في الخامس والعشرين من يونيو ( حزيران) 2007، بعد عشرة أيام من سيطرة "حماس" على القطاع جمع كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، والرئيس الفلسطيني محمود عباس و الرئيس المصري حسني مبارك، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في شرم الشيخ، واعتبر المسؤولون في الدولة العبرية إن قمة شرم الشيخ مهمة جداً، حيث تناولت الوضع الجديد في القطاع، وكان الهدف الرئيس من اللقاء منع العنف وإيقافه، ومنع حماس من تطوير قدراتها العسكرية، والاستمرار في عملياتها الإرهابية.

وفي حينه طالب المسؤولون الإسرائيليون من الرئيس عباس الوقوف في وجه التحديات في الضفة الغربية، وعلى رأسها جمع السلاح من المليشيات التابعة "لفتح"، ومدى قدرته على إثبات قوته أمام "فتح" و"حماس"، وفي اليوم التالي اجتمعت اللجنة الرباعية الدولية في القدس، وناقشت أيضاً الوضع الجديد في غزة، وطالبت حكومة رام الله بالاعتراف بشروط الرباعية التي رفضتها حكومة حماس العاشرة، وحكومة الوحدة الوطنية، وتعهدت الدولة العبرية بالاستمرار في إدخال المساعدات الإنسانية.

وبعدما كان الرئيس الفلسطيني رجلاً ضعيفاً وغير ذي صلة ولا توجد له القدرة على السيطرة على الفلسطينيين، أصبح ذا صلة وشريكا في عملية السلام والمفاوضات إلا انه قبل أن يتم قبوله شريكاً حقيقياً يجب عليه أن ينفذ التزامات خارطة الطريق خاصة الأمنية، وقدم الرئيس عباس كل الالتزامات المتعلقة بخارطة الطريق، في المقابل ماذا قدمت دولة الاحتلال للرئيس عباس؟

ومنذ ذلك الوقت وقبله والرئيس عباس يتلقى وعوداً لم يتحقق منها شيء، وإسرائيل لم تنفذ منها وعداً واحداً، ومع ذلك استمر الرئيس عباس بتطبيق التزامات السلطة الفلسطينية بخارطة الطريق.

وفي خطوة أخرى من المماطلة والتسويف ولالتفاف على الحقوق الفلسطينية دعت الولايات المتحدة في نوفمبر( تشرين ثاني) 2007 إلى اجتماع "أنابوليس"، حضرته معظم الدول العربية، وجدد بوش وعده للرئيس عباس بإقامة الدولة في نهاية العام 2008، ولم ينس بوش أن يطالب الرئيس عباس بأن يكون شريكا حقيقيا يحارب الإرهاب، ويعمل على الحفاظ على أمن إسرائيل.

وقبل انتهاء العام 2008، شنت الدولة العبرية عدوانا همجيا على قطاع غزة خلف آلاف الشهداء والجرحى، ودماراً وخراباً لم تشهده الأراضي الفلسطينية من قبل، وذلك من أجل تغيير الوضع القائم في قطاع غزة وإزالة العائق أمام تحقيق حل الدولتين، وتحقيق الأمن للإسرائيليين.

ومع فوز اليمين الإسرائيلي بالأغلبية النيابية وتكليفه بتشكيل الحكومة، وتنصله من الحل القائم على أساس الدولتين، الأمر الذي بررته ليفني لعدم دخولها الحكومة، وعلى رغم التصريحات الصادرة عن مسؤولين في السلطة الفلسطينية حول العملية السلمية والإحباط الذي وصلوا إليه جراء عدم تنفيذ إسرائيل وعد بوش أو أي من التزاماتها المتعلقة بخارطة الطريق والحال الفلسطينية السيئة سواء في الضفة أو في القطاع، لم ير الفلسطينيون تغييراً في موقف السلطة الفلسطينية من العملية السلمية ومن التغييرات الجديدة سواء على المستوى الدولي أوالإقليمي حتى بعد العدوان الهمجي على القطاع.

بل لا يزال الرئيس عباس متمسك بالخيار السلمي على أساس حل الدولتين وخارطة الطريق ومسار أنابوليس الفاشل، وتشدده في مطالبته بأن تشكيل أي حكومة وحدة وطنية فلسطينية ستقوم يحب أن تعترف بحل الدولتين وحكومة ترفع الحصار لا تفرضه من جديد.

ومن حال الإحباط التي سيطرت على مسؤولي السلطة إلى التفاؤل والترويج أن مبعوث الإدارة الأمريكية إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل ليس مهتما بالعملية السلمية بقدر ما هو مهتم بصناعة السلام، هذا ما صرح به كبير المفاوضين الفلسطينيين بعد لقائه ميتشل في القنصلية الأمريكية في القدس مطلع الشهر الجاري.

فالدولة الفلسطينية لن تأتي من دون إنهاء حال الانقسام ومن دون التئام الوحدة الوطنية، ومن دون العمل على رفع الحصار عن قطاع غزة وعدم قبول الإملاءات والشروط الإسرائيلية والدولية، والعمل على وقف الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية المستمرة على الأراضي الفلسطينية.

فالدولة الفلسطينية لن تقوم بالالتزام بالشروط الإسرائيلية والرباعية الدولية، ولا بالشكل الذي تسير عليه المفاوضات، ولا بالشروط التي يضعها الرئيس عباس، أمام المتحاورين في القاهرة، وكأن المطلوب فقط تنفيذ التزامات خارطة الطريق من دون الأخذ بالمتغيرات الدولية والإقليمية وتأثير ذلك على القضية الفلسطينية، والركون إلى أن الحل على أساس الدولتين بناء على خارطة الطريق هو الملاذ لحصول الفلسطينيين على حقوقهم.

وضع الشروط أمام المتحاورين وضرورة التزام أي حكومة فلسطينية قادمة الاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير هي كمن يؤكد على الالتزام بشروط إسرائيل التي تبنتها الرباعية الدولية، وهي لن تؤسس لشراكة حقيقة طالما ظلت قيادة السلطة والمنظمة ملتزمة بتلك الشروط، من دون تلبية حاجة الفلسطينيين إلى بناء إستراتيجية وطنية جادة تخلصهم من الاحتلال وتكشف الادعاء الإسرائيلي بأن الوضع القائم في غزة عائق أمام الدولتين. فالدولة العبرية هي العائق الوحيد أمام إقامة الدولة الفلسطينية فهي ما تزال تحتل الأراضي الفلسطينية، ومن حق الفلسطينيين تقرير مصيرهم ومقاومة الاحتلال، وليس الانتظار إلى الأبد تحقق الوعود والتعهد بصنع السلام.

التعليقات